كان الدكتاتور التشيلي السابق وأحد أشهر جنرالات الولايات المتحدة في منطقة أمريكا اللاتينية ومسؤولاً بشكل أساسي عن القتل الغامض للرئيس التشيلي المنتخب سلفادور أليندي.
لمحة عن أوغستو بينوشيه
ولد سنة 1915 كان رئيساً للحكومة العسكرية التشيلية من سنة 1973 حتى سنة 1990 كحاكم عسكري مطلق، حيث ينسب إليه وإلى عهده العديد من الفساد السياسي والمالي وهو متهم بالدكتاتورية والتعذيب واستخدام الاغتيال السياسي والاختفاء والتشويه كوسيلة للتفاهم مع المعارضة.
في سنة 1970 تولى الرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي رئاسة تشيلي في انتخابات حرة ولم تنال إعجاب الولايات المتحدة؛ لأن أمريكا اللاتينية كانت تمر عبر الاشتراكية والعداء للرأسمالية لدرجة أن العديد من القساوسة تركوا وظائفهم الكنسية في معقل الكاثوليكية وتوجهوا للمشاركة في الثور، أيضاً التحريض ضد فساد الحكام الرأسماليين الذين سئموا منهم من الولايات المتحدة خلال فترة المد الاشتراكي العالمي والحرب الباردة، حيث تبنى أليندي سياسات كسحت المصالح الأمريكية في تشيلي بفوزها إلى طرف الفقراء وميولها الاشتراكية الواضحة.
قررت الولايات المتحدة أن أليندي يشكل تهديداً كبيراً على مصالحها لكنها لم تستطع الطعن والتشكيك في شرعيته كحاكم؛ لأنه فاز في الانتخابات بطريقة مشرفة لذلك قررت إبعاده عن السلطة، حيث كان بينوشيه قائد الجيش الذي سيطر على السلطة في سنة 1973 عندما داهم القصر الرئاسي بالدبابات مطالباً أليندي بالاستسلام، لكنه رفض وارتدى وشاح الرئاسة الذي ميز الرؤساء ليموت رافضاً التنازل عن حقه المشروع.
حياة أوغستو بينوشيه السياسية
بدأ بينوشيه حكمه العسكري بقتل الرئيس وتعليق الدستور وإعلان المجلس العسكري الحاكم لشيلي واستمر في الحكم لمدة 17 سنة وكان خلالها العدو الأول لجميع من في أمريكا اللاتينية، لقد حظروا الأحزاب السياسية اليسارية التي شكلت تحالف أليندي الحاكم ومنعوا أي نشاط سياسي ومارست الإرهاب السياسي.
لقد طاردوا اليساريين في جميع أنحاء البلاد ونتيجة لأعمال المجلس العسكري قتل أو اختفى الآلاف من التشيليين، حيث تعرض أكثر من 27 ألف للتعذيب والسجن ونفي كثيرون أو فروا بحثاً عن لجوء سياسي.
تم تمرير دستور جديد للبلاد واستفتاء على السلطة لمرشح واحد لكن البلد الذي كان يعاني من كراهية نظام بينوشيه والضغط الدولي المتزايد أعاد القاعدة المدنية إلى البلاد، عندما رفض الكونغرس تمرير دستور سيسمح لبينوشيه بحكم البلاد طوال حياته الذي لم يحتفظ بنفوذه السياسي والعسكري الكبير بالتنازل عن الرئاسة إلى باتريسيو أيلوين الرئيس المنتخب ديمقراطياً، لكنه احتفظ بمنصبه كرئيس للجيش وشغل مقعداً في مجلس الشيوخ.
في سنة 2002 سافر الرجل الدكتاتور المسن الذي ظل مؤثراً بصورة واسعة على الحياة السياسية في تشيلي إلى المملكة المتحدة لإجراء فحوصات طبية، حيث بعد الإفراج عنه لأسباب طبية عاد إلى تشيلي تاركاً مقعده كعضو في مجلس الشيوخ بعد أن حكم عليه بأنه يعاني من الخرف الوعائي الذي لا يمكن مقاضاته بسبب أفعاله، ثم حكمت المحكمة العليا في تشيلي في سنة 2004 على أساس أفعاله بأنه نجا من المحاكمة وبدأت محاكمته في العام نفسه بتهم تتعلق بحقوق الإنسان.
يفخر أنصار بينوشيه بتجنبه لما كان يسمى بداية الشيوعية في تشيلي والنضال ضد الجماعات الإرهابية الثورية وتنفيذ سياسات السوق النيوليبرالية، التي أرست الأساس للنمو الاقتصادي السريع الذي استمر حتى الثمانينيات.
بالنسبة لخصومه فيتهمونه بتدمير ديمقراطية تشيلي واتباع سياسة إرهاب الدولة المنظم الذي قتل وعذب الآلاف من المعارضين، أيضاً تفضيل مصالح الطبقة الحاكمة الثرية وتبني سياسات اقتصادية تضر بمحدودي دخل الشعب وخدم النخبة الثرية، حيث خلال 17 سنة التي حكم فيها كان التعذيب مستعملاً بشكل كبير في هذا العهد للبطش بكل المعارضين.
سقوط نظام أوغستو بينوشيه
بدأت حركات المعارضة والعمالية في تنظيم الإضرابات والعصيان المدني وأثارت هذه الحركات ردود فعل عنيفة من المسؤولين الحكوميين التشيليين، حيث اكتشفت قوات الأمن الكثير من الأسلحة المهربة إلى البلاد من قبل الجبهة الوطنية للحزب الشيوعي المحظور بتمويل مشترك من كوبا مع ألمانيا والاتحاد السوفييتي.
في نفس السنة تم استخدام بعض هذه الأسلحة في محاولة فاشلة لاغتيال بينوشيه من قبل الجبهة الوطنية، على الرغم من أن بينوشيه نجا من إصابات خفيفة إلا أن 5 من حراسه الشخصيين العسكريين قتلوا في المحاولة وقبل ذلك بأيام هدد الدكتاتور خصومه ببيان أوضح فيه بأنه سيبقي أعينه مفتوحة لبعض السادة، حيث أعقبت محاولة الاغتيال الفاشلة اغتيال معارضي الدكتاتور.
لقد أدى ذلك إلى قطع رؤوس الشيوعيين ال 3 من قبل الشرطة العسكرية ووفقاً للدستور الذي صوت عليه 75٪ من الناخبين، تم تنظيم استفتاء غير عادي وغير ديمقراطي لصالح بينوشيه باعتباره المرشح الوحيد لكن المحكمة العليا قضت ببطلانه، حيث نظمت عملية الانتخاب والتصويت وحددت أوقات الإعلانات بأوقات وقواعد معينة.
نتيجة لذلك نشرت المعارضة إعلانات مبهجة ومشرقة تستفز الناس على عدم قبول بينوشيه ووجد نفسه مطالباً بالإجابة على أمور متعلقة بمن اختفوا أو قتلوا أو عذبوا، حيث بناءً على نتائج الاستفتاء اضطر بينوشيه إلى ترك السلطة وحكمت المحكمة العليا على انتخابات الكونغرس في السنة التالية، ثم تليها الانتخابات الرئاسية العامة التي فاز بها باتريسيو إلوين وفي سنة 1990 ترك بينوشيه الرئاسة.
بناءً على أحكام الدستور الانتقالي احتفظ بمنصبه كقائد أعلى للجيش وأقسم اليمين كشيخ في الكونغرس، وهو امتياز كان من حق جميع الرؤساء التشيليين السابقين، مما يمنحه الحصانة من المحاكمة التي سقطت باعتقاله في لندن وتسببت في بدء محاكمته والتنقيب عن حساباته في الخارج، حيث تم اكتشاف حساباته في أمريكا بملايين الدولارات من أموال الشعب التشيلي.
ومع ذلك فإن بينوشيه لم ينتهي به المطاف في سجن أمريكي مدان بتهريب المخدرات، حيث انتهت اللعبة الأمريكية أيضاً ولم يقتل على يد شعبه حيث انتهى الأمر بليونداس تروجيلو على الرغم من تعرضه لمحاولات اغتيال، لكن انتهى به الأمر إلى الإطاحة به من قبل شعبه الذي أطاح به على الرغم من قوة نظامه العسكري وأنهى 17 سنة من خنق الحريات من قبل أحد أسوأ الأنظمة الديكتاتورية في العالم.
ورث بينوشيه النظام اللاحق العديد من القضايا عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان ونظام رأسمالي بمعدل نمو اقتصادي معتدل يجعل الفقراء أفقر والأغنياء أفحش ثراءً مما يكبر الفجوة بين طبقات الشعب، بالإضافة إلى ذلك كانت علاقات نظامه الخارجية مع دول الكتلة الغربية وانقطعت تماماً عن دول النظام الاشتراكي لكنه ترك تشيلي مستقرة وحديثة بهوية أمريكية.
في سنة 2006 أُعلن أن أوغستو بينوشيه أصيب بنوبة قلبية بعد أيام من وضعه رهن الإقامة الجبرية ثم أصدرت محكمة الاستئناف الشيلية أمراً برفع الإقامة الجبرية ونقل بينوشيه إلى وحدة العناية المركزة، حيث توفي في المستشفى العسكري بسبب قصور في القلب وتراكم المياه في الرئتين ثم خرجت مظاهرات عفوية حاشدة في الشوارع من قبل خصومه في وسط مدينة سانتياغو، كذلك من قبل أنصاره أمام المستشفى العسكري.