الاقتصاد والمجتمع في علم الاجتماع:
إن أهمية الاقتصاد لا تحتاج إلى توضيح، فنحن نعيش في عصر تحتل فيه المشكلات الاقتصادية، سواء بالنسبة للدول المختلفة أو الدول المتقدمة مكان الصدارة ىفي اهتمامات الساسة والمخططين واهتمامات الرأي العام.
وبالرغم من ذلك، نجد أنه من الصعوبة التوصل إلى تعريف متفق عليه لعلم الاقتصاد، وذلك ﻷن التعريفات تتدرج من الاتساع الشديد إلى التعريفات المحدودة جداً مثل أن الاقتصاد هو دراسة الإنسان في دورة العمل العادية، وتتجه العناية إلى استقصاء السلوك الفردي والاجتماعي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستغلال الموارد المالية اللازمة ﻹقامة حياة مستقرة.
ويرى آخرون أن الاقتصاد هو العلم الذي يقوم بدراسة الأداء الإنساني كمعبر عن العلاقة بين الأهداف والوسائل الفريدة ذات الاستخدام المختلف، ويرى فريق ثالث أن الاقتصاد هو العلم الذي يدرس الظواهر من وجهة نظر الأثمان، على أنه يمكن صياغة تعريف توفيقي يرى أن علم الاقتصاد هو دراسة السلوك الإنساني الذي يحاول أن يربط الوسائل الفريدة ذات الاستخدامات المتباينة بالغايات أو الأهداف المرغوبة، مثل بلوغ الحد الأعلى من الدخل، ويتضمن الاختيار بين الأهداف، والاختيار بين السياسات الاجتماعية والقيم والتنبؤ بالنمو المتوقع أبعد من التقدير العقلي ﻷحوال السوق.
ويتضح من تحليل النشاطات الاقتصادية التفرقة بين الاقتصاد الخاص والاقتصاد العام، فالاقتصاد الخاص هو ذلك العلم الذي يتخذ من النشاط الاقتصادي للفرد والمشروع الخاص في سعيهما لتحقيق أقصى إشباع ممكن للحاجات نطاقاً لدراسته، أما الاقتصاد العام فهو ذلك العلم الذي يتخذ من النشاط الاقتصادي للدولة في سعيها لتحقيق أهداف المجتمع مجالاً للدراسة، ويقوم تقسيم علم الاقتصاد بقسميه السابقين بناء على:
- الاختلاف القائم بالنشاط الاقتصادي، فالاقتصاد الخاص يعني بالنشاط الاقتصادي للفرد والمشروع الخاص، في حين أن الاقتصاد العام يهتم بالنشاط الاقتصادي للدولة.
- تفاوت الهدف من النشاط، فالاقتصاد الشخصي يهدف إلى تحقيق أعلى إشباع ممكن للاحتياجات الشخصية أو أعلى تحقيق ربح ممكن للمشروع الشخصي، في حين يهدف الاقتصاد العام إلى إكتفاء الاحتياجات العامة وتحقيق أهداف المجتمع.
- تباين المبادئ التي تحكم الشخص والمشروع الذاتي عن تلك التي تفرض الدولة في ممارسة النشاط الاقتصادي.
ومن الجدير بالذكر أن المجتمعات البدائية في عصور ما قبل التاريخ قد تميزت بممارسة الأنشطة الاقتصادية، حيث استخدمت الموارد المتاحة لديها في إشباع احتياجاتها الأساسية.
وكان التخصص والتبادل أهم ما يميز الأنشطة الاقتصادية في هذه المجتمعات، فقد أدركت هذه المجتمعات منافع أو مزايا التخصص فبدلاً من قيام كل فرد بكل الأعمال أو المهام التي يتطلبها استمرار المجتمع، ثم توزيع هذه المهام، فالبعض قد عمل بالصيد والبعض الآخر بجمع الغذاء أو إعداد الأسلحة والأدوات التي تستخدم في الصيد وهكذا، وقد أدى التخصص إلى جعل هذه المجتمعات أكثر إنتاجية، ولم يكن التخصص ممكناً إلا في ظل نظام للتبادل، حيث يتبادل كل فرد نتاج عمله بنتاج عمل الآخرين، وقد استطاعت أن تبقى المجتمعات البدائية ثم تتقدم في النهاية بعد ذلك بفضل التخصص والتبادل.
وعلى الرغم من أن النشاط الاقتصادي كان سمة رئيسية لكل المجتمعات، إلا أنه من الغريب أنه لم تتم دراسة هذه الأنشطة بالتفصيل حتى وقت قريب نسبياً، حيث اعتبرت الظاهرة الاقتصادية إحدى الجوانب الأساسية للطبيعة الإنسانية، ولا تستحق في حد ذاتها مزيداً من الدراسة أو الاهتمام الخاص، وبالرغم من دراسة الأنشطة الاقتصادية من منظور تحديد النفع الشخصي، فإن الاستقصاء والتحليل المتعمق لهذه الأنشطة لم يبدأ في الواقع إلا في القرن الثامن عشر.
والاقتصاد اليوم ذو صلة وثيقة بحياة الإنسان، احتياجاته ورغباته وأنشطته وعلاقته بالآخرين والبيئة الطبيعية، فهو يركز بصورة محددة على مدى تحقق الرفاهية المادية للإنسان، باعتبار أن الإنسان هو نقطة البداية، ومركز جمع المعاملات الاقتصادية.
ولكن الإنسان مخلوق اجتماعي أيضاً، فمنذ اللحظة الأولى من مولده يصبح جزءاً من المجتمع، وعائلته وعشيرته ومجتمعه ووطنه، ولكن ليس كل الأفراد متساويين في قدراتهم وحاجاتهم واهتماماتهم ورغباتهم الشخصية، فقد تتصادم هذه الرغبات مع خطط واهتمامات المجتمع، وهنا قد يحدث الصراع بين حاجات الأفراد المتعددة والمتنوعة وغير المتساوية، وبين المجتمع بقدراته واستعداداته، ومن ثم تحدث علاقة تفاعل واضحة بين كل من الإنسان والمجتمع.
والقوانين الاقتصادية هي نتاج الروابط الاقتصادية بين الأفراد وهي روابط تستمد صفتها الاقتصادية من حيث أنها علاقات اجتماعية تتكون بين الأفراد داخل المجتمع، بمناسبة اشتراكهم في النشاط الاجتماعي والتوزيعي، وعلم الاقتصاد لا يعتبر الأشياء (المنتجات) أو الوظائف المتخصصة لعناصر الإنتاج أو العمليات الاقتصادية من الموضوعات التي تنتمي إلى نطاقه إلا بالقدر الذي ترتبط فيه بالعلاقات الإنسانية.