البيئة الاجتماعية ومعدلات العنف المؤدي للجريمة

اقرأ في هذا المقال


البيئة الاجتماعية تعني أي سمات عضوية وغير عضوية خلقتها البشرية وكذلك التفاعلات الإيجابية والسلبية وتأثيراتها على سبل العيش والإنتاج والوجود والتوسع للبشرية والطبيعة، حيث إنّ مجرد التواجد في حي ترتفع فيه معدلات الجريمة يمكن أن يزيد من فرص الفرد في التحول إلى الجريمة، وتكشف الأبحاث أنّ العيش في فقر يزيد من احتمالية تعرض الفرد للسجن، فعندما يواجه الفرد صعوبة في تغطية نفقاته فإنّه يتعرض لضغوط شديدة ومن المرجح أن يلجأ إلى الجريمة، وغيرها من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الجريمة أو العنف وبالتالي الجريمة.

علاقة الهيكل الاجتماعي بالعنف المؤدي للجريمة

تم تطوير نظرية مؤخرًا تشرح البيئة الاجتماعية للعنف التي تؤدي للجريمة مع التركيز على الآليات الاجتماعية الهيكلية والثقافية، حيث إنّ ما يبدو أنّه لا يمكن الدفاع عنه هو فكرة أنّ العنف الأسود -أي بين الأفراد ذوو البشرة السوداء- مدفوع بثقافة فرعية متأصلة، وعلى الرغم من ذلك فإنّ البحث الذي يركز على معدلات العنف المرتفعة بين السكان السود لم يتخل عن التفسيرات الثقافية تمامًا، ونقطة الانطلاق لهذا النموذج هي عدم قدرة نظرية الثقافة الفرعية النقية المبكرة على تفسير التوزيع غير المتكافئ للعنف الأسود بشكل منطقي، وإذا كانت نماذج الثقافة الفرعية النقية صحيحة في إصرارها على أنّ السود يلتزمون بثقافة العنف، فيجب أن تكون معدلات جرائم العنف السوداء متساوية في كل مكان.

لكن الأمر ليس كذلك: فالسود متورطون بشكل مختلف في أعمال العنف عبر مدن متعددة كأميركا على سبيل المثال لا الحصر، ومع ذلك فإنّ هذا لا يجعل التفسيرات الثقافية معيبة تمامًا، والتوسع في نموذج مدرسة شيكاغو يقترح المنظرون أنّ العنف الأسود هو نتيجة عدم التنظيم الاجتماعي وكذلك العزلة الاجتماعية الثقافية، وتنشأ كل من العمليات البيئية من العيوب الهيكلية وعدم الاستقرار السكني، ويؤدي عدم التنظيم الاجتماعي إلى تآكل التنظيم غير الرسمي في حين أنّ العزلة الاجتماعية الثقافية تشكل معايير منظمة بيئيًا تعاقب أشكال السلوك.

في المقابل يُفترض أنّ تؤثر هذه الآليات بشكل مشترك على معدلات العنف، ويفترض هذا المنطق أنّه نظرًا لأنّ المجتمعات السوداء تعاني بشكل غير متناسب من الحرمان الهيكلي، فإنّها تعاني أيضًا بشكل غير متناسب من العمليات التي تغذي الجرائم العنيفة، وفي ظل نفس الظروف الهيكلية الاجتماعية يجب أن يُظهر السود والبيض معدلات مماثلة من المشاركة في الجرائم العنيفة، وعلى أساس هذه الافتراضات تنتقل الإملاءات غير التقليدية تجاه السلوك نتيجة لفشل العوامل الهيكلية في كبح السلوكيات التي تمثل تفضيلات ثقافية فرعية، ومن شأن تمكين التنظيم الاجتماعي داخل الحي من الناحية النظرية أن يقلل من قوة وإمكانية نقل الثقافة غير التقليدية بين الأشخاص بمرور الوقت.

دور القيم المعارضة في ظهور الجريمة لدى المجتمعات

بحلول الجزء الأخير من السبعينيات كان هناك مستوى ملحوظ من الكراهية تجاه أي فكرة عن ثقافة غير تقليدية في علم الإجرام، وسواء كان تصويرًا قائمًا على الإجهاد أو تصويرًا للموقف المطلق أو نموذجًا لثقافة فرعية خالصة -نقية- فقد تم استهداف المنظرين الذين يدافعون عن الافتراضات الثقافية الفرعية من قبل مجموعة من العلماء الذين فضلوا الحسابات البنيوية.

ادعى أحد المنظرين البارزين من مثل روث كورنهاوزر أنّ انتشار القيم المعارضة بين المجموعات ولا سيما تلك التي تعاقب السلوك المدمر من شأنه أن يتسبب في انهيار المجتمع إلى حد ما، وبناءً على منطقها فإنّ الاقتصادات القائمة على التبادل معرضة بشكل خاص للعنف لأنّها تهدد قدرة الموارد المهمة على التدفق عبر الشبكات، وذهبت كورنهاوزر إلى القول بأنّ ما تصوره المنظرون الآخرون على أنّه ثقافات فرعية هو في الواقع تمثيلات جماعية للالتزام الضعيف بالثقافة التقليدية، وهي حالة تنتجها الأنماط الهيكلية الاجتماعية أي عدم التنظيم الاجتماعي.

يشير تفسيرها إلى أنّه لولا الفوضى الاجتماعية لما كانت البروتوكولات غير التقليدية موجودة داخل المجتمعات ولن تكون هناك أفعال مخالفة للقانون، وكانت الدراسات القائمة على الإجماع أو الضوابط حول أسباب الجريمة مثل الخطاب العلمي الذي هيمن عليه كورنهاوزر حتى أواخر التسعينيات، حيث ركزت سلسلة من المقالات المنشورة حول دور آليات الرقابة الاجتماعية في تثبيط السلوك العنيف.

علاقة الروابط الاجتماعية بظهور الجريمة

صاغ روبرت بورسيك وهارولد جراسميك نموذجًا منهجيًا للتنظيم الاجتماعي في تقليد الموقف الهيكلي الاجتماعي الذي ينظر في جوهره إلى استمرار العنف الذي اعتبر في جوهره أنّ استمرار العنف نتاجًا مصاحبًا لاستمرار الروابط الاجتماعية الضعيفة وفي نهاية المطاف غير الفعالة العامة والخاصة، والضوابط الاجتماعية الضيقة داخل المجتمعات، وبطبيعة الحال فإن النظير لوجهة نظرهم هو أنّ العنف مستدام لأنّ الظروف الثقافية الكامنة وراءه لا تزال قائمة، وعندما أصبحت مبادئ الحسابات الهيكلية خاضعة للاختبارات التجريبية تم الكشف عن المدى المحدود إلى حد ما لقوتها التفسيرية.

منذ ذلك الحين أظهر اتجاه المشاعر المعادية للثقافة الفرعية داخل المجال علامات الانعكاس، وفي الواقع أجبرت حدود الموارد الهيكلية الاجتماعية في شرح أنماط الجريمة علماء الإجرام على إعادة تقييم مفهوم الثقافة غير التقليدية، وعلاقتها بواقع الظروف الهيكلية في أمريكا الحضرية والطبيعة الدقيقة للعلاقة بين والطبيعة الدقيقة للعلاقة بين المعايير الثقافية المعيارية وارتكاب أعمال العنف.

هناك حقيقة واحدة تدفع إلى الاهتمام المكتشف حديثًا بالثقافة من حيث أنّ بعض الأماكن الاجتماعية تتعرض باستمرار لمعدلات غير عادية من الجرائم الخطيرة، في حين أنّ الأماكن الأخرى لا تشهد حجمًا كبيرًا من الجرائم على الرغم من أنّها تفتقر إلى التنظيم الاجتماعي القوي (مثل الضواحي) التي يُتوقع أن تقودها ارتفاع معدلات الجريمة.

تكيف الثقافة مع البنية الاجتماعية للحد من الجريمة

الاتجاه الحالي في علم الإجرام هو معاملة الثقافة باعتبارها تكيفًا مع البنية الاجتماعية واعتبار السلوك داخليًا لكلا العاملين، وتم انتقاد النماذج الثقافية الفرعية المبكرة لمدرسة شيكاغو في الواقع لافتراضها نظامًا حتميًا؛ لأنّها ضمنت أنّ السلسلة السببية تتدفق في اتجاه واحد من أنظمة القيم إلى الفعل، ومع ذلك فإنّ منظور الثقافة كتكيف يفشل في التعرف على القوة السببية المستقلة للرموز الثقافية، واستجابة لهذا القيد ابتعد الباحثون عن استراتيجية ثقافية فرعية (أي القيم والغايات) وركزوا على كيفية استجابة الثقافة وتعبئتها وإعادة إنشائها من خلال الاختيار الفردي الموجود داخل الأوساط المكانية.

تكمن فائدة هذا المنظور في أنّه يعترف بقوة الثقافة في إعادة خلق نفسها من خلال التمثيل السلوكي (أو النمذجة) ومن خلال التعلم المعرفي، ويصف المنظور الناشئ الثقافة مجازًا على أنّها مجموعة أدوات توفر استراتيجيات للعمل تمكن الفاعلين من التنقل في المشهد الاجتماعي الفريد الخاص بهم، وافتراض هذا النموذج هو أنّ الإجراءات لا يمكن إنجازها بدون مجموعة الأدوات المناسبة، وأنّ بعض الإجراءات تكون أكثر احتمالا إذا كانت رمزية الوسائل المتاحة.

عند تطبيقه بهذه الطريقة يكون العنف عمليًا للتنفيذ كوسيلة إذا كانت مجموعة أدوات الفرد تحتوي على الموارد المطلوبة، وقد يكون من الصعب تجنب الأحداث العنيفة في حالة عدم توفر المستودعات التي توجه استراتيجية الفرد للقيام بذلك، ويمثل التباين بين الأشخاص في المورد الرمزي لمجموعة الأدوات التنوع في تجارب التنشئة الاجتماعية بين الأشخاص والتي يتم توفير جزء منها من خلال البيئة البيئية المحلية الخاصة بهم.


شارك المقالة: