كان مصطلح البناء يقتصر فقط على الظواهر الاجتماعية، والتي من الممكن إخضاعها لوسائل التحليل الكيفية، وذلك يؤكد أن الوسائل الإحصائية هي وسائل ضرورية لدراسة البناء الاجتماعي في كل المجتمعات.
الإحصاء ونقد المنهج الأنثروبولوجي:
يتناول هذا الموضوع الانتقادات التي تعرض لها المنهج الأنثروبولوجي والتي تتمثل في عدم اتخاذ الإحصاء طريقةً أساسية من طرق البحث. وذلك يتم عن طريق ثلاثة أجزاء أساسية، يتمحور الأول حول الإحصاء في الدراسات الأنثروبولوجية كنظرة تاريخية، ويتمحور الثاني حول العنصر النقدي والمنهج الأنثروبولوجي. أما الجزء الثالث وأيضاً الأخير فيتبلور حول الإحصاء من واقع البحث العالمية والمحلية.
الإحصاء في البحوث الأنثروبولوجية لمحة تاريخية:
بعد أن كانت البحوث الأنثروبولوجية تقتصر فقط على دراسة المجتمع البدائي البسيط والمترابط، ذات الحجم الصغير، اتسع موضوع الاهتمام ليشمل دراسة المجتمعات القروية والحضارية. ومن هذا المنطلق ظهرت الحاجة إلى إيجاد طرق للتغلب على المشكلات التي تتعرض لها الأنثروبولوجيا في دراسة تلك المجتمعات. حيث تعاونت ظروف كثيرة دعمت استخدام الأسلوب الإحصائي في الدراسات الأنثروبولوجية مثل: تركيزالأنثروبولوجيا الاجتماعية على دراسة البناء الاجتماعي، وهكذا كانت الحاجة إلى استخدام المنهج الإحصائي لتحليل هذا البناء وفهمه.
حيث توفر عند العلماء في فترة انتهاء الحرب العالمية الثانية معلومات كثيرة لبيانات متنوعة، صنعت الحاجة إلى إيجاد وسائل منهجية جديدة بهدف الوصول للثبات وتحليل المعلومات، ويأتي الأسلوب الإحصائي في أول تلك الأساليب. كما أدى التركيز على عقد المقارنات الثقافية بين محتويات البيانات التي يتم جمعها من أكثر من مجتمع، إلى البحث عن أسلوب سهل وسريع وذلك للوصول إلى نتائج توضح عن طريقها الأشكال الثقافية المتنوعة، ومن هنا تم استعمال الأسلوب الإحصائي، وذلك لأنه من أفضل الأساليب التي تؤدي تلك الأغراض.
وكذلك ساعد تطور لغة المعادلات وكثرة التعاون بين علمي الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية، إلى أعادت نظر الأنثروبولوجيين إلى مناهجهم ووسائلهم الدراسية. حيث بدأت تتجه مناقشة الإشكالية من عدم القبول التام لهذا المنهج إلى تحويله لموضوع من الممكن رفضه أو تأييده. حيث حذر مجموعة من الأنثروبولوجيين من استعمال الإحصاء، وذلك لأنه يعطي معلومات غير دقيقة وخاطئة، كما أنه يساعد على التضليل، وكذلك فأن العمليات الوظيفية تأتلف بشكل صعب مع الأعداد الرياضية، لهذا كان يجب على الأنثروبولوجيين أن يقوموا باستبعاده.
إلا أن الذين أيدوا المنهج الإحصائي فإنهم يعتقدون أنه كلما تطورت الأنثروبولوجيا ووصلت لدرجة من التقدم كلما زاد التوجه إلى الأساليب الكمية، وكلما بعدت عن دراسة الشعوب المترابطة وذات الاستقرار ظهرت الحاجة إلى استعمال الأسلوب الإحصائي، حيث جاء تركيز مجموعة من الأنثروبولوجيين بالأسلوب الإحصائي، فى محور تركيزهم على دراسة البناء الاجتماعي وعلى المقارنة الحضارية، إلا أن من إحدى السمات الأساسية في دراسة البناء الاجتماعي هي أنه يمكن استعمال القياس في الأنثروبولوجيا الاجتماعية.