عندما اعتلى الإمبراطور دقلديانوس عرش الإمبراطورية الرومانية في عام 284 ميلادي، كانت حينها الإمبراطورية على شفا هاوية، وقام حينها بأكبر عملية ترميم في بناء الإمبراطورية الرومانية.
أهم الإصلاحات الرومانية في عهد الإمبراطور دقلديانوس:
يعتبر الإمبراطور دقلديانوس أول الأباطرة الرومانين المصلحين، الذين عملوا على إنقاذ الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث ميلادي، وهناك الكثير من الأباطرة الذين تعاقبوا في حكم الإمبراطورية الرومانية، بين سنة 253 و282 ميلادي، والذين أحسوا بخطورة الموقف ورغبوا في الإصلاح، ونخص بالذكر الإمبراطور “أورليان”، والذي أطلق عليه “مجدد الإمبراطورية”.
إلا أن مشاكل الإمبراطورية الرومانية كانت أشد تعقيداً من أن تحل في سهولة، فقد اكتفى هؤلاء الأباطرة المصلحون ببعض الإصلاحات الجزئية، والتي تناولت الضرائب والعملة الزراعية، كما سمحوا لبعض آلاف من العناصر الجرمانية المرابطة على حدود الدولة، باجتياز هذه الحدود والإقامة داخلها؛ وذلك من أجل توفير الأيدي العاملة اللازمة للزراعة، ومن أجل اتقاء شر تلك العناصر وخطرها من جهة أخرى.
إلا أنه لم يقم أحد من أباطرة القرن الثالث، بما قام به الإمبراطور دقلديانوس، من إصلاح شامل بعيد الأثر في مختلف مرافق الإمبراطورية الرومانية، وقد وجَّه دقلديانوس جهوده نحو ثلاثة أهداف كبيرة، وهي تقوية نفوذ الإمبراطور أو الحاكم وإعادة تنظيم الجهاز الحكومي وتجديد نظام الجيش، ومن أجل تحقيق تلك الأهداف بدأ الإمبراطور دقلديانوس بإقرار الأمن والنظام في مختلف الولايات الإمبراطورية، فأخضع الثورات المتأججة في غاليا ومصر وبريطانيا وولاية أفريقية.
كما قام دقلديانوس بصد البرابرة على امتداد جبهتي الراين والدانوب، وعندما أكمل دقلديانوس ذلك قام بمهاجمة الفُرس في عام 297 ميلادي، وقام باستيراد منهم ما بين النهرين، وبذلك امتدت الحدود الرومانية شرقاً مرة آخرى حتى نهر دجلة، وقد عادت أراضي الإمبراطورية الرومانية من جديد كما كانت عليه في عام 117 ميلادي، وذلك باستثناء إقليم أو إقليميين.
وقد قام دقلديانوس بالتفكير بحماية العالم الروماني من الأخطار الجسيمة التي كانت تهدده، وذلك عن طريق إنشاء قوة حربية متنقلة وغير مرتبطة بجبهة واحدة؛ وذلك من أجل أن تتحرك في أي وقت إلى أية جهة حسب الظروف ووفق مشيئة الإمبراطور، إلا أن الخدمات التي قدمها دقلديانوس في ميدان الحرب، لا تقارن بالإصلاح الإداري في الإمبراطورية الرومانية.
فقد قام دقلديانوس بعملية إعادة تنظيم الجهاز الإداري، في صورة حرمت إيطاليا ممّا كان لها في العصور القديمة من مكانة ممتازة، كما تم القضاء على التفرقة بين الولايات الإمبراطورية وولايات السناتو، وقد أدرك دقلديانوس أن المركز الحقيقي لقوة العالم الرومانين لم يعد في الغرب وإنما أصبح في الشرق، حيث امتازت الولايات بوفرة الخيرات وكثرة السكان ومهارة الأيدي العاملة في الصناعة والزراعة والتجارة.
وقام الإمبراطور دقلديانوس بعد ذلك، بالتمهيد لما فعلة الإمبراطور قسطنطين، فقام باتخاذ عاصمة جديدة للإمبراطورية في الشرق، وهي مدينة “نيقوميديا”، الموجودة في الشمال الغربي من آسيا الصغرى على بحر مرمرة، بالإضافة إلى الاعتبارات العسكرية التي تم اتخاذها من أجل نقل عاصمة إيطاليا من روما إلى ميلان، وقد كانت تلك المدينة هي التي تتحكم في معظم ممرات جبال الألب؛ ممّا يجعل من السهل انتقال الجيوش الإمبراطورية الرومانية، منها إلى ألمانيا أو غاليا، من أجل صد هجوم أو إخماد فتنة.
وقد صحب تغير عاصمة العالم الروماني، إعادة تنظيم الجهاز الإداري تنظيماً شاملاً جوهرياً، حيث أدرك دقلديانوس ضرورة إيجاد علاج للخطر الناجم عن تضاعف الولايات، وما يترتب على هذه الظاهرة من قيادات انفصالية، لذلك قام دقلديانوس، بربط الولايات الرومانية بعضها ببعض، فقام بتقسيم الإمبراطورية إلى أربعة أقسام إدارية كبرى، وقد كان على رأس كل قسم منها حاكم إداري عام يتمتع بلقب أغسطس أو لقب قيصر، ويعتبر من الناحية العملية شريكاً للإمبراطور في حكم الإمبراطورية.
أما الأقسام الإدارية الاربعة الكبرى، فكانت غالباً تشمل “إيطاليا، غاليا، إسبانيا، مراكش حالياً”، وهكذا أصبحت الإمبراطورية الرومانية، مقسمة إلى أربعة اقسام كبرى يحكمها أربعة حكام، اثنان منهم كانوا أعلى مقاماً ويحملان لقب أوغسطس، والاثنان الباقيان أقل درجة ويحملان لقب قيصر، وكان القيصر يخلف الاغسطس في حال الوفاة أو العجز.
وأما الإمبراطور فقد أصبح في يده السلطة العليا في الإمبراطورية والإشراف العام على جميع شؤونها، كما كان الإمبراطور القائد الأعلى للجيش، وهنا نلاحظ إن السلطة الإدارية في الإمبراطورية قد تم تقسيمها، إلا أن وحدة الإمبراطورية بقيت قائمة لا تتجزأ، ويمكن القول أن السلطة العليا من النواحي التشريعية والإدارية، قد أصبحت نظرياً في أيدي الأغسطس، إلا أن من الناحية العملية بقي دقلديانوس، يقبض على زمام الأمور في الإمبراطورية الرومانية.