نبذة عن مفهوم الأمن في الإسلام:
يحكم أفراد هذا المجتمع الكثير من القوانينِ والأنظِمة التي تحددها المجموعات القائِمة على خدمة المجتمع، فقيادة الجَماعة من الأمور المهمّة والضَّرورية للتمكّن من قيام الأفراد بواجباتهم ومهامهم بطريقةٍ منظمة دون تقصير أو تعدي على حقوق الآخرين، فالشيطان توعد البشر بإضلالِهم وإغوائِهم لاتباع الطُّرق غير الصحيحة، والتي ينتج عنها الكثير من المشاكِل في الحياة الدنيا بالإضافة إلى الخلود في نار جهنم في الحياة الآخرة.
ومن أهم العوامل لبناء أي مجتمع وتحديثه هو وجود الأمن، فالدولة التي تتواجد على أراضيها الحروب أو تفتقر لأبسط أنواع الأمن فإنّ مجتمعاتها تقوم بالهجرة لتبحث عن المكان الذي يتوفر فيه الأمن، فالأمن والاستقرار هما مصطلحان مترافِقان معاً، فأينما وجدت الأمن وجدت الاستقرار معه، وأينما وجدت الاستقرار فالأمن يكون مرافقاً له، فانعدام الأمن يسبب الخَوف والجَزَع وعدم الاستقرار وعدم البناء.
تم ذكر الأمن في مواضع عدة في كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، للدلالة على السلامة والاطمئنان النفسي، وانتهاء الهلع في حياة الناس، ولقد جعل دين الإسلام الأمن من أعظم النعم على الإنسان، حيث حث الرسول عليه الصلاة والسلام على كل عمل يعود بالأمن على المسلمين، ونهى وحرم كل عمل يهدد أمنهم وسلامتهم، لكن الدين الإسلامي لم يركز على الأمن المطلق في حياة البشرية؛ لأن هذا محال أن يكون إلّا في جنات النعيم، فمهما أوتي الإنسان من نعمة الأمن فلن يشعر بكماله.
ولقد شرع الإسلام الحدود والقصاص؛ للتقليل من الجرائم التي تطول الأشخاص في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وجعل منزلة الحاجات والاوازم قبل الرغبات النفسية؛ لما لها من أثر واضح في ضمان حياة الإنسان واستمرارها، وتشريع الأمن في الإسلام لم يقتصر على المسلمين فقط، بل امتد إلى غير المسلمين، ممن يعيشون في البلاد الإسلامية، حيث حرم قتلهم والاعتداء على أرزاقهم وأعراضهم، مثل أهل الذمة وغيرهم ممن يقبلون على البلاد الإسلامية؛ من أجل القيام بأعمال لا تعد محرمة في الشريعة الإسلامية كالتجارة.
توضيح مضامين الأمن والأمان في عهد الملك عبد العزيز:
إنّ الأمن مطلباً مهماً وضرورياً في كل مجتمع بشري ولكل نظام سياسي، يعد الأمن في المملكة العربية السعودية ضروري لاستقرار شعبها في أرض الحرمين الشريفين فهو يعد واجب ديني، لتسهيل وصول الحجاج إِلى بيت االله الحرام، ولضمان سلامتهم وراحتهم، حتى يؤدوا مناسكهم، ويعودوا إِلى بلادهم وقد كان الملك عبد العزيز آل سعود يدرك ذلك، ويعيه منذ دخوله الرياض، وكان ذلك المفهوم الإِسلامي الصحيح، غامضاً أو غائباً عن أمراء عصره من خصومه الذين ناجزهم، ولم يكن تحقيق الأمن هدفاً لخصومه، أو غاية لأتباعهم الذين واجههم الملك عبد العزيز في معاركه العديدة.
لقد كانت السرقه والسلب والنهب من وسائل وطرق العيش، وكسب الرزق لدى العديد من الشعوب التي تعيش في الجزيرة العربية، ولم يعد الأمن متواجداً في أرض الحرمين الشريفين، لأهلها ولا لحجاج بيت االله الحرام، وكان اختلال الأمن سمة من سمات العيش، ويشكل خطراً من مخاطر في أثناء أداء فريضة الحج. في بياناً عن الملك عبد العزيز: “إِنّ البلاد لا يصلحها غير السكون، إِنني أحذر الجميع من نزغات الشياطين، والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إِفساد الأمن في هذه الديار المقدسة، فإِنني لا أراعي في هذا الباب صغيرا ولا كبيرا “.
وكان من أهم الأعمال التي اهتم لها الملك في بداية توليه حكمه في الحجاز تنظيم الشرطة بتكوين لجنة لهذا الغرض، وضعت قواعد لعمل الشرطة تقوم في تنظيـمـها ومـحـاسبة المقصرين منهم، في عام 29/1/1344 هجري الوافق 2/8/1925 ميلادي صدرت هذه اللجنة، وتعتبر هذه التعليمات أقدم تنظيم رسمي لأعمال الشرطة في عهد الملك عبد العزيز، وتطور نظام الشرطة بمقتضى القوانين وأوامر ملكية في عام ١٣٤٥وعام ١٣٤٩ و عام ١٣٤٦ هجري.
و في عام ١٣٦٩ هجري الموافق ١٩٥٠ميلادي تم تطوير بموجب الأمر الملكي ذي الرقم ٣٥٩٤ في عام ٢٩ / ٣ / ١٣٦٩ هجري نظام للشـرطة، يتكون من ٤٢٢ مادة، وهو نظام شامل ومفصل يتضمن تحديد الواجبات والإجراءات المطلوبة بكل وضوح، مما يقلل من وقوع الأخطاء أو التجاوزات. وتم التأسيس في سنة ١٣٥٤ هجري الموافق ١٩٣٥ ميلادي مدرسة للشرطة في مكة المكرمة، بعدها تم نقلها إلى مدينة الرياض سنة ١٣٨٥ هجري الموافق ١٦٩٥ ميلادي ثم أصبحت كليـةً للشرطة.
إنّ نظام الشرطة في المملكة قد إكتمل بنيانه في عهد الملك عبد العزيز، مما قد يشير على اهتمام الملك في الأمور التي تلفت اهتمام الشعب، والزائر لبيت االله الحرام من حاج أو معتمر، وقد كان الأمن هو الشاغل الأول لحجاج بيت االله، وللدول التي يقدمون منها قبل عهد الملك عبد العزيز. لقد كان إِدراك الملك – رحمه االله- لمفهوم الأمن واسعاً وسابقاً في عصره.
يقول الملك في إِحدى خطبه بمدينة الطائف سنة ١٣٥١ هـ (١٩٣٢م):” أحذركم من أمرين: الإِلحاد في الدين، والخروج عن الإِسلام في هذه البلاد المقدسة، فواالله لا أتساهل في هذا الأمر أبداً، ومن رأيت منه زيغاً عن العقيدة الإِسلامية، فليس له من الجزاء إِلا أشده، ومن العقوبة إِلا أعظمها. والأمر الثاني: السفهاء الذين يزين لهم الشيطان بعض الأمور المخلة بأمن البلاد،وراحتها “.
كـان عـصر الملك مليء في العديد من الآراء والأفكار والنظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حيث كان مفهوم الأمن بسبب إدراك الملك يتسع ويتطور لحماية البلاد من ضرر هذه الأفكار، والمذاهب التي تتعارض مع الأساس الشديد الذي تأسست عليه المملكة، وهو الإِسلام وشريعته، وبسبب هذا المفهوم الواسع للأمن حفظ االله المملكة، وشبابها من الوقوع في الأخطاء والتفرق والانقسام الديني والمذهبي والفكري والثقافي، وهو الأمر الذي حدث في كثير من بلاد المشرق، والمغرب العربي في ثقافتها وحياتها الاجتماعية. ولم يكن الدفاع عن المملكة غائباً عن فكر الملك عبد العزيز، فقد كان جيش الملك الذي يعتمد عليه في معاركه، مكوناً أول الأمر من أتباعه المخلصين، من أعوانه الذين كانوا على ولاء كامل له من الحاضرة والبادية.
وفي ٦ / ٦ / ١٣٤٤هجري الموافق ٢٢ / ١٢ / ١٩٢٥ ميلادي بدأ الملك بوضع الأسسِ لإِنشاء القوات النظامية العسكرية، فتكونت القوات البرية والجوية بناءً على المستحدث في قواعد الحروب الحديثة، وتوحدت جميع الدوائر العسكرية تحت رئاسة قائد عام. وأنشئت رئاسة الأركان عام ١٣٥٨ هجري الموافق ـ١٩٣٩ ميلادي ووحـد الزي العـسكري، وأنشـئت وزارة الدفـاع في ٥ / ١١ / ١٣٦٢هجري ١٠ / ١١ / ١٩٤٣ ميلادي. وقد تشكلت قوات الطيران بأمر ملكي سنة ١٣٤٤ هجري ١٩٢٥ ميلادي، وتطورت إِدارة خفر السواحل؛ لتصبح القوات البحرية.
وقد يتضح أن الدفاع عن السلطنه وحمايتها من الأعداء كان يشغل فكر الملك عبد العزيز، وقد استطاع من خلال توفيق االله، ثم بحنكته في إِدارة شؤون البلاد أن يضع الأساس لجيش المملكة من قوات برية وجوية وبحرية. ولقد كان إِنشاء الجيش في هذا الوقت المبكر، ومع توحيد المملكة له أثره الاجتماعي الكبير؛ إِذ تحول إلى انتماء من القبيلة إِلى المملكة بنظامها الإِسلامي القائم على كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مما أسهم في توحيد الولاء، والتزام الدولة بكل نفقات المقاتل وبكل ما يتطلبه تسليحه، وتدريبه من نفقات.
إنّ الانتقال من عصر استقلالية المقاتل بنفسه إِلى عصر الجيوش الحديثة وما من انضباط وولاء وقدرة عسكرية تحيط المملكة بالحماية، ذلك تطلب عملاً شاقاً، ولكن مما يلفت النظر أنه تم بيسر وسهولة في عصر الملك عبد العزيز، رحمه االله. لا ينكر أحد أن عهد الملك عبد العزيز – رحمه االله- كان عهد أمن للمواطن في المملكة، ولحجاج بيت االله الحرام، وزوار الحرمين الشريفين. لقد كتب الكثيرون عن الأمن، وكيف تحقق في ربوع المملكة في عهد الملك عبد العزيز، فلم يعد هناك طوائف من الناس، تتعيش بالغارة والسلب والنهب من غيرها، أو من حجاج بيت االله.
لقد كانت الدولة قوية إِلى الحد الذي قامت في تغييرت من طباع مجتمع بأكمله، كان يعتبر الكثير منه أن الغارة والسلب والنهب، طريقاً إِلى اكتساب المال والمغانم، وهو مجتـمع بعض القبائل وأعراقـها وتقاليدها، والذي صار بتوفيق من االله ثم بجهد الملك، وذكائه السابق لعصره مجتمع القرية والمدينة، حيث يكون العمل وسيلة لكسب العيش، والعمل الصالح وسيلة للرقي الاجتماعي. ولا نريد أن نفصل في ذكر حال الأمن قبل أن تتوحد المملكة في عهد الملك عبد العزيز، وعلى يده، وبجهده، فإِن اضّطراب الأمن، وكثرة العدوان والسلب والنهب قبل عهده، أمور ليست في حاجة إِلى دليل.
استطاع الملك- رحمه االله- أن يحول عادات التقاتل والهجوم والسلب والسرقه إِلى فروسية وجندية في مملكة موحدة، ولم يكن ذلك أمراً يسيراً، فقد عمد الملك إِلى تحضير البدو، وحثهم على الاستقرار، ويسره لهم بما قدمه من أدوات الزراعة ووسائل الري، وأكرم شيوخ القبائل، حتى يبثوا في الناس المفاهيم الجديدة التي أراد الملك أن ينقلوها إليه هذا قليل من كثير مما فعله الملك عبد العزيز، ولا يعلم إِلا االله وحده كم اقتضاه ذلك من عمل وجهد، جزاؤه عند االله وحده.