دور الملك عبد العزيز آل سعود في رعاية الأيتام والفقراء

اقرأ في هذا المقال


اهتمام الملك عبد العزيز بالأيتام:

حث الدين الإسلامي على فعل الخير تجاه الأيتام، وجاءت الآيات والأحاديث النبوية العديدة التي تؤكد ذلك وتدعو إليه، فنشير إلى حديث نبوي من السنة المشرفة الذي يحث على رعاية الأيتام وهو: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول صلّ الله عليه وسلم: أنا وكافل اليتيم في الجنة، هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما. وأمام تلك الآيات والأحاديث قام المسلمون بالتنافس على فعل الخير تجاه تلك الفئة الخاصة من المجتمع؛ بهدف كسب الأجر والمثوبة من الله تعالى.

فقد عرف عن الملك عبد العزيز حبه لفعل الخير تجاه الفقراء والمساكين بالشكل العام، قدّم الخير لبعض المحتاجين ممن هم أعلى شأن من أولئك وأقل حاجة منهم، وعرف عنه كذلك اهتمامه برعاية العلم وأهله، وغير ذلك من أنواع العمل الخيري، فلم يكن يغيب عن أنظار الملك عبد العزيز قيامه بمد يده لرعاية من هم بحاجة لعمل الخير والاستمرار عليه، وهم فئة الأيتام ومن شابههم من المستحقين للرعاية الاجتماعية الإسلامية.

فإنّ هذه الفئة كانت من ضمن أعمال الخير المختلفة عند الملك عبد العزيز، والتي يتضح منها كيف شمل الملك رحمه الله هذه الفئة من المجتمع بالرعاية، فقد اعتبرهم قسم من فئات الفقراء والمساكين وذوي الحاجة، فقد كانت هذه الرعاية للأيتام تدخل ضمن دائرة أعمال الخير العامة أو الخاصة التي قدمها الملك عبد العزيز للمحتاجين من أفراد المجتمع، من خلال أمره لهم بالمعطيات أو القواعد المستمرة وما شابهها من أعمال الخير الأخرى.

افتتاح الملك عبد العزيز مدرسة خاصة للأيتام:

في هذه الحديث سنركز على جانب العمل الخيري المنظم والعام الذي قدمه الملك عبد العزيز لهذه الفئة، وهو ما عرف ويعرف بدور الأيتام أو دور الرعاية الاجتماعية، التي يجمع فيها للطالب اليتيم أو من هو في حكمه من المأوى والرعاية والتعليم، وتشير المصادر التاريخية إلى أنّ البداية الحقيقية الرسمية لتلك الأدوار قد بدأت بالفعل بمبادرة خير مباركة من الملك عبد العزيز من خلال قيامه بافتتاح رسمي لمدرسة خاصة، وكذلك فتح بناية خاصة للأيتام تقوم في عملية رعايتهم، فقد قام الملك في الإشراف عليها بنفسه، لتنضم في الوقت نفسه في اتباعها وإدارتها إلى القصر الملكي بالشكل المباشر.

فقد تقوم تلك البناية بعملها جنباً إلى جنب مع المدرسة الخاصة الأخرى التي كان الملك عبد العزيز قد افتتحها في قصره في عام 1354 هجري، فكانت مهمتها تتبلور بتعليم صغار الأمراء وأبناء إخوته في الرياض، وفي عام 1355 هجري تم افتتاح مدرسة دار الأيتام التي تقع في مكة المكرمة، حيث تم افتتاحها من قبل مهدي بك المصلح بأمر وتوجيه من جلالة الملك عبد العزيز، ويقول البغدادي في كتابه القيم عند الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية، عن المصلح أنّه سمي بذلك لأنه نفّذ توصيات الملك في إقامة أول دار الرعاية الاجتماعية.

ويقول البغدادي أيضاً: إنّ القلب الكبير الذي كان يحمله الملك الراحل رحمه الله وعطفه الأبوي على اليتامى من الصغار، الذين فقدوا الحنان الأبوي قد عوضهم وجبر خاطرهم، ووجدوا في رعاية الأب الكبير ما وجد عليهم الرعاية والعناية والعطف والحب والحنان.

ولتشجيع العاملين على تلك الأمور الخيرية، ولرفع معنويات الطلاب اليتامی نام الملك عبد العزيز رحمه الله  بعدد من الزيارات للدار، أشهرها زيارته التي قام بها في عام 1357 هجري، بهدف افتتاح المبنى الجديد الذي تملكته الدار في ذلك الوقت، وانتقلت إليه بدلاً عن الدار الأولى التي تم استئجارها.

وكذلك تم بالزيارة الأخرى التي قام بها الملك في عام 1369 هجري، ليقوم بعملية تفقد الدار من جديد، ولافتتاح الدور الثالث من المبنى الجديد الذي تم إنشائه بعد التملك، وبتوجيهات من الملك عبد العزيز تولى الإشراف على الدار منذ افتتاحها هيئة إدارية تكونت من العديد من كبار المسؤولين، وهم: مهدي بك المصلح، مدير الأمن العام ورئيسة. وعضوية كل من الشيخ: محمد بر الصبان والعقيد علي جميل والأستاذ محمد شطا والأستاذ عبد الوهاب آشي والأستاذ عبد القادر أبو الخير .

واستمرت تلك الهيئة قيامها في عملية الإشراف على أعمال الدار ومدرستها إلى عام 1366 ميلادي، حين تم تعويض مكانها بمجلس إداري آخر برئاسة معالي الشيخ الصبان واللواء علي جميل وثلاثة أعضاء آخرين وقد التحق بالدار عند افتتاحها قرابة 50 طالبة من الأيتام الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة والثانية عشر.

الملك عبد العزيز والاهتمام بالفقراء:

بجانب ما أمر به الملك عبد العزيز من إرسال الهبات والصدقات للمحتاجين في جميع أماكن تواجدهم وعلى مختلف مستوياتهم، فإنّ الشواهد التاريخية تشير كذلك إلى أنه كان يهتم اهتماماً كبيراً بفتح المضافات التي تقدم الطعام للمحتاجين وللضيوف وغيرهم على جميع المستويات.

ونشير هنا إنّ تلك المضافات لم تكن محصورة فقط على ما هو معد في مقر إقامته فحسب، بل إنّ تلك المضافات كانت تفتح في أماكن عديدة من البلاد السعودية لتؤدي مهمات معينة، ومثال ذلك المضافات التي كانت تفتح في بعض البلدان والنواحي لتحمي المحتاجين عند الأزمات في حالة الكوارث والوقائع الطبيعية أو التي تؤيد العديد من الفقراء والأيتام والمحتاجين في بعض الدول أو المضافات في بعض المواسم مثل المضافات التي تفتح في مواسم الحج أو عند ترحال الملك عبد العزيز في نواحي البلاد، وغير ذلك من المضافات.

دلائل تاريخية تشير إلى اهتمام الملك عبد العزيز بفتح المضافات للفقراء:

ومن النماذج التاريخية الأخرى التي تدل على اهتمام الملك عبد العزيز بفتح المضافات للفقراء والبادية في جميع مناطق البلاد، الخطاب الذي قام بتوجيهه إلى أمير الوجه عام 1353 هجري من اللجنة المشرفة على المطعم الملوكي فيها، وما جاء بموجب الخطاب من معلومات عن ذلك المطعم الملوكي العائد لفقراء البلاد والبادية مع المقرر لأولاد المدرسة من البادية.

أما فيما يتعلق بالمضافات الخاصة بالكوارث والنكبات، فقد قام الملك عبد العزيز رحمه الله من نجدة للمدينة المنورة والقرى والبوادي التابعة لها؛ لتخفيف المحنة التي وقعت بهم بسبب القحط الذي أصاب المنطقة في عام 1350 هجري.

فيقول الدكتور عبدالباسط بدر في تاريخه الشامل للمدينة المنورة وصف تلك المحنة التي شبهها بمحنة عام الرمادة: (أصاب منطقة المدينة وغيرها من مناطق الجزيرة العربية قحط شديد في عام 1350 هجري، وضاقت الأمور بالقبائل خارج المدينة فليس لديهم موارد سوى الرعي وبعض الزراعة، وشحت الأمطار ولم تنبت الأعشاب، وظهر الهزال على المواشي وبدأ بعضها ينفق.

فزحفت مجموعات من البادية ومن القبائل المقيمة ما بين الحرمين وغيرهم إلى أطراف المدينة يسألون العون  والمساعدة، وتجمعوا في شمال المسجد النبوي في المنطقة الواقعة ما بين الداودية والعطن، ولم تكن ميزانية الإمارة بتلك الأموال الكافية لتعطي المحتاجين، وتكاثر البدو وأبناء القرى المجاورة في أطراف المدينة يبدو عليهم الشحوب والتعب.


شارك المقالة: