إحياء دولة الخلافة الأموية في الأندلس

اقرأ في هذا المقال


إحياء دولة الخلافة الأموية في الأندلس:

كانت الأندلس الولاية الأشد تأثراً بانتقال الخلافة من الأمويين إلى العباسيين. فقد عانت من فوضى الصراعات العنصرية والإقليمية خلال مرحلة غياب السلطة المركزية التي استمرت بين عامي (‎124-138‏ هجري)/(742-756 ميلادي) ونشبت الحروب الداخلية، بين القيسيين واليمنيين، وهزمت المضرية اليمنية في شقندة، الواقعة أمام قرطبة في عام 130 هجري)/(748 ميلادي).

وسقطت أثناء ذلك دولة الخلافة الأموية على أيدي العباسيين في عام (132 هجري)/(‎750 ميلادي) وأخذ الولاة العباسيون يتتبعون الأمويين ويقتلونهم. إلا أن أميراً أُموياً استطاع النجاة من مطاردة هؤلاء؛ هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان؛ فيمّم وجهه شطر المغرب.

اتصف عبد الرحمن بالطموح، فعزم على تأسيس دولة له في المغرب، إلا أنه اصطدم بمعارضة والي إفريقية عبد الرحمن بن حبيب الفهري، فاتجهت أنظاره نحو الأندلس التي كانت أوضاعها مضطربة حيثُ وجد في هذا الإقليم الفرصة الأكثر منالاً من المغرب، ونجح خادمه بدر، الذي أرسله إلى هناك لدراسة الموقف، من اجل تكوين نواة لقاعدة أموية اعتمدت على اليمنية.

والواقع أن اليمنيين الذين يرتبطون عضوياً بالأسرة المروانية رحبوا بتأييد الأمير الأموي للتحرر من قيود القيسيين الثقيلة والأخذ بثأر قتلاهم في وقعة شقندة. وبات أنصار الأمير الأموي يمتلكون من المعطيات ما شجعهم على دعوته، فعبر المضيق في شهر ربيع الثاني عام (138 هجري) شهر أيلول عام (755 ميلادي) ونزل ضيفاً على أبي عثمان في حصن طرشة.

كان حاكم الأندلس آنذاك يوسف بن عبد الرحمن الفهري لكن السلطة الفعلية كانت في يد الزعيم القيسي الصميل بن حاتم. وقد أدرك الزعيمان مدى الخطر الذي يشكله عور الأمير الأموي على أوضاعهما خاصة وأنه حاز على ثقة فئة كبيرة من المجتمع الأندلسي لذلك قررا التتصدي له لإرغامه إما على العودة أو الخضوع لهما.

أما عن عبد الرحمن، فقد أستعد من جهته للتصدي في وجهيهما. فنتقل من حصن طرشة إلى أرشذونة التي أعلنت تأييدها له، ثم ذهب إلى أشبيلية وبايعه أهلها. وانضمت إليه القوى العسكرية التي كانت قد جاءت من دمشق وحمص والأردن وذهب بعد ذلك من أشبيلية باتجاه قرطبة، والتقى بقوات الصميل والفهري عند المسارة في شهر ذي الحجة عام (‎138‏ هجري) شهر أيار عام (756 ميلادي) وانتصر عليها ودخل قرطبة حيث صلَّى بالناس صلاة الجمعة في مسجدها الكبير وخطب فيهم خطبتاً مُعلناً قيام دولته الجديدة، واضطر كل من الصميل والفهري للفرار.

وهكذا استطاع هذا الأمير الأموي الطريد، أن يُحيي من جديد دولة الخلافة الأموية التي سقطت في الشرق وأن يجعل من الأندلس دولة مستقرة؛ وأول ولاية اقتطعت من دولة الخلافة العباسية. واجهت عبد الرحمن الداخل، في بداية حُكمه مشكلتان. تمثلت الآولى بقيام حركات ارتدادية من جانب الصميل والفهري وقد أخمدها، وانتهت بمقتل الزعيمين المذكورين وتمثلت المشكلة الثانية بمحاولات الخلافة العباسية القضاء على الدولة الناشئة واستعادة سيادتها على الأندلس بعد أن ساءها أن يقتطع الأمويون جُزءاً من دولة الخلافة الإسلامية.

والواقع أن أبا جعفر المنصور استغل الحالات المضطربة التي كان عبد الرحمن الداخل لا يزال يُعانى منها، واتصل سراً بأحد الزعماء العرب ويدعى العلاء بن المغيث الجذامي فحثه على التخلص من خصمه ووعده بإمارة البلاد وبعث له بِلواء الدولة العباسية، وبسجل تعيينه على الأندلس.

وأخذ العلاء يدعو الناس سراً إلى طاعة الخليفة المنصور، واستغل في عام (146 هجري)/ (763 ميلادي)، التقلبات السياسية لحركات الفئات العنصرية مُركزاً على اليمنية الذين بدأوا يتململون من حكم الداخل بعد أن استأثر بالسلطة دونهم وخذلهم في تحقيق ما كانوا يطمحون إليه من السيادة لقاء ما قدموه من مساعدة في صراعه ضد المضرية.

ولم يقبل عبد الرحمن من جانبه أن يكون أداة طيعة في أيدي هؤلاء. فانحاز إلى جانب القيسية مما أثار غضبهم ودفعهم إلى الانضمام إلى حركة العلاء، كما انضم إلى هذه الحركة، الفهريون من القيسيين بفعل العداء المستحكم بينهما. وبعد نحو عام من الاتصالات والتحضيرات، أعلن العلاء ثورته على النظام الأموي في عام (147‏ هجري)/(764 ميلادي) ورفع أعلام العباسيين السوداء.

لكن الأمير الأموي تمكن من القضاء على ثورته وقتله مع عدد من رجاله وبعث برؤوسهم إلى
المنصور الذي أدرك أنه أمام أمير قوي ربما يفوقه دهاء وعِناداً. وكان فشل هذه المحاولة كافياً لإقناعه بالعِدول عن مشروع استعادة الأندلس، ولم يمنعه عداؤه لعبد الرحمن من الإعجاب به ولقبه ب (صقر قريش).


شارك المقالة: