الخليفة المقتدي بأمر الله:
كان للقائمِ بأمرِ الله ولد وتوفي في حياته عام (448 هجري)، كان اسمه محمد، وكانت أم ولده (أرجوان)، حامل فوضعت بعد وفاة زوجها محمد بن الخليفة القائم ولداً، أسماه جده على اسمه عبد الله، ولقبه المقتدي وقد بويع بالخلافة بعد وفاة جده القائم عام (467 هجري)، وعمره تسع عشرة سنة فهو عبد الله بن محمد بن عبد الله القائم بأمر الله.
الإمارة المغراوية:
عندما قامت صنهاجة في بلاد المغرب بدعوة العبيديين ثبتت زناتة على الدعوة للأمويين في الأندلس، وقادها زيري بن عطية من قبيلة مغراوة وهي فرع من زنانة فملك مدينة فاس ثم اتسع سلطانه، وخاض حروباً كثيرة كان آخرها قتاله لجيوش ابن أبي عامر من الأندلس، فأثخن بالجراح ومات عام (391 هجري).
وخلفه ابنه المُعز بموافقة أبناء عمه وجاءه تقليد المُظفر بن أبي عامر وولّى على المغرب كلها، باستناء سجلماسة، فأقام تابعاً لقُرطبة إلى أن انتهت الدولة الأموية بعد انتهاء الدولة العامرية، فاستقل بالأمر، واستمر إلى أن توفي بفاس عام (422 هجري)، وكانت أيامه أيام هدوء وأمن.
ثم تولّى الأمر من بعده بعض أبناء عمومته وفي عام (457 هجري)، آل الأمر إلى منعصر بن المُعز، وقد كان في أيام أبيه بقُرطبة رهينة لدى المُظفر بن أبي عامر فلما شبت الفتنة بالأندلس عاد إلى فاس وبقي حتى أصبح له أمرها، قاوم المُرابطين وفقد إحدى عينيه عام (460 هجري)، وقام ابنه تميم مكانه، فهاجمه المرابطون ودافع عن فاس إلى أن قُتِلَ عام (461 هجري)، ودخل المُرابطون فاس وانلقضت دولة مغراوة.
إمارة الأندلس:
كانت بلاد الأندلس مقسمة بين ملوك الطوائف، وكان أشهرهم المُعتمد بن عباد حاكم مدينة إشبيلية، واستطاع أن يتغلب على بني جهور في قرطبة، وقد استنجدوا به ضد المأمون بن ذي النون جاكم طليطلة الذي استولى على مدينتهم فجاء ابن عباد، ودخل قرطبة وغدت تابعة لإشبيلة.
وفي عام (478 هجري)، سقطت طليطلة بيد النصارى الإسبان الذين هددوا أملاك ابن عباد فدفع لهم الأتاوة غير أنهم قد طلبوا تسليم عدة قلاع، فرأى ابن عباد أن يستنجد بيوسف بن تاشفين ضدهم، وفي عام (479 هجري)، عبر ابن عباد بحر الزقاق إلى العدوة المغربية، وكان ابن تاشفين في سبته فالتقى به.
وطلب ابن عباد من ابن تاشفين نجدة المسلمين في الأندلس والجهاد في سبيل الله فأجابه: (أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر أحد إلا أنا بنفسي)، واستقدم من بقي من جنده في مراكش، ثم عبر البحر في مائة مركب تحمل سبعة آلاف جندي، واتجه إلى الجزيرة الخضراء فتلقّاه ابن عباد في وجوه دولته.
ويمم وجهه شطر العدو مباشرةً، ورفض الاستراحة في إشبيلية أياماً حسب طلب ابن عباد، واتجه عدد من المتطوعين المسلمين إلى جيشه حتى زاد على العشرين ألفاً، وجاء جيش أقاصي المملكة مع من يدعمهم، والتقى الطرفان في سهل الزلاّقة بالقرب من مدينة بطليوس، ووقف جيش المعتمد بن عباد في المقدمة، واصطف جيش يوسف به تاشفين خلف أكمة عالية من الجبل.
وكان يُحاول الفونس السادس الخديعة إذ تمت مُبادلة الرسل بين الفريقين لتحديد يوم القتال، واقترح النصارى ألا يكون الجمعة لأنه عيد المسلمين ولا السبت لأنه عيد اليهود وهم وزراء النصارى في الأندلس وكتابهم ولا الأحد لأنه عيد النصارى. غير أنه ما حان يوم الجمعة وخرج يوسف بن تاشفين للصلاة حتى بدأ هجوم النصارى.
غير أن المُعتمد بن عباد كان يخشى هذه الخديعة لذا فقد بقي في سلاحه وتصدّى لهجوم النصارى، وانتهى المرابطون من صلاتهم وحملوا على النصارى وبدأوا فيهم قتلاً حتى قيل إنهم قد أفنوهم عن آخرهم وذلك في منتصف رجب من عام (479 هجري)، وقيل في أوائل رمضان. واستولى المسلمون على كل ما كان مع النصارى، وقد آثر يوسف بن تاشفين بهذه الغنائم من انضم إليه من ملوك الأندلس لذا فقد أحبوه، كما أحبه الشعب.
أما ملك النصارى الفونس السادس فقد نجا من المعركة إذ فرّ منها. وبعد المعركة ثارت عوامل حقد النصارى وملكهم على ابن عباد الذي استدعى ابن تاشفين، لذا فقد ركز الفونس السادس غاراته على أطراف مملكة ابن عباد. عاد المُعتمد بن عباد إلى المغرب وطلب نجدة يوسف بن تاشفين ثانية فوافقه واتجه يوسف إلى الأندلس ولكن لم يأت إليه من ملوك الأندلس إلا المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، وابن عبد العزيز صاحب مرسية.
وبدأ المسلمون بشن الغارات على بلاد النصارى الذين لم يجرؤوا على مواجهة المسلمين، وكان هُناك خلاف بين ابن عباد وابن عبد العرزيز، وألقى القبض على ابن عبد العزيز حسب رأي ابن عباد، وعاد يوسف بن تاشفين إلى المغرب وفي نفسه شيء على ملوك الأندلس. وفي عام (483 هجري)، جاز يوسف بن تاشفين بحر الزقاق إلى العدوة الأندلسية وهي المرة الثالثة، وسار نحو طليطلة وحاصر بها الفونس، وقتل كثيراً.
وقطع الثمار، ولم يأت لمُساعدته أحد من ملوك الأندلس، ولم يتمكن من دخول طليطلة ففك الحصار عنها، وعاد نحو غرناطة فنازل صاحبها عبد الله بن بلكين بن باديس لأنه صالح الفونس وظاهره، وحاصر غرناطة وطال حصاره فطلب صاحبها منه الأمان فأمنه يوسف وحمله معه وأخاه تميم صاحب مالقة إلى مراكش.
وولّى على غرناطة ومالقة سيري بن أبي بكر اللمتوني وطالبه بمُلاحقة ألفونس، وانتقل هو إلى المغرب في شهر رمضان عام (483 هجري). قبل انتقال يوسف بن تاشفين إلى المغرب طلب من واليه على غرناطة أن يخضع الإمارات الإسلامية لحُكم المُرابطين، ويلحق أُمراءها بالمغرب، كما أمره أن يُقاتل من يخالف هذه الرغبة، وألا يتعرض للمُعتمد بن عباد حتى يستولي على سائر الإمارات ويولي عليها أمراء جنده.
استولى سيري بن أبي بكر على جيّان، وقرطبة، وقرمونة، فاستنجد المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية بألفونس السادس الذي أمده بعشرين ألفاً، فسار إليه عندئذٍ سيري بن أبي بكر، والتقى به على مقربة من حصن المدور، ثم ضيق عليه حتى فتحت إشبيلية أبوابها له فدخلها، وطلب ابن عباد الأمان، فأعطي له وحمله وولده وأهله معه، وحزن الناس على ابن عباد حيث كان موصوفاً بالكرم وحسن السيرة والعشرة والإحسان إلى الرعية والرفق بهم.
وأرسلهم إلى أمير المسلمين يوسف به تاشفين فأنزلهم بأغمات قريباً من مراكش، وهذا كله قد حدث بأقل من نصف سنة من عام (484 هجري)، وفي العام التالي دخل المرابطون بإمرة يوسف بن داود بن عائشة مدينة المرسية، ودانية، وشاطبة، والمرية، وبلنسية، وكان صاحب الأخيرة القادر بن ذي النون يخضع للألفونس السادس، ويدفع له أتاوةً سنويةً.
وتوفي يوسفا بن تاشفين عام (500 هجري)، وخلفه ابنه علي وكان يوسف بن تاشفين كان ذو سيرةٍ حسنة، يُحب الخير، يعدل بين الناس، وكان مُيوله إلى أهل الدين والعلم ويحترمهم ويصدر عن رأيهم، ويسند إليهم مناصب الدولة، وقد قيل إن حجة الإسلام الغزالي لما سمع ما اتصف به يوسف بن تاشفين من الأوصاف الحميدة وميله إلى أهل العلم عزم على التوجه إليه.
فوصل إلى الإسكندرية وأخذ في الاستعداد للرحيل، ولكنه علم بنبأ وفاته فعدل عن رأيه، وكان يوسف بن تاشفين ذو قامة مُعتدلة ذو لون أسمر وجسمه نحيف خفيف العارضين، وكان يحب العفو ويصفح عن الذنوب، ويستمع إلى الموعظة في خشوع، وقد حكم الدولة المرابطية حتى مات لثلاث بقين من شهر المحرم سنة (500 هجري). وقد بلغ يوسف التسعين سنة ملك منها المغرب والأندلس مُدة خمسين سنة.
إمارة اليمن:
استقر حكم الصليحيين في اليمن وبقيت لهم المناطق كلها، بل استولى الصليحيون على المدينة المنورة عام (477 هجري)، وكان سعيد الأحول بن نجاح قد هرب إلى جزر دهلك، وعاد بعد فترة وحارب المكرم به علي الصليحي غير أنه قد هزم أمامه عام (481 هجري)، ثم قُتل، وفرَّ أخوه جيّاش بن نجاح إلى الهند.
عاد جيّاش بن نجاح من الهند بعد سنتين، وحارب المكرم بن علي الصليحي، وتمكّن من الإنتصار عليه وأن يعود إليه حكم اليمن. وكان المكرم الصليحي قد مات عام (484 هجري)، وهو في طريقه إلى صنعاء، وقد أوصى في الملك من بعده لزوجته أروى بنت أحمد الصليحي، وفي الدعوة إلى ابن عمه سبأ بن أحمد بن المُظفر بن علي الصليحي.
وقد تزوج سبأ أروى بعد وفاة المكرم بخمسة أشهر بعد أخذ الإذن من الخليفة العبيدي المستنصر حسب اقترحها، وحكم سبأ الصليحيين حتى عام (492 هجري)، والتقى مع بني نجاح في عدة معارك. وتبعت عدن الصليحيين بعد أن أخذوها من عمال بني يعفر، وولّى علي بن محمد الصليحي على عدن أحد أبناء أُسرته وهو أحمد بن جعفر بن موسى الصليحي والد أروى.
ثم توفي أحمد بن جعفر يسبب انهدام منزله عليه، فتولى أمر عدن للصليحيين علي بن محمد بن معن، ولمّا توفي خلفه ولده معن بن علي فنزع طاعة المكرم الصليحي عام (467 هجري)، وأعلن نفسه سُلطاناً مُستقلاً على عدن. وفي عام (470 هجري)، غزا المكرم الصليحي عدن، وطرد معن بن علي، وولّى عليها العباس، والمسعود ابني المكرم اليامي الهمداني المعروفين بابني الزُّريع واستمر لهما الأمر حتى توفي العباس عام (477 هجري).
فخلفه ابنه زريع بن العباس، وتوفي المسعود عام (480 هجري)، فخلفه ابنه أبو الغارات بن المسعود الذي توفي عام (485 هجري)، فخلفه ابنه محمد حتى عام (488 هجري). كما توفي الزريع بن العباس عام (480 هجري)، فخلفه ابنه أبوالسعود بن الزريع واستمر في حُكمه حتى عام (494 هجري).