اقرأ في هذا المقال
- الأسباب التي دفعت الملك عبد العزيز تولي الأمير الفيصل على الحجاز
- العوامل التي أسهمت في تكوين شخصية الأمير فيصل
- الأمير فيصل وغزوة ياطب
الأسباب التي دفعت الملك عبد العزيز تولي الأمير الفيصل على الحجاز:
تتمتع الحجاز بالموقع الاستراتيجي المتميز الذي حظيت به، ذلك الأمر الذي جعلها تتميز بظروف خاصة، وقد أدرك الملك عبد العزيز الحاجة بهذه المنطقة إلى حاكم تجتمع فيه الكثير من المؤهلات والصلاحيات والكفاءات؛ ليكون نائباً شخصياً للملك، يقوم بسن القرارات المناسبة في الأوقات الضرورية والصعبة، وقد اختار الملك ابنه الأمير فيصل ليكون ذراعه اليمين في هذه المنطقة ذات الأهمية الكبيرة المتمثلة بالبعد عنه جغرافياً، إنّ اتخاذ الملك عبد العزيز لهذا القرار لم يكن صادراً عن فراغ، فقد كانت لدى الأمير فيصل مؤهلاته ومميزات التي مكنته من أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب.
العوامل التي أسهمت في تكوين شخصية الأمير فيصل:
الحقيقة هي أنّ هناك العديد من العوامل التي أسهمت في تكوين شخصيته وإعداده ليكون جديراً بهذه الثقة التي منحها له والده جلالة الملك عبد العزيز، وليكون أيضاً حاملاً للمسؤولية في ذلك المنصب وفي غيره من المناصب الأخرى التي أُوكلت إليه. وإذا قمنا بتتبع تاريخ نشأته نجد أنه يوم بروزه كان على أثر انتصار والده الإمام عبد العزيز في معركة تسمى روضة مهنا، ووقعت بالقرب من حائل في عام 1324 هجري/ 1906 ميلادي، وقام في السيطرة على القصيم التي كانت تحت نفو آل رشيد والعثمانيين غي ذلك الوقت.
وهذا الأمر الذي وقع يعتبر من الأحداث التاريخية الفاصلة في حياة الملك عبد العزيز وتعتبر بداية سقوط آل رشيد وتشتت ملكهم، حيث سمى بهذا الاسم بالنسبة إلى جده فيصل بن تركي أحد مؤسسي الحركة التي أدت إلى تأسيس الدولة السعودية، وقد تلقى الأمير فيصل علومه الدينية على يد جده سماحة الشيخ عبد الله ابن عبد اللطيف آل الشيخ والد أمه ويعتبر من كبار علماء نجد، فنشأ نشأة دينية ممزوجة بالتربية السياسية والاجتماعية والحربية.
وقد قام الأمير فيصل بحفظ القرآن الكريم وهو في سن 13 من عمره وهذا يدل على النشأة الصالحة التي تربى عليها، في ظل عائلة محافظة متمسكة بقواعد ومبادئ الدين الحنيف وتعاليم الإسلام، مما جعله يتغلغل بالروح الإسلامية الصافية، ويتتبع خطوات أسلافه منذ بداية حياته، وأخذ فيصل التعلم من والده في جميع المجالات ومنها الرأي والتجربة والذكاء السياسي والتوجيه، وكان فيصل محباً لدراسة كل شيء، فأخذ على القراءة والاطلاع على شتى العلوم والكتب، وكان يقوم فيصل بمجالسة أهل العمل، فاكتسب حصيلة كبيرة من المعارف والثقافات، وساعده على ذلك ذكائه.
بالإضافة إلى حرص فيصل على تعلم الأدب والشعر، والتي اكتسبها من البيئة الطبيعية التي تأسس ورعرع بها، حيث أرسله والده كثيراً إلى البادية في الصحراء ليتعلم من أهلها البدو، ويعيش معيشتهم الصعبة في مجتمع كانت موارده الاقتصادية قليلة للغاية فكان يلبس اللباس الخشن ويتعلم ركوب الخيل والفروسية وفنون الحرب والصيد. وقد حرص والده الإمام عبد العزيز على أن يأخذه معه ليحضر مجالسته مع كبار رجال الدولة ومستشاريها ومساعديها، فكان يستمع بكل تركيز إلى أقوال والده ومحادثاته ومناقشاته، وكان يستفيد كثيراً من الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبذلك تعلم فيصل العديد من الأمور.
وكان لاهتمام والده عبد العزيز بتربيته التربية السياسية والعسكرية الأثر الأكبر بعد الله في تكوين وصقل شخصيته؛ خاصة بعد إدراك الإمام عبد العزيز بما يملكه فيصل من المزايا والمواهب والطاقات والحنكة في مختلف المجالات. وفي ذلك يقول الأمير مشعل بن عبد الله ابن عبد العزيز آل سعود: غني به الملك عبد العزيز أي الأمير فيصل، وتوسم في وجهه علامات النجابة والنبوغ، وتصوره وارثاً له مكملاً طريقه، فأبقاه إلى جانبه يدربه وينبهه ويشجعه ليكون الرجل الكبير في الحياة، ولقيت هذه التربية الأبوية من فيصل الرضا والقبول، فكان مطيعاً لوالده يراه مثلاً أعلى يحلو السير على نهجه، لكل من أراد الصعود.
وكانت هذه التربية في نواحيها المختلفة مثل مدرسة الملك عبد العزيز، والتي تخرج فيها الأمير فيصل، وقال عنها : ” لقد كان والدي عبد العزيز هو مدرستي وقدوتي التي اتبعها”. فاتخذ فيصل من والده القدوة الأعلى في كل أمور القيادة، وتخرج في مدرسته ليصبح أحد الرجال البارزين في تاريخ المملكة، وهكذا استطاع الفيصل منذ شبابه أن يكون عند حسن ثقة أبيه فيه، حتى لقد كان يقول: ” كنت أود لو رزقني الله مثل الفيصل توأماً “، فكان يوليه بالعديد من المهام الدبلوماسية ممثلاً شخصياً عنه، ولكن ذلك لا يعني بأنّ الملك عبد العزيز كان يفضل الأمير فيصل على بقية أبنائه.
فقد كان الملك عبد العزيز قد ربى أولاده جميعهم تربية دينية وعسكرية وسياسية، واتبع في كل منها الأساليب والوسائل التي جعلت من أولاده رجالاً أقوياء، يتحملون بكل جد متاعب ومشقة المسؤولية في سن صغير، ولم يكن القصر الملكي في عهده إلا جامعة تخرج رجالاً يعملون على رفع بناء هذا الكيان الكبير للدولة، وتوحيد كلمة العرب والمسلمين والعمل على رفع راية الإسلام والدعوة لتصحيح العقيدة.
لقد ظهرت على الأمير فيصل علامات الكفاءة والذكاء منذ بداية حياته، وظهرت عليه عوامل الذكاء، وهو في مراحل شبابه المبكرة، فكان يسابق الزمن في كُبره العقلي وقوة حدسه وتفكيره وكأنه على موعد لتولي المهام والمسؤوليات الصعبة في وقت مبكر من عمره لخدمة بلاده وأمته.
وقد ذكر أحد المعاصرين للأمير فيصل في ذلك الوقت بأنه كان مندهشاً من النجاح الذي حققه الفيصل، وكأنه لم يكن متوقعاً لذلك، حيث يقول: “ولكن الأيام والتجربة أثبتت أن فيصل وليس سعود هو الذي كان امتداداً لوالده، وهو الذي حفظ للدولة، ومن هنا نقّدر بعد نظر الملك عبد العزيز عندما راح منذ هذا الوقت المبكر في إعداد فيصل للدور العظيم الذي ينتظره”.
الأمير فيصل وغزوة ياطب:
شارك الأمير فيصل والده في غزوة ياطب التي وقعت جنوب شرق حائل ضد ابن الرشيد في عام 1336/ 1918 ميلادي، وكان عمره في ذلك الوقت 12 عاماً، كما كانت أولى الغزوات التي شهدها الأمير فيصل في مراحل كفاحه، حيث كانت هذه الغزوة لم تكن في حقيقتها معركة كبيرة، إلا أنها أرعبت العدو وأوقعت خسائر في قواته واضطرته إلى الاختباء وراء أسوار حائل.
كذلك اكتشف الإمام عبد العزيز في ولده الأمير فيصل مواهب حربية كثيرة بعد غزوة ياطب، وكان عبد العزيز على علم بأن فيصل طفل يتمتع بالذكاء الواضح وعبقرية مبتكرة، وأنه يصلح بالفعل لتحمل أعباء الحكم والنهوض بأدق المهمات، فقال: كنا على حق حين أسميناه باسم جده فيصل.