اقرأ في هذا المقال
- الإقطاع العسكري قبل عام (334 هجري)
- مناطق التحصينات الإسلامية
- الإقطاع في الثغور
- نظام الإقطاعات العسكرية في عهد الخلافة الأموية والعباسية
الإقطاع العسكري قبل عام (334 هجري):
كان الإقطاع وسيلة للدفاع عن أراضي الخلافة العربية الإسلامية، وهذا بحد ذاته يُعتبر من التطورات الإيجابية منذ عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، الذي أدرك أنَّ الدفاع عن حدود الدولة الإسلامية تتطلب استقرار مقاتلين في تلك المناطق للمرابطة ومجاهدة العدو، لقد كانت من عادة العرب الفاتحين أنّ يقودوا مجموعة من المقاتلين في كل مدينة تفتح كحاميات عسكرية هدفها حفظ الأمن وضمان استقرارها وإذا حدث اضطراب فيها أو هاجمها العدو أرسلت إليها النجدات لمساعدة الحامية فيها.
ومنذ عهد والي الشام معاوية بن أبي سفيان تم اتخاذ التدابير العسكرية اللازمة للدفاع عن السواحل والحصون فقد أمر الخليفة عثمان بإرسال الجند إلى مناطق السواحل وإقطاعهم الأراضي. وكان الخليفة عثمان بن عفان، قد أمر (أن يقطع المقاتلون الأراضي ويعطيهم ما جلا عنه أهله وكذلك المنازل). إنَّ أساس حيازة الإقطاع هو المرابطة من أجل قتال العدو أي أنَّ الوازع ديني جهادي وكانت الأرض المقطعة لهم من الأراضي التي ليس ملك لأحد والتي جلا أهلها منها.
إنَّ إعطاء الإقطاعات العسكرية للعساكر المرابطين على الثغور كان الهدف منه ضمان حماية وبقاء تلك المناطق في إطار الدولة العربية الإسلامية، باعتباره الخط الأول في حماية أطراف الدولة الإسلامية ومن أجل ذلك أقطع المقاتلين الأراضي.
مناطق التحصينات الإسلامية:
الثغور الشامية:
مهمة هذه الثغور فتح المناطق والأراضي التي احتلتها الدولة البيزنطية وتشتمل هذه المنطقة عدة ثغور منه: حصن طرطوس، والتي تم فيها إقطاع المقاتلة من أجل السكن حيث مسحت أرضها وقسمت إلى أراضي سكنية، وفي حصن أذنة، أقتطعت للمقاتلة الذين جلبوا من دمشق والأردن، وأقطع لثلاثمائة مقاتل في حصن المصيصة، ثم زيد هذا العدد في زمن المنصور وأصبح ألف مقاتل وأقطعهم الأراضي.
وأقطع المقاتلة الأراضي الزراعية في أنطاكية، أقطع الوليد بن عبد الملك جنده في أنطاكية وجعل الفلتر بدينار، أقطع المقاتلة الذين جلبوا من خراسان في عين زربى.
الثغور الجزرية:
مهمة هذا الثغر حماية الدولة العربية الإسلامية من هجمات البيزنطيين الذين استغلوا فترة الإضطراب في بداية الخلافة العباسية فدمروا حصونها المهمة، فقد أعاد المنصور بناء حصن ملطية. وأقطع الجند المساكن وكان عددهم أربعة آلاف وفرض الخليفة المهدي (158 – 169 هجري)، للمقاتلة في حصن الحدث، رواتب مقدارها أربعين دينار ما عدا الإقطاعات.
الإقطاع في الثغور:
لقد اتبع الخلفاء المسلمين سياسة منح الإقطاعات للجند المقاتلين وكانت عبارة عن مساحة من الأرض تقطع بملكية دائمة (إقطاع تمليك) مقابل أداء الخدمة العسكرية وكان يدفع ضريبة العشر منها. وكانت هذه الإقطاعات عبارة عن قطع صغيرة للسكن ففي عين زربى والحدث كانت أماكن للسكن وقد كانت المساحة المقطعة في طرطوس عشرين ذراع.
أما (العرافة)، هي النموذج الهندسي في بناء بيوت المقاتلة هناك، هي عبارة عن غرفتين في الطابق الأول واثنان في الأعلى وكان استيعاب كل غرفة حوالي ثلاثة أفراد. وهناك أراضي زراعية تقطع للمقاتلة من أجل زراعتها أوقات السلم لتوفير أرزاقهم مع عوائلهم، عندما أمر المنصور بإعادة حصن ملطية سنة (139 هجري)، أقطع الأراضي الزراعية المحيطة بالحصن للجند من أجل زراعتها.
كانت تلك الإقطاعات معفية من الضرائب واعتبرت مناطق (ايغار)، بمعنى أنَّ جباة الضرائب لا يسمح لهد بدخول تلك الإقطاعات حتى عام (243 هجري)، عندما أمر المتوكل بإلغاء تلك الامتيازات الممنوحة لأصحاب الإقطاعات في الثغور بسبب عجز الميزانية. كان الخليفة هارون الرشيد من أكثر خلفاء بني العباس اهتماماً بتنظيم الحدود مع البيزنطيين وتحصينها، ففي سنة (170 هجري)، استحدث منطقة عسكرية جديدة سماها (العواصم)، وكان هارون الرشيد قد بذل جهوداً كبيرة في تحصين المنطقة وإعمارها.
لقد كان تنظيم هذه المنطقة على أسس عسكرية وكان المقاتلة الذين يعسكرون في هذه المناطق كانت تقطع لهم الأراضي من أجل معاشاتهم وأرزاقهم هم وعيالاتهم، لقد استهدفت سياسة هارون الرشيد إلى حماية الثغور الإسلامية من هجمات الروم والخزر وتزويدها بالمقاتلة القادرين على حمايتها وكذلك الهدف الأساس الإكثار من المقاتلة العرب من أجل إحياء الأراضي التي دمرها الروم والتي هجرها سكانها.
فقد نقلت أعداد كبيرة من المقاتلة العرب إلى تلك المناطق، من أجل ذلك عمل على ترميم ما خرب من القلاع والحصون من أجل ترغيب الناس بالاستقرار فيها واستخدام وسائل من أجل تحقيق هذا الهدف من زيادة الرواتب وإقطاع الأراضي الزراعية فقد أمر ببناء مدينة (مسلحة)، على نهر الفرات وسكنها أربعة آلاف مقاتل وأقطعهم الأراضي وكذلك حصن قلوذية، وبنى مدينة الهارونية وأقطعها للمقاتلة.
ومما يجب الإشارة إليه أنَّ هذا النظام الدفاعي العربي كان ما يُقابله من نظام إقطاعي عسكري بيزنطيني، فقد كانت الإمبراطورية البيزنطينية قوات عسكرية في آسيا الصغرى وكانت قد منحتهم الإقطاعيات من أجل استغلالها والاستفادة منها وكذلك من أجل ترغيب المقاتلة في السكن فيها.
إنَّ هذا التنظيم يعود إلى عهد حروبهم مع الساسانيين فقد قسموا هذه المنطقة إلى مقاطعات عسكرية تسمى (الشيمات)، ومعناها الفرقة العسكرية وكانت هذه العبارة عن مناطق حربية يرأسها حاكم بيده السلطة المدنية والعسكرية، ولمّا كانت بلاد الشام تحت السيطرة البيزنطية قد قسمت إلى أقاليم حربية تسمى (البنود)، أي الفرقة العسكرية ولمّا تم تحرير بلاد الشام من تلك السيطرة اطلق العرب عليها اسم الاجناد.
فقد ذكر المسعودي مقارنة بين بنود الدولة البيزنطية وأجناد الشام قائلاً: (أرض الروم واسعة في الطول والعرض أخذه في الشمال مجزأة في الماضي إلى أربعة عشر جزءاً، أعمال مفردة تدعى البنود كما يعرف عنها أجناد الشام (فلسطين، الاردن، دممشق، حمص، قنسرين) غير أنَّ بنود الروم أوسع من هذه الأجناد وأطول). يذكر البلاذري (أنَّ المسلمين لمّا فتحوا تلك الأجناد اسكنوا فيها المقاتلة العرب وأنَّ هؤلاء كانوا ياخذون أرزاقهم من خراجها.
ومن المدن المهمة التي استوطنها المقاتلة واقطعت لهم القطاع مدينة قاليقلا، فقد منح ألفي مقاتل القطائع فيها وجعلوا مرابطين فيه، وكانت هذه الأراضي المقطعة للمقاتلة ليست ملك لأحد أو في يد أحد وهي التي هجرها أهلها، إنَّ وجود الحاميات العسكرية وإقطاعها الأراضي مهم للدفاع عنها من العدو عن طريق ربطهم بالأراضي المقطعة لهم، وقسمت مدينة باب الأبواب، إلى أربعة أقسام وأقطعت لأربعة وعشرين ألف مقائل قسم لأهل الشام وحمص وفلسطين.
وقسم الرابع لأهل الجزيرة ويذكر الإصطخري أنَّ سكان مدينة باب أللان يتكلمون العربي، وأقطعت لخمسمئة مقاتل الأرض التي لبست ملك لأحد بمدينة قزوين فعمروها واستثمروها، وكذلك أقطعت كرمان للمقاتلة العرب، كان المقاتلين العرب يجلبون معهم عوائلهم ويهدف هذا الإجراء إلى مُضاعفة قوة المقاتلين والدفاع عن عوائلهم، (للغيرة على الحرم).
نظام الإقطاعات العسكرية في عهد الخلافة الأموية والعباسية:
إنَّ الإقطاعات العسكرية اتخذت طريقاً آخر في عهد الخلافة الأموية والعباسية إذ أضحت هذه الإقطاعات تجزأ مكافأة لخدمات شخصية يقدمها المقطع ولكسب ولاءهم خاصة وإنَّ رُقعة الدولة العربية الإسلامية كانت من السعة بحيث تطلب وجود حمايات عسكرية للحفاظ على أمن واستقرار تلك المناطق.
وفي فترة النفوذ التركي أصبحت الإقطاعات العسكرية تمنح للأمراء على شكل امتيازات ومنح إضافة مع الراتب وكان الخليفة المعتصم أول من استكثر العنصر التركي من جيش الخلافة. وقد حاز القادة الأتراك القطاعات الواسعة عندما بنى الخليفة المعتصم مدينة سامراء، ذكرها اليعقوبي في كتابه البلدان، معلومات واسعة ومفصلة عن إقطاعات الجنود الأتراك فقد ذكر أنَّ المعتصم عزل قطائع الأتراك عن قطائع الناس وجعلهم منفردين لا يختلطون بهم وأقطع الخليفة المتوكل (232 – 247 هجري).
قائده التركي عدة قرى وضياع في سواد الكوفة وكان هؤلاء القادة يعطون تلك الإقطاعات بالضمان، فتحصل استفادة لكلاهما ويتولى الضامن جباة الضرائب، استفحل أمر القادة الأتراك بسبب الإقطاعات الممنوحة لهم حتى أنها اعتبرت من أسباب قتل الخليفة المتوكل.
لقد امتاز عهد الخليفة المقتدر (295 – 320 هجري)، بكثرة شغب الجند مطالبتهم بالأموال خصوصاً أنَّ الأموال التي احضرها المقتدر لم تفي بأرزاقهم فأمر بإسترجاع الإقطاعات وأفرد لها ديواناً سمي (ديوان المرتجعات)، في سنة (302 هجري).
اضطراب أمر خراسان فطلب القائد التركي أحمد بن علي الصعلوك من الخليفة المقتدر أنّ يقطعه الريّ وديناً وند، وقزوين وزنجان، وأبهر بمبلغ ضمان مائة وستة وستين الف دينار، وفي سنة (314 هجري)، أقطع يوسف بن ابي الساج جميع نواحي الشرق مقابل ضمان مبلغ من المال يدفعها لسد نفقات الجيش لقتال أبي طاهر الجنابي بالكوفة.