اقرأ في هذا المقال
- الجبهة البيزنطية في عهد معاوية بن أبي سفيان
- الأمور التي كان يسعى لها معاوية بن أبي سفيان لمواجهة الخطر البيزنطي
- الأسباب التي جعلت معاوية بن أبي سفيان يعزز الأسطول البحري
- الأسباب التي جعلت المسلمون يفكون الحصار الثاني عن القسطنطينية
الجبهة البيزنطية في عهد معاوية بن أبي سفيان:
كانت العلاقات الإسلامية والبيزنطية تشهد منذ منتصف القرن الأول الهجري سلسلة هامة من الأحداث، والتي أثرت كثيراً على العالمين؛ إذ كان الصراع العسكري فيما بينهم متأرجحاً ما بين نصر وهزيمة والسلام والحرب، وذلك وفقاً للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل من الطرفين.
وكان وضع سياسة عسكرية واضحة الأهداف والمعالم من قِبَل معاوية بن أبي سفيان وتنظيم الحملات لمهاجمة القسطنطينية أمراً هاماً، وكانت معركة ذات الصواري سبباً لتحويل العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين لاتجاه جديد في الحوض الشرقي من البحر المتوسط؛ لأنها أُعتبرت المدخل الذي ظهر منه الأمويون وأطلّوا على العالم الوسيط كقوة بحرية منافسة في تلك المنطقة.
وكما أن معركة ذات الصواري أضاعت الفرص الأخيرة للبيزنطيين حتى يستعيدوا موقعهم في الشام ومصر، ولأن اعتمادهم الأكبر كان على القوة البحرية، ولكن انحسار حدود الدولة البيزنطية وبقاؤها في ما وراء حدودها في آسيا الصغرى، لم يقلل من عزيمتهم للدفاع عن هذه المنطقة ذات الأهمية الكبيرة من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية، ولأهميتها أيضاً حتى تستمر كدولة من الدول الكُبرى.
الأمور التي كان يسعى لها معاوية بن أبي سفيان لمواجهة الخطر البيزنطي:
- إقامة نظام ثابت حتى يقوم بحماية مناطق الحدود والشواطئ الإسلامية من أي هجوم ممكن الحدوث من البيزنطيين أو حلفائهم.
- القيام بالاستيلاء على القسطنطينية وهي عاصمة الإمبراطورية البيزنطية.
ومن أبرز الخطوط في هذا النظام الحربي إقامة المراكز الدفاعية في المناطق االحدودية، وإنشاء حاميات عسكرية في المعاقل الأمامية، والممرات الجبلية التي عرفت باسم الثغور، وإنها مواقع عسكرية متقدمة وتتلاصق مع حدود العدو، وكان معاوية بن أبي سفيان مهتماً بهذه المناطق وبتحصينها وتعميرها، فقام بالاهتمام بمدينة أنطاكية؛ لأنها كانت معرضة باستمرار للهجوم البيزنطي المفاجئ.
وقام معاوية بإغراء الناس الذين يقطنون في أنطاكية؛ إذ أعطى لهم إقطاعات من الأرض، ونقل لهم أيضاً جماعات من أهل بعلبك وحمص والبصرة والكوفة، وجماعة من الفرس وبدأ تدريجياً بتعمير المُدن الواقعة بين الإسكندرية وطرطوس، ونفذَّ أيضاً خطة لإعادة استيطان المُدن التي خرج منها النس بعد أن قام البيزنطيون بالخروج منها بعد الفتوحات الإسلامية.
وبالإضافة لأنطاكية وحمص قام بنقل قوم من فُرس بعلبك وحمص إلى صور، ونقل قوماً من زط البصرة والسياجية إلى السواحل، وجعل بعضهم ينزلون في أنطاكية، وقام بفتح سمياط وملطية وجددَّ حصوناً أخرى مثل مرعَش والحدث وفتح حصن زبطرة الاسترايجي وأعاد تحصينة؛ وذلك حتى يقوي المعاقل الحدودية.
وكان معاوية قد أبدى نشاطاً في ترميم المدن التي على السواحل، وقام بتحصينها؛ حتى تستطيع الدفاع ضد الغارات البيزنطية، وعمل على ترميم عكا وصور وحصَّن جبلة وعمل على شحنها بالمرابطين، وقام بتمصير أنطرطرس فعمل على بنائها وأقطع بها القطائع.
وارتبط بنظام الدفاع هذا بنظام هجومي ودفاعي آخر الذي يُسمَّى بالصوائف والشواتي، وهي حملات دورية منتظمة كانت تقوم بالتوجه للأراضي البيزنطية في آسيا الصغرى، وكان يشرف عليهم القادة ذو الاختصاص، وكان هدف هذه الحملات هو السيطرة على المعاقل الجبلية والحصون وعمل الغارات في الأراضي البيزنطية، والدفاع عن الأراضي الإسلامية إذا حاول البيزنطيين الدخول إليها.
الأسباب التي جعلت معاوية بن أبي سفيان يعزز الأسطول البحري:
- الدفاع عن الأراضي الساحلية.
- القيام بالدفاع عن البلاد التي قاموا بفتحها والأملاك المكتسبة منها.
- القيام بالغزوات في الجُزر البحرية المقابلة لساحل الشام؛ حتى يتخذ منها مركزاً أمامياً ليوجه الغزوات البحرية منها إلى البيزنطيين.
- الاستمرار في العلاقات التجارية الخارجية مع البلاد التي في البحر الأبيض المتوسط، وخصوصاً أن هذا البحر لا يزال تحت الحكم البيزنطي.
وقام معاوية بن أبي سفيان بعمل خطط حتى يتفوق على البيزنطيين ويبعدهم عن السواحل، ولذلك قام ببناء البحرية الإسلامية وأنشأ أول اسطول بحري، وقام بتعيين العديد من الملّاحين العرب من بنو الأزد الغساسنة وجعلهم يهتمون بإدارته، وبهذا تمكَّن المسلمون بأن يشددوا سيطرتهم على السواحل في بلاد الشام، وكان معاوية بن أبي سفيان أول من قام بتنظيم أسطولاً بحرياً، وأول من قام أيضاً بإرسال حملات ضد البيزنطيين.
وقام معاوية بغزو جزيرة قبرص في عام 28هـ واستولى عليها، وكان هذا النصر بدايةً لمرحلة النشاط البحري للمسلمين الذي عملوا على القيام بسلسلة من الغارات من قواعدهم في مصر وبلاد الشام؛ وذلك تمهيداً منهم حتى يحاصروا القسطنطينية، وكانت الحملات البرية؛ ليدرسوا الطريق المؤدية إليها مرافقة للحملات البحرية.
وفي عام 49هـ قام معاوية بن أبي سفيان بإرسال حملة عسكرية برية هائلة حتى تحاصر القسطنطينية، وكان قائد هذه الحملة حينها ضالة بن عبيد الله الأنصاري، والذي عمل على التوسع في الدخول للأراضي البيزنطية حتى وصل إلى خلقدونية وكانت قريبة من العاصمة البيزنطية، وظلَّ فُضالة مخيماً في الأراضي البيزنطية شتاء ذلك العام، وكان معاوية يرسل له الإمدادات والمؤن.
وقامت إحدى هذه الإمدادات بمحاصرة العاصمة البيزنطية بقيادة سفيان بن عوف، ولأن هذه المهمة كبيرة جداً وأهميتها عالية قام معاوية بن أبي سفيان بإرسال بانه يزيد بن معاوية قائداً على حملة، وكان ذلك مُنعشاً للآمال الإسلامية بأن يواصلوا الحصار على القسطنطينية، والتقى الفريقان في معارك هائلة تحت أسوار العاصمة، لكن لم يحرز المسلمون أي انتصارات حاسمة.
وكانت الأسباب التي أدت لهذه النتيجة هي: متانة أسوار القسطنطينية، نفاذ المؤن من المسلمين، بُعد الطريق لإرسال الإمدادات، وبهذا اضطر المسلمون بأن يفكوا الحصار ويعودوا أدراجهم إلى الشام، وكان قد توفي في هذه الغزوة الصحابي أبو أيوب الأنصاري الذي كان مع جيش يزيد بن معاوية، ودفن قريباً من أسوار القسطنطينية.
وعلى الرغم من من فشل هذه الحملة من الناحية العسكرية ألا أنها ناجحة من الناحية السياسية؛ لأنها جعلت أباطرة البيزنطيين يخططوا حتى يضعوا وسائل دفاعية أكثر على القسطنطينية، فقاموا اتحديث تغييرات على النظم العسكرية والإدارية في الإمبراطورية البيزنطية بشكل كامل، وفي إقليم آسيا الصغرى تحديداً؛ لأنه يعتبر الخط الدفاعي الأول عن القسطنطينية.
وعاد معاوية بن أبي سفيان ومضى قُدماً في محاولاته حتى يقوم بفتح القسطنطينية، ولم يكن فشله عائقاً أمامه بل أصبح مدركاً لأهمية السيطرة على الجزر القريبة كعامل مساعد لحملته، ففتح جزيرة رودس في عام 52هـ بعد أن فتح جزيرتي قبرص وكوس، وقام أيضاً بفتح أُسطول إسلامي على جزيرة خيوس، وقام المسلمون بالسيطرة على أزميروليكيا وقلقيليا، وبهذا يكون قد أضاق الخناق من الناحية البحرية على القسطنطينية.
وفي عام 54هـ قتم معاوية بن أبي سفيان بالبدء بدأ الحصار الثاني لمدينة القسطنطينية، وتطلَّب الأمر بأن يقوموا على مضاعفة وزيادة قوتهم البحرية، وانضم لهم قوة بحرية أُخرى بقيادة جُنادة بن أبي أُمية بعد أن قام بفتح جزيرة أرواد القريبة منها، وقام المسلمون باتخاذها قاعدة انطلاق لهم.
وخلال الحصار الذي تمَّ على القسطنطينية حصلت مناوشات بين الطرفين، وفي الوقت نفسه بدأت القوات المسلمين البرية حول عاصمة الإمبراطورية البيزنطية بتراشق السهام والقذائف مع المرابطين البيزنطيين، وبقي هذا الوضع مستمراً لمدة سبعة أعوام حتى عام 60هـ، بقيت حينها العمليات العسكرية مقتصرة على فترتي الربيع والصيف؛ وذلك لأن القتال في الشتاء صعب.
وبقي الجيش البيزنطي في القسطنطينية يصمدون أمام الحصار الذي فرضه المسلمون عليهم، ولم يحقق معاوية أي فوز كبير وحاسم؛ لأن تركيزه الكامل كان على تطويق الجهة البحرية للمدينة، أما بالنسبة للحصار البري فكان متزعزعاً، إذ بقيت الطرق البرية وطريق البحر الأسود مفتوحة بالنسبة للبيزنطيين؛ الأمر الذي جعل وصول الإمدادات والمؤن إليهم سهل، وهذا خطأ فادح ترتبت عليه الكثير من النتائج المهمة.
الأسباب التي جعلت المسلمون يفكون الحصار الثاني عن القسطنطينية:
- مناعة أسوار مدينة القسطنطينية.
- سوء الطقس وصعوبة القتال فيه.
- التيارات المائية القرية والتي كانت شديدة الإندار وظلَّت تُبعد السفن عن الأسوار.
- عدم إحكام المسلمين الحصار من جهة البر.
- استعمال النار الإغريقية من قِبل الجيش البيزنطي.
- عوامل داخلية تتعلق بكلتا الدولتين.
أما فيما يتعلق بالدولة الإسلامية، نرى أن معاوية بن أبي سفيان يحتاج هدنة طويلة مع البيزنطيين، وذلك بعد أن عرف أن مدة الحصار كانت طويلة ولكنها لم تحقق الأهداف التي كان يريدها، وكان قد أحسَّ أن ساعته آتية، وأن من مصلحة المسلمين أن يعود الجيش المرابط أدراجه إلى الشام؛ وذلك تفادياً لأي مشكلة ممكن أن تحدث إلى الدولة الأموية.
أما من جهة البيزنطيين كانوا يريدون بشدة أن يتم إنهاء هذا الحصار العنيف عنها؛ وذلك لأن هذا الحصار قد أنهكها وأرهقها، وتمت المفاوضات بين الطرفين وتم الإتفاق على: أن يقوم معاوية بن أبي سفيان بدفع جزية في كل سنة للبيزنطيين مقدارها ثلاثة آلاف قطعة ذهبية، وفك أسر خمسين أسيراً، وأيضاً خمسون حصاناً، ومدة الهدنة التي كانت بين المسلمون والبيزنطيين مدتها ثلاثون عاماً.