السلاجقة في عهد الخلافة العباسية

اقرأ في هذا المقال


أصل السلاجقة:

ينحدر السلاجقة من قبيلة (قنق) التركية، وتمثل هذه القبيلة مع ثلاث وعشرين قبيلة أخرى مجموعة القبائل التركمانية المعروفة بـ (الغز)، وكانت منازل قبائل الغز في الصحراء الواسعة والسهوب الممتدة من الصين حتى شواطىء بحر الخزر.

ولم يكن هذا الفرع من قبيلة الغز يحمل اسماً خاصاً به إلا عندما ظهر سلجوق ابن دقاق في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، حيث نجح في توحيد أفراد هذا الفرع، فنسبوا إليه وسمّوا بالسلاجقة. وفي حوالي سنة (375 هجري)، نزع السلاجقة من موطنهم الأصليّ، إلى بلاد ما وراء النهر.

اعتنق السلاجقة الإسلام بعد استقرارهم في بلاد ما وراء النهر، ويبدو أن مجاورتهم للسامانيين كان ها دور كبير في اعتناقهم الإسلام وفقاً للمذهب الحنفي، وكان سلجوق غيوراً على الاسلام، فأخذ على عاتقه حماية المسلمين في المناطق المجاورة له من غارات القبائل التركية غير المسلمة، فذاع صيته، وزاد أتباعه وأخذت قوته تتزايد بشكل ملحوظ يوماً بعد يوم، مما لفت نظر السلطان الغزنوي محمود بن سبكتكين، فأخذ يعد العدة للتخلص من هذه القوة الجديدة، ولكنه توفى، وقام ولده السلطان مسعود بتنفيذ تلك المهمة.

توثيق علاقة السلاجقة بالخلافة العباسية:

أرسل السلطان مسعود جيشاً كبيراً لقتال السلاجقة، فهزمه السلاجقة شر هزيمة، واستولوا على غنائم تقدر قيمتها بعشرة ملايين دينار. وأضطر السلطان مسعود إلى عقد صلح مع السلاجقة، وذلك لكي يفرغ أولاً لتسوية مشاكله في الهند، ثم تجدد القتال بعد ذلك بين السلاجقة وبين السلطان مسعود الغزنوي، فكان النصر في جانبهم واستولوا على نيسابور ومرو وسرخس، وانتشروا في انحاء خراسان، وتلقب طغرل بك محمد بالسلطان المعظم ركن الدنيا والدين.

وعلى أثر الانتصار الساحق الذي أحرزه السلاجقة على الغزنويين في سنة (431 هجري)، في معركة (دندانقان)، بين سرخس ومرو صفّت خراسان للسلاجقة دون منازع. بعث السلاجقة إلى الخليفة العباسي القائم بأمر الله (422 – 467 هجري)، رسالة عُقب انتصارهم على الغزنويين أظهروا فيها طاعتهم وأما أُمراء الحضرة فلم تجر العادة بذكرهم على منابرها وإنما كان يخطب لهم للخلافة، فسر الخليفة بذلك، وبالتالي أرسل إلى طغرل بك، رسولاً حمل إليه اعترافه بدولة السلاجقة.

وهكذا توثقت علاقة السلاجقة بالخليفة العباسي، وخاصة أن السلاجقة كانوا يعتنقون المذهب السني الذي يُعد الخليفة العباسي رئيسه الأعلى. وأصل السلاجقة بعد أن ضمنوا تأبيد الخلافة، سياستهم التوسعية في إيران من أجل القضاء على نفوذ الديلم فيها، تمهيداً لمد نفوذهم إلى العراق،‏ فاستولوا في سنة (432 هجري)، وفي سنة (433 هجري)، دخلوا جرجان وطبرستان وفي سنة (443 هجري)، استولى السلطان طغرل بك على أصبهان، واتخذها عاصمة له، وبعد ذلك بثلاث سنوات دخل إقليم أذربيجان في طاعة السلاجقة صلحاً.

وهكذا لم يحل عام (447 هجري)، حتى بسط السلاجقة نفوذهم على البلاد الفارسية، وأصبحت جيوشهم على أهبة الاستعداد لدخول العراق. وكان الوضع في بغداد في النصف الأول من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) سيئاً جداً، مما سهل مهمة السلاجقة في دخولها واقامة دولتهم بها على أنقاض الإمارة البويهية، فقد تجلى في أيام الخليفة القائم بأمر الله استئثار بني بويه بالسلطة‏ وقيام النزاع والتنافس بين أُمرائهم من جهة، وبينهم وبين الجند من جهة أخرى.

الأحداث التي جرت بين دولة السلاجقة ودولة الفاطميين:

في سنة (424 هجري)، ظهر التنافس بين جلال الدولة، وبين ابن أخيه أبي كاليجار، وفي سنة (426 هجري)، ثار الجند الأتراك علي الأميرجلال الدولة، ونهبوا داره وكتبه ودواوينه وخطبوا ببغداد لأبي كاليجار ‏وكان بالأهواز آنذاك ‏غير أنهم ما لبثوا أن اعتذروا لجلال الدولة، وأعادوه إلى الإمارة.

ولمّا توفي جلال الدولة في سنة (435 هجري)، لم يتمكن ابنه الملك العزيز من الاحتفاظ بالحكم طويلاً، حيث لم يقدم للجند ما طلبوه من مال، فانتهز أبو كاليجار الفرصة، وأخذ يستميل قواد الجند، ويعدهم بالأموال، فاستجابوا له، وانفضوا من حول الملك العزيز، وبالتالي دخل أبو كاليجار بغداد، وخطب له بها في سنة (436 هجري).

وفي تلك الأثناء نجح الفاطميون في نشر دعوتهم في بعض البلاد التابعة للدولة العباسية، ووجدت دعوتهم تأييداً لدى الديلم في فارس وذلك من خلال الداعي الفاطمي المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي الذي نجح في إقامة الدعوة الفاطمية في واسط، وخطب للخليفة المستنصر بالله الفاطمي في أحد مساجد مدينة الأهواز.

هذا فضلاً على نجاحه في اجتذاب الأمير البويهي أبي كاليجار إلى هذه الدعوة، ويبدو أن القصد من تقرب أبي كاليجار من الفاطميين كان لاتخاذهم وسيلة لإرهاب العباسيين، حتى لا يحاولوا الاستعانة بالسلاجقة، الذين كانوا يتوسعون غرباً على حساب الدولة البوبهية.

لم يقف الخليفة العباسي القائم بأمر الله مكتوف اليد أمام الخطر الذي أخذ يهدد كيان دولته، ومذهبه السني، فبعث الى أبي كاليجار مُطالباً بإبعاد داعي الفاطميين المؤيد في الدين، وكان موجوداً إذ ذاك بشيراز ويهدده بالاستعانة بالسلاجقة إن لم يخرجه. فاضطر أبو كاليجار إلى أن يطلب من المؤ يد في الدين الخروج من البلاد التابعة له، فسار المؤيد في الدين إلى مصر.

الأحداث التي جرت بين الخليفة القائم بالله وبين البساسيري:

كانت فتنة أبي الحارث أرسلان البساسيري في بغداد فرصة ثمينة للسلاجقة لتحقيق مطامعهم في العراق، وكان البساسيري، أحد كبار قواد بني بويه الأتراك، يتمتع بنفوذ كبيرة في بغداد لدرجة أنه أصبح يخطب له على المنابر بالعراق والأهواز وكان الخليفة العباسي القائم بأمر الله لا يستطيع أن يبث في أي أمرمن أمور الدولة إلا بعد موافقة البساسيري عليه.

وفي سنة (446 هجري)، بدأ الخلاف بين الخليفة القائم بأمر الله وبين البساسيري وذلك عندما استولى أمير الموصل قريش بن بدران على مدينة الأنبار، وخطب فيها للسلاجقة واستولى ما كان للبساسيري بها من أموال. وكان البساسيري يتوقع أن يغضب الخليفة لذلك الاعتداء ولكن حدث العكس، فقد أيد الخليفة تصرف أمير الموصل، واستقبل رسوليه وأكرمهم. فعد البساسيري هذا الموقف من الخليفة تحدياً له، وأظهر عدم ارتياحه.

انتهز الوزير أبو القاسم بن المسلمة، وكبار رجال الدولة هذه الفرصة لإفساد العلاقة بين البساسيري والخليفة، وذلك للحد من نفوذ البساسيري المتزايد، واتهمه الوزير بمكاتبة المستنصر بالله الفاطمي والعمل على نشر دعوته بالعراق، وأنه يعمل على خلع الخليفة.

ولمّا كان الأمير البويهي الملقب بالملك الرحيم، غير قادر على التصدي للبساسيري فقد اضطر الخليفة العباسي إلى الإستنجاد بالسلطان السلجوقي طغرل بك طالباً مُساعدته ضد البساسيري، فانتهز السلطان طغرل بك تلك الفرصة، وسار بجيوشه إلى بغداد، فدخلها في سنة (435 هجري).

لمّا دخل السلاجقة بغداد سار البساسيري إلى الرحبة، وكتب للخليفة الفاطمي المستنصر بالله يُعلن طاعته له، ويطلب مُساعدته ضد العباسيين والسلاجقة، فرحب المستنصر بذلك وأرسل مُساعدات مالية للبساسيري، ونجح المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي الذي حمل المعونات الفاطمية للبساسيري، في ضم بعض الأمراء العرب إلى صفوف البساسيري.

وبالرغم من أن السلاجقة تمكنوا من إلحاق عدة هزائم بجيش البساسيري وحُلفائه إلا أن البساسيري انتهز فرصة انشغال السلطان طغرل بك في إخماد الثورة التي قامت ضده في بلاد الجبل، ودخل مدينة بغداد في شهر ذي القعدة سنة (450 هجري)، وخطب بها للفاطميين لمدة عام كامل.

لمّا دخل البساسيري وحلفاؤه بغداد، طلب الخليفة القائم بأمر الله من الأمير قريش بن بدران الأمان، فأمنه وأرسله مع أسرته إلى حديثة عانه مع ابن عمه مُحي الدين أبي الحارث مهارش العقيلي، وأخذ الخليفة يُراسل السلطان طغرل بك يستغيث به ضد البساسيري، فلما قضى السلطان السلجوقي على الثورة التي قامت ضده.

عزم على المسير إلى العراق لإعادة الخليفة إلى مقر خلافته، وبعث إلى البساسيري وقريش بن بدران يطلب منه إعادة الخليفة العباسي إلى عاصمته، وقال انه لن يدخل العراق، وسيقنع بذكر اسمه في الخطبة، فلم يوافق البساسيري، فسار طغرل بك بجيشه الى العراق، ولمّا قرب من بغداد خرج البساسيري منها لعدم قدرته على الوقوف في وجه الجيش السلجوقي لأنه لم يتلق معونات من الفاطميين تمكنه من الصمود ضد السلاجقة.

حاول الأميرقريش بن بدران أن يُحول دون عودة الخليفة إلى بغداد، وطلب من ابن عمه مهارش أن يرحل به إلى البادية، حتى يتمكنوا من الضغط على السلاجقة ويمنعهونهم من دخول العراق.

غير أن الأمير مهارش لم يستجب لقريش وأخبره بأن بينه وبين الخليفة عهود ومواثيق لا تحلص منها، وبالتالي سار مهارش بالخليفة وأسرته إلى بغداد، فبعث طغرل بك وزيره عميد الملك الكندري ومعه الأمراء والحجاب لاستقبال الخليفة، ثم خرج بنفسه وقابل الخليفة في النهروان، وابدى اغتباطه بعودته إلى مقر خلافته. وبعد ذلك سير السلطان طغرل بك جيشاً لقتال البساسيري فقتل البساسيري،‏ وتشتت شمل أصحابه.


شارك المقالة: