أتابكية دمشق وتنظيماتها الإقطاعية:
يعتبر ظهير الدين أبو منصور بن عبد الله التركي المعروف بطغتكين مملوك تاج الدولة السلجوقي، مؤسس أتابيكية دمشق التي تُعتبر أول أتابيكية في الشام والتي تعاقب على حكمها ستة أتابكة منهم أربعة من آل طغتكين.
بعد وفاة الأتابك طغتكين سنة (522 هجري)، خلفه ابنه تاج الملوك بوري واستمر حكمه إلى سنة (526 هجري). ثم تولى حكمها شمس الملوك إسماعيل الذي لم يستطع من إدارة الأتابكية فأغتاله جده سنة (529 هجري). فعين أخاه شهاب الدين محمود أتابكة وبسبب صغر سنه وضع تحت وصاية أمه صفوة الملك زمرد خاتون إلا أنه قُتِلَ على يد مقدم العساكر معين البين أنر الذي استولى على حكم الأتابكة بتعيين أخاه جمال الدين محمد. في هذه الفترة شيدت الأتابكة فترة ضعف ولم يستمر جمال الدين في الحكم فقد توفي سنة (543 هجري).
وقد حاصر مدينة دمشق الأتابك عماد الدين زنكي وبذل لجمال الدين مدينة بعلبك وحمص إقطاعاً عوضاً عن دمشق، لكنه رفض ولم ينل الأتابك منها شيئاً وأصبح معين الدين يدير حكم دمشق حتى سقوطها بيد الأتابك نور الدين محمود سنة (549 هجري).
إنَّ النظم الإدارية في أتابيكية دمشق قد اعتمدت نظم السلاجقة فقد كان الأتابك على رأس السلطة السياسية والعسكرية، يليه النائب الذي يقوم مقام السلطان أثناء غيابه في كافة الأمور أو غاليها. ثم وظيفة مقدم العساكر الذي كان يتولى قيادة عسكر الأتابيكية في الحروب وكان بلقب مقدم جيش دمشق.
أتابيكية الموصل وتنظيماتها الإقطاعية:
تأسيسها: مؤسس هذه الأتابيكية الأمير عماد الدين بن آق سنقر البرسقي أحد مماليك السلطان ألب ارسلان ودخل في خدمة السلطان ملكشاه الذي أقطعه مدينة حلب سنة (479 هجري)، ومدينة الموصل سنة (515 هجري)، وعلت مرتبة ولقب قسيم الدولة.
نشأ الأمير عماد الدين نشأة عسكرية في ظل الأمراء السلاجقة العسكريين فقد جمعت له مماليك أبيه وأقطعت لهم الإقطاعات ونتيجة خدماته المقدمة للسلاطين السلاجقة أقطعوه مدينتي واسط والبصرة، كان عماد الدين يسعى إلى تكون إمارة خاصة به وكان مدرك أنَّ تحقيق هذا الأمر يتطلب رضاء الأمراء السلاجقة، وزاد عماد الدين عند السلطان منزلة.
تولى الأمير عماد الدين حكم الموصل سنة (521 هجري)، وكتب له السلطان محمود منشور بذلك. أصبحت الموصل ولاية إقطاعية يديرها أمير عسكري، فقد نظم عماد الدين إمارة إقطاعية وفق النظم السلجوقية وخاصة نظم الإدارة والحكم. أصبح عماد الدين حاكم الموصل وأصبح أتابكأ لولدي السلطان محمود الملك ألب ارسلان وفروخ شاه (الخفاجي).
لقد تميزت أتابكية الموصل عن باقي الأتابكيات الإقطاعية بميزتان أساسيتان أولهما سعة هذه الأتابكية، فقد حرص الأتابك عماد الدين على تكوين إمارة إقطاعية واسعة الأرجاء فقد كان يتطلع إلى أنّ يصبح واحد من الأمراء الأقوياء القادرين على أنّ يحكموا بأنفسهم مباشرة دون الرجوع إلى أحد.
يقول ابن الأثير: (جمع عماد الدين أصحابه وقال لهم قد ضجرنا مما نحن فيه كل يوم يملك البلاد أمير ونؤمر بالتصرف على اختياره وارادته، فبم تشيرون أن أصنع فقال له زين الدين علي بن بكتكين وكان أوثق أصحابه عنده إذا أراد الإنسان أنّ يضع على رأسه حجراً فليكن من جبل كبير).
إنَّ الأتابك عماد الدين أراد ان يكون قوة يحسب لها حساب فضم المناطق المجاورة لإمارته الإقطاعية. وتوجهت أنظاره نحو بلاد الشام وأصبح خلال فترة زمنية متحكماً في الطريق المؤدي إلى الشام من خلال سيطرته على المدن المهمة فأستولى على الخابور، سنجار، حران، واستطاع من دخول حلب سنة (522 هجري).
وأصبحت أتابكة الموصل تضم إضافة لجزيرة ابن عمر مدينة حماة وحمص وبعلبك، وأصبحت حدودها تمتد إلى سواحل البحر المتوسط وأصبح ملك الموصل والجزيرة والشام وحصل له توقيع بذلك. بعد مقتل الأتابك زنكي سنة (540 هجري)، انقسمت الأتابكية إلى فرعين الأول أتابكية الموصل والجزيرة يحكمها سيف الدين غازي بن عماد الدين والثانية أتابكية حلب أسندت إلى نور الدين محمود بن عماد الدين.
بالنسبة لأتابكية الموصل قد حكمها ثمانية أتابكية عماد الدين دام حكمهم حتى سنة (631 هجري)، عندما انتهى نفوذهم على يد بدر الدين لؤلؤ وقلع لؤلؤ بيت الأتابكة.