اتضحت وسائل وأساليب وأدوات المنهج الأنثروبولوجي بصورة أكثر وضوحاً، وذلك من حيث تقنية الملاحظة بالمشاركة وأيضاً المقابلة المتعمقة وتقنية الاستعانة بالإخباريين وكذلك المعايشة للواقع وغيرها. وفي حدود النظرية يتم تحليل وتفسير المعلومات بأساليب كيفية كأحد الصفات الأساسية والتي تميز هذا المنهج.
البدايات الأولى للمنهج الأنثروبولوجي:
نلاحظ أن البدايات الأولى للمنهج الأنثروبولوجي كانت تقوم بالاعتماد على جمع معلومات ميدانية من ضمن مجتمع معين أو مجموعة مجتمعات، وبعد ذلك، تقوم بتحليل تلك المعلومات بوسائل كيفية في محاور النظرية التي يراد تأكيدها، وذلك أن كانت النظرية التطورية أو النظرية الاانتشارية أو غيرها من النظريات. حيث نال هذا المنهج، في بداية القرن العشرين، تطوراً بسبب إسهامات مجموعة من العلماء كبواس ومالينوفسكي. حيث أهتم بواس وركز على الخصوصية الثقافية وأكد على ضرورة جمع البيانات الدراسية بصورة منهجية متكاملة، وخترع مالينوفسكي أداة الملاحظة عن طريق المشاركة، حيث اعتبرها من أجزاء التراث الأنثروبولوجي.
الإحصاء في المنهج الأنثروبولوجي:
كانت الفكرة المسيطرة في الدراسات الأنثروبولوجية هي استبعاد استعمال المنهج الإحصائي، وذلك سواء في جمع المعلومات أم في تحليلها. وقد خلق ذلك إشكاليات منهجية في غاية الأهمية، أقيمت حولها الكثير من المحاورات والمناقشات بين فلاسفة الأنثروبولوجيا، وذلك من آواخر القرن التاسع عشر وحتى نصف القرن السابق. وتباينت الآراء بين الرفض بشكل تام أو القبول بصورة محدودة. وفي فترة الخمسينيات من القرن الماضي توضحت تلك الإشكاليات بصورة مختلفة، وتعاونت مع الكثير من الإشكاليات المنهجية الثانية، وانطلقت معها الكثير من الانتقادات التي ارتبطت بالمنهج الأنثروبولوجي، حيث لم تكن هذه الانتقادات من جهة الأنثروبولوجيين بقدر ما هي من جهة السوسيولوجيين.
وظهرت ادعاءات وجهت إلى ذلك المنهج، حيث اتُهيم باتهامات كثيرة، منها خلوه من الموضوعية وميله الكبير إلى الذاتية، وهذا يؤدي بالتالي إلى فقدان المصداقية في معلوماته ونتائجها. وتوضح الدراسات المعاصرة إلى أن المنهج الأنثروبولوجي يعتبر من أكثر المناهج التي تساعد في الحصول على نتائج أكثر عمقاً، وكذلك له القدرة على التكيف بشكل سريع مع مقتضيات ومتغيرات الواقع، لا سيما التطور التكنولوجي، وذلك في الحيز التقني لأساليب البحث أو في حيز الحاسب الألي، وذلك ساعد في وضع حد لتلك الإشكاليات والانتقادات.