اقرأ في هذا المقال
التجارة في عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود:
تأتي مهنة التجارة في المجتمع في المرحلة المستقرة في الدرجة التالية، كنشاط داخل النسق الاقتصادي. وقد أورد بعض مؤرخي العرب أنّ من صفات أهل التجارة النقل والسفر إلى أطراف الروم وبقية أجزاء الجزيرة العربية وقال بعضهم الآخر ” إنّ التجارة تنمية المال بشراء البضائع ومحاولة بيعها بأغلى من ثمن الشراء، إما بانتظار حوالة الأسواق، أو نقلها إلى بلد هي فيه أنفق وأظى، أو بيعها بالغلاء، وهذا الربح بالنسبة إلى أصل المال يسير، إلّا أن المال إذا كان كثيراً عظم الربح لأنّ القليل في الكثير.
وقيل: ” يغلب على الحضر الخلق التجاري، وبعض الجهات تمتاز عن بعض في هذا الخلق، فأهل القصيم والزلفي وشقرا أنشط من أهل نجد في التجارة، فقوافلهم تقصد سائر الجهات العربية، وتجارهم كثيراً ما يسافرون إلى الهند ومصر والعراق في سبيل التجارة” . ولقد اشتهرت بعض المناطق عن غيرها في التجارة مثل نجد، حيث عرفت شهرة أهل نجد بصفة خاصة، فكثير منهم خرج في شبه هجرات جماعية لطلب الرزق والعمل في المناطق المحيطة بهم مثل البحرين والكويت والعراق والشام .
ومن المعروف أنه قد اشتهر فئة من أهل القصيم باسم العقيلات، کانوا يعملون بتجارة المواشي من الإبل والخيل، وكان لذلك دور فعال في تنمية التجارة. كذلك منطقة الساحل الشرقي التي اشتهرت منذ أقدم العصور بتجارتها في التوابل والعطور واستخراج اللؤلؤ، وقد ساعدها موقعها الاستراتيجي في العصور السالفة على أن تتمتع بمكانة ممتازة في عالم التجارة فكانت بحكم موقعها همزة وصل بين تجارة الشرق والغرب.
أما جدة فإنّ الحركة التجارية زادت بشكل واسع في عهد الملك سعود. إذن فقد كانت التجارة أحد الروافد المهمة للكيان الاقتصادي منذ القدم، وكانت تعتمد قبل عصر النفط على منتجات القطاعين الزراعي والحيواني بشكل كبير، فيقومون بنقل هذه السلع وتسويقها من مكان إلى آخر داخل المنطقة وخارجها وفي أوقات مختلفة من العام، حيث يحتفظون بالمنتجات الزراعية المتوافرة في بداية فصل الصيف كالحبوب ليتم بيعها في وقت الشتاء عندما تكون الحاجة ملحة إليها، ويخزنون المنتجات الحيوانية في فصل الربيع ليبيعوها في فصل الخريف وأوائل فصل الشتاء، ویکنزون التمور في فصل الخريف ليبيعوها في فصل الشتاء والربيع، إضافة إلى ذلك استيراد المنتجات المختلفة والقهوة والأسلحة والحلي وغيرها.
تطور التجارة:
لقد تغيرت الأوضاع الاقتصادية والتجارية بعد اكتشاف النفط، فقد ازدادت حاجة البلاد إلى كثير من الاستثمارات في مجالات التجارة الداخلية والخارجية وهذا أدى إلى اتساع قاعدة الاستهلاك وتنوع السلع وتعدد الأسواق. واقتضى هذا الاتساع لنطاق الحركة التجارية في المملكة، وإتاحة علاقات تجارية مع أكثر دول العالم، وعقد الاتفاقيات التجارية إلى غير ذلك من أوجه النشاط التجاري، اقتضى ذلك إنشاء وزارة التجارة عام 1373، كما ذكرنا سابقاً لتنفيذ السياسة التجارية للمملك.
وقد خطت وزارة التجارة خطوات واسعة في تنفيذ سياستها المرسومة والعمل من أجل أهدافها، فعملت على بحث وسائل تنمية التجارة وتنظيمها، والإشراف على تنظيم حالة الأسواق الداخلية والتخزين وخفض الأسعار عندما تدعو إليه الحاجة ودراسة الأنظمة وتثبيت القواعد المعرفة الصادرات التي يمكن للبلاد أن تقدمها للخارج بكميات تجارية كبيرة، وعملت لذلك دراسة وتطبيق نظم التجارة في الداخل والخارج واهتمت بتأسيس الغرف التجارية والتوسع في أعمالها، حيث لمس جلالته حاجة التجارة الماسة إلى وجود غرفة تجارية، فامر جلالته بتأسيس غرفة تجارية ومحكمة تجارية على خلاف المتبع في جدة.
وقد شهدت الغرفة تطوراً ملحوظاً عبر سنوات عملها وكان التطور متعدد الجوانب إذ كان عليها أن تواكب وتتفاعل مع حركة التنمية السريعة التي كانت تشهدها الدولة، فطورت من أدواتها وعناصرها المادية والبشرية لتكون في وضع يمكنها من تحقيق تطلعات رجال الأعمال، فأوجدت علاقة طيبة بينهم وبين المسؤولين في الدولة لتزويدهم بالدراسات والمعلومات التي تعكس واقع الاقتصاد وتوضع ما يقدمه رجال الأعمال من مشكلات بعد دراستها واقتراح الحلول المناسبة لها.
وكان للغرفة مجلس إدارة يتكون من12 عضواً، ينتخب من رجال الأعمال ثمانية وأربعة يتم تعيينهم من قبل وزارة التجارة والصناعة وبدأ هيكله التنظيمي بأربع وحدات إدارية. وكان الهيكل التنظيمي للغرفة التجارية يعمل على إدارة شؤون المنتسبين، حيث تتولى تسجيل عضوية رجال الأعمال والمؤسسات والشركاتت، فأسست حكومة جلالة الملك مكاتب للسجل التجاري، في كل من مكة وجدة والرياض والدمام، يسجل فيها كل من يفرض عليهم النظام تسجيل أسمائهم من التجار والشركات والوكالات وكل من احترف الأعمال التجارية.
وعملت الوزارة على فتح مكاتب للسجل التجاري في بقية المدن الكبرى بالمملكة. وكان منها إدارة المرسلات؛ ومهمتها تنظيم السجلات بطريقة تمكن من سرعة استخلاص المعلومات التي تطلب من الغرفة التجارية. وكذلك مكتبة الغرفة وبدأت بعدد محدود من الكتب والأدلة والمجلات والنشرات التي وردت إلى الغرفة منذ إنشائها. وإدارة المجلة والمقصود بها مجلة تجارة الرياض التي صدر العدد الأول منها عام 1381 هجري. ووضعت الوزارة نظاماً خاصاً يلزم جميع الأجانب المشتغلين بالتجارة بالحصول على رخص تجيز لهم مزاولة الأعمال التجارية، حيث يدفعون ثمنها للمالية وتأليف لجنة من ذوي الخبرة للنظر في أسعار الأغذية الضرورية للشعب، بما يمنع المشتغلين من التلاعب بأقوات الفقراء.
ومن أعمال وزارة التجارة أيضاً الإشراف على شؤون الشركات وتنفيذ اللوائح التي تختص بها والقيام بالتفتيش عليها وتشجيع رؤوس الأموال واستثمارها ومراقبة الاستيراد، كذلك تنظيم وسائل التنمية مع الإشراف على الأسواق الداخلية وتحديد أسعار بعض السلع.
مراحل تطور التجارة في عهد الملك سعود:
ولقد تطورت التجارة وتنوعت واتسعت واحتوت أشكالاً مختلفة من السلع سواء كانت استهلاكية أو إنتاجية، حتى أصبح من الضروري أن تحافظ كل مؤسسة على السلعة التي تبيعها وتعرفها في الأسواق ولذلك حرصت الوزارة على أن تنشئ قسماً خاصاً يكون من اختصاصه كل ما يتعلق بالعلامة الفارقة، حيث يتم تسجيلها وحمايتها بقصد المحافظة على حقوق المؤسسات التجارية ضد المنافسات الأخرى.
وعملت الوزارة في عهد جلالة الملك سعود على ابتعاث الملحقين التجاريين بالممثليات السعودية إلى الخارج بغية التعاون الفعال لإنعاش الحركة التجارية في المملكة وتسهيل كل ما يتعلق بشؤون التصدير والاستيراد وبحث الأمور التجارية ودراستها في البلاد وعلاقتها بالتجارة الخارجية. وتهتم الوزارة بإمداد الجهات بالمعلومات والإحصائيات الدقيقة للشؤون التجارية في البلاد والتعاون مع وزارة المالية والاقتصاد الوطني في النقاط التي تلتقي عندها التجارة بسياسة المال والاقتصاد . وأنشأت الوزارة قسم للإحصاء التجاري للاستفادة منه ومعرفة الميزان التجاري للواردات والصادرات العامة.
وتهتم الوزارة بوضع النظم الثابتة الخاصة بالموازين والمقاييس والمكاييل والدمعات الخاصة بالصيغات والمعادن النفيسة ومراقبة النقد. وأهم ما كانت تقوم به وزارة التجارة هو العمل على إحكام الحصار الاقتصادي على إسرائيل، حيث مثلت الوزارة المملكة العربية السعودية في مكتب مقاطعة إسرائيل، قامت بالتعاون الوثيق مع الدول العربية وتطبيق سياسة الحصار التي يقرها مكتب المقاطعة مع الشركات التي تتعامل مع إسرائيل وإنهاء كل أعمالها وأنشطتها الاقتصادية والتجارية في جميع الأراضي السعودية .
وفي الوقت نفسه سعت الوزارة إلى توطيد الصلات التجارية مع الدول المجاورة عملاً على ازدهار التجارة في البلاد وذلك بإقامة الاتفاقيات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية و الدول المجاورة، من ذلك على سبيل المثال الاتفاق الاقتصادي بين المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية الموقع بتاریخ 1382 وتنفيذاً لما ورد في البيان الملكي السعودي الأردني المشترك الصادر بتاريخ 1382/ 1992 ميلادي ومن أهم الشروط التي اتفقوا عليها تذليل القيود التي تحد من انتقال الأشخاص والسلع والبضائع ورؤوس الأموال بينهما وتسهيل عملية النقل واستعمال وسائل النقل المختلفة بما يحقق أهداف التعاون التجاري.
وكذلك تأليف لجنة مشتركة تتألف من ثلاثة مندوبين مهمتها تقديم الاقتراحات الخاصة بتعديل هذا الاتفاق ومعالجة الصعوبات التي قد تنشأ عند تطبيق هذا الاتفاق، كذلك الاتفاق التجاري الذي أقيم بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة الجمهورية اللبنانية والموقع في بيروت بتاريخ 1379 هجري، وكان من أهم بنود هذه الاتفاقية هو أن يتعهد كلا الطرفين المتعاقدين كي لا يتخذ تدابير من شأنها أن تمنع أو تحد من استيراد منتجات الطرف الآخر المدرجة في القوائم المرفقة بهذا الاتفاق.
وقد جسدت هذه الاتفاقية التجارية بين البلدين، بإضافة بنود جديدة وذلك حسب التطورات التي طرأت على البلدين وكانت هذه الاتفاقية قد وقعت في بيروت بتاريخ 1282. وفي عهد جلالة الملك سعود ومن ضمن سياسته الحكيمة تجاه شعبه عمل جلالته على توفير مواد الغذاء والكساء بإصدار بيان ملكي كريم، يقضي بإعفاء أكثر هذه المواد من الرسوم الجمركية المقررة عليها، كما يقضي المرسوم بتخفيض الرسوم تخفيضةً كبيرةً مع زيادة فئات الرسوم المقررة على المواد الكمالية وبذلك أصبحت المواد الغذائية الضرورية معفاة من الرسوم الجمركية، منها على سبيل المثال الحبوب بأنواعها، اللبن بانواعه الخضراوات، الفواكه، الأرز ،السكر غير المكرر، الدقيق ولحوم الطيور