إسهامات ماكس فيبر في علم الاجتماع:
ينتمي ماكس فيبر ﻷسرة ميسورة، فلقد عاش في الفترة ما بين (1864، 1920)، وكان والده سياسياً نشطاً، وكان فيبر يدرس الاقتصاد والقانون في مطلع حياته وتفوق فيهما، وقد عين في عام 1893، أستاذاً للاقتصاد بالجامعة، وقد أصيب بانهيار عصبي أبعده عن الجامعة، ولم يعد إليها إلا قبيل وفاته بعامين، حيث كان قد حقق أقصى درجات النضج.
ولقد أثر ماكس فيبر في نمو النظرية السوسيولوجية تأثيراً واضحاً، فعلم الاجتماع يتخذ عنده طابعاً ذاتياً، ويعتبر أحد ثلاث سيطر عليهم الاتجاه السيكولوجي،والآخران هما توماس وبارتيو، خاصة في حديثة الأخير عن الغرائز.
ولقد تعددت اهتمامات فيبر، ما بين الاقتصاد والمجتمع، والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي، وعلم اجتماع المعرفة، والسياسة، والقانون وكانت اهتماماته عملية، فلم يهتم بالموضوعات الأساسية في علم الاجتماع، ومع ذلك كانت لديه قدرة تحليلية فائقة، فدرس موضوعات قد لا تبدو لصيقة بعلم الاجتماع، ولكنها أثرت بالنظرية السوسيولوجية بقدر كبير.
علم الاجتماع عند ماكس فيبر:
كأي عالم لا يمكن فهم أفكار فيبر دون فهم المناخ الاجتماعي والعلمي والسياسي السائد في عصره، وهنا فقد وجد فيبر أفكار ماكس وكانت شائعة، واطلع كذلك على إسهامات تونيز وزيمل.
ولقد حاول فيبر أن يضيق الفجوة بين العلم الطبيعي، والعلم الروحي، وهنا فرق بين طبيعة العلوم الاجتماعية، والعلوم الطبيعية إذا ما كانت مهمة الوصول إلى الضبط الكامل، فإن مهمة العلوم الاجتماعية هي التقويم، ولذلك يتعين على العلوم الاجتماعية أن تدرس القيم، وألا تفصل بينها وبين المعايير والمثاليات التي تشتق منها موجهات ضبط السلوك الواقعي.
ويتطلب الأمر أن يكون العلم الاجتماعي علماً أمبيريقياً واقعياً يدرس الوقائع الملموسة، ولقد كان ﻷفكار فيبر هذه تأثير كبير على فكرة وبحوثه، فلم يهتم بتقديم تعميمات تنسحب على كل المجتمعات ولكنه قصر اهتماماته وتعميماته على المجتمع الذي يعيش في نطاقة، على الرغم من أنه في حالات أخرى قدم تحليلات أوجد لها تطبيقات في ثقافات أخرى.
وأجرى فيبر دراسات مقارنة مكنته في حياته من الاعتقاد في إمكانية ظهور علم الاجتماع العام، وظهر ذلك جلياً في كتابه، الاقتصاد والمجتمع، ولذلك يمكن القول بأن أفكارة الأولى لم تكن متعارضه مع جوهر أفكاره في السنوات الأخيرة، بل يمكن النظر إليها على أنها تمهيد ﻷفكاره الناضجة المتأخرة.
وفي استحالة التوفيق بين العلوم الطبيعية، والعلوم الروحية، ذهب إلى إمكانية تحقيق أعلى مستوى لفهم الظواهر الاجتماعية، بشرط أن يكون هذا الفهم سببياً، وملائماً على مستوى المعنى، وهنا يثير تساؤلات ثلاثة:
- ما هو الفهم السببي الملائم؟
- ما هو الفهم الملائم ذو المعنى؟
- وكيف نربط بين الإثنين؟
الفهم السببي: يقول فيبر في مجال إجابته على التساؤل الأول إن تفسير الأحداث يكون سبباً بدرجة ملائمة إذا توصلنا من خلال الملاحظة إلى تعميم يؤكد تتابع الأحداث بنفس الطريقة، وهذا يجب أن يستند إلى سب إحصائي بقدر الامكان، وإذا تعذر الإحصاء فيجب اللجوء إلى المقارنة.
ولقد استخدم فيبر المقارنات التاريخية وتحليلاتها بشكل واسع فحاول اختبار صدق القضية التي تقوم عليها الماركسية وهي كون الاقتصاد هو أساس تفسير كل الظواهر بما فيها الثقافية والدينية، حيث يذهب ماكس فيبر إلى أن الإصلاح البروتيستانتي كان ناتجاً عن ظهور الرأسمالية، ولكن حينما قرر فيبر اختبار هذا الفرض حصل على نتائج مختلفة.
فيقول إن الرأسمالية عبارة عن مشروعات هادفة إلى الربح، وترتبط فيما بينها بعلاقات سوقية، والرأسمالية بهذا المعنى نمت وازدهرت في أماكن كثيرة عبر التاريخ، ولكن الرأسمالية الحديثة شيء مختلف، فهي تتميز بالطابع العقلي الرشيد للعمل الحر، ومن هنا ينتقل إلى الرأسمالية الحديثة كانت نتاجاً لظهور البروتستانتية، وخاصة الكالفينية، ويفترض أن المناطق الألمانية التي تسودها البروتستانتية أكثر ثراء من المناطق الكاثوليكية، ثم حاول التأكد من هذا الفرض فتوصل إلى وجود ارتباط سببي بين نمو الرأسمالية الحديثة والبروتستانتية.
الفهم على مستوى المعنى والفعل: يقول ماكس فيبر في هذا إن الكائنات البشرية غالباً ما تكون على إدراك وبصورة مباشرة ببنية الأفعال الانسانية، ومن خلال دراسة الجماعات الإنسانية يمكن أن نفهم الأفعال والمقاصد الذاتية للفاعلين الذين هم أعضاء الجماعات، أما العلوم الطبيعية فإن ذلك غير ممكن، فحركة الذرات لا نستطيع أن نفهمها، كل ما يمكن أن نفعله هو ملاحظة الانتظام القائم بينها، ويعرف الفعل ذاتياً، وكل فعل يخلو من المعنى لا يدخل في إطار الدراسات السوسيولوجية المتعمقة.