كيف ظهرت الدولة السعودية الأولى؟

اقرأ في هذا المقال


 الحركة السلفية (الوهابية):

لقد ذكرنا في السابق أن بلاد نجد قد شهدت حالة من انتشار البدع والخرافات بحكم الحياة التقليدية وقلة أو انعدام التعليم، حيث اعتنق السكان مذهب أحمد بن حنبل في الأحكام والشريعة، وظهر العديد من العلماء النجديين مثل سليمان بن علي التميمي، الذي تولى الفتوى في نجد ودرس التفسير والحديث، وأيضاً ظهر الشيخ عبد الوهاب وتولى القضاء في العارض وكتب عدة رسائل في الفقه والتفسير وكانت ولادة محمد نجله عام ۱۷۰۳ في العينية بوادي حنيفة أو حرملة كما قال البعض، فنشأ على تعلم وقراءة القرآن الكريم ورحل من أجل الدراسة إلى الحجاز والإحساء والبصرة على أيدي أساتذه عبد الله إبراهيم آل سيف ومحمد السندي وترعرع على دراسة مذهب أحمد بن حنبل.

وكانت أكثر إقامة محمد بن عبد الوهاب في البصرة حين قرأ في اللغة والحديث ودعا للتوحيد من هناك، ولكنه خرج من البصرة إلى الزبير وعاد إلى نجد وأقام مع والده في حرملة ليبدأ ببث دعوة التوحيد والوحدانية لله فحسب، ورغم ظهور المعارضة لهذه الدعوة فقد انتشرت دعوته تدريجياً بين حرملة والعينية والدرعية والرياض ومنفوحة وازداد مناصروه ومعارضوه في آن واحد.

كان حاكم العينية عثمان بن معمر من ناصريه حيث دعمه في نشر دعوة التوحيد، فدعا إلى هذه القِباب وعدم تقديس القبور، ووافقه الأمير ابن معمر على ذلك، ودعا الناس إلى الرجوع للشرع والقرآن الكريم قبل أي شيء، وضرب الزانية ورجمهما أمام الناس وأمام ضغوط البعض من المعارضين لهذه الدعوة انتقال محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية وعمره آنذاك حوالي الأربعين.

وقام في المكوث عند أحد تلاميذه وهو أحمد بن سويلم فازداد أنصاره وأتباعه، ولقي دعماً من أمير الدرعية محمد بن سعود، وتم العقد بين الرجلين على أساس المصلح والأمير (المذهب والسيف) وتعهد محمد بن سعود بنشر دین التوحيد في البلاد العربية وتعهد ابن عبد الوهاب بأن يقيم في الدرعية وينشر دعونا فيها.

ظهور الدولة السعودية الأولى (1745-1818):

يقسم تاريخ آل سعود إلى ثلاث مراحل أو فترات تاريخية، سميت الدولة السعودية الأولى والدول السعودية الثانية (1822-1891) والدول السعودية الثالثة (1902 – حتى الوقت الحاضر) والتي نشأت على يد الملك عبد العزيز آل سعود باسم (المملكة العربية السعودية) عام 1933 ميلادي.

يعود نسب أسرة آل سعود إلى ربيعة القبيلة العربية التي تمتد بين دولة العراق وبلاد نجد وفي بلاد الشام ويرجع نسب آل سعود إلى جدهم الأعلى مانع بن المسيب الملقب بالمريدي إحدى قبائل عنيزة وقد سكن المربدي بلدة الدروع في القطيف وتصاهر مع قبائل وعشائر أخرى في حجر واليمامة والجرعة،وفي عام 1441 ميلادي منح المليييد وعصيبة قرب الدرعية ليستقر بها مانع المريدي وأصبحت أرضاً للأسرة.

اتسعت دائرة أسرته وأولاده بحيث استولى على مناطق أخرى وتحولت الأسرة إلى إمارة مستقلة ووصل الحكم في الأسرة إلى الأمير مقرن بن مرخان الذي اختار الدرعية عاصمة له عام 1983 ميلادي، وظلت هكذا إلى عهد حفيده محمد بن سعود 1725-1795 حيث بدأ عهد الدولة السعودية الأولى والتي تشهد تطوراً جديداً في تاريخ شبه الجزيرة العربية الحديث والمعاصر.

ظهر في تلك الفترة الشيخ محمد عبد الوهاب في العينية، صاحب دعوة الإصلاح الدينية لمحاربة البدع والتقاليد القديمة، فكانت دعوته إسلامية إصلاحية قامت على أفكار ابن تيمية في القرن السابع عشر الهجري الثالث عشر الميلادي والقرن الذي تلاه فأنكر كل شيء يتنافي مع القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، وكل ما يشار إلى الغلو في حب الأنبياء والأولياء والصلاة عند القبور والتبرك بالأنبياء والصحابة وتسير وحل مشكلات الحياة اليومية فكان تأثر الشيخ محمد بن عبد الوهاب واضحاً وجلياً بابن تيمية بل إنّ دعوته في الحقيقة هي امتداد الدعوة ابن تيمية، لأنها تحمل نفس الأفكار والقيم.

كان ذلك على أساس الرجوع للكتاب الشريف والسنة النبوية المطهرة والقياس والإجماع، فقامت دعوة ابن عبد الوهاب على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وتطابق مع ما كتبه ابن تيمية من كتب ورسائل في أغلب الأحيان. وقد أكمل ابن عبد الوهاب دعوته بعد وفاة والده عام 1740، وقد واجه العديد من الخصوم من رجال الدين وخاصة سليمان بن سحيم وأبيه اللذين عارضا دعوة التوحيد وحرضوا الناس ضد دعاة ابن عبد الوهاب.

وأخذ الأخير ينتقل من حرملة إلى العينية والدرعية ثم الرياض حيث دخل الكثير من الأتباع ونشر كتابه التوحيد الذي هو حق الله على العبيد وقد أطلق على الدعوة اسم (الدعوة الوهابية) أو (الدعوة السلفية) في حين حبذ أصحاب الدعوة أن يسموا الحنابلة أو الموحدين أو السلفيين. ومن مرحلة الدرعية التي ذكرناها سابقاً والتقارب بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود، فكان الاتفاق بداية عهد جديد للدعوة الوهابية السلفية عام 1745، حيث وصلت الوفود من الإمارات والقبائل في المنطقة إلى الدرعية التي أصبحت هي وحاكمها ابن سعود مؤمنين بالوهابية فأصبحت الدرعية عاصمة سياسية ودينية في نفس الوقت.

 سرد تسلسل مراحل ظهور الدولة السعودية الأولى:

انتقلت إمارة الدرعية إلى مرحلة المواجهة المباشرة مع الإمارات والقوى القبيلية الأخرى، فكانت مرحلة حروب التأسيس مع زيادة إنتشار نفوذ آل سعود في نجد حيث استطاعت الدولة الدينية السياسية أن تدخل القرية والمدينة والإقليم تلو الآخر سلماً أو حرياً في بلاد نجد، وكانت المواجهة في دهام بن دواس الذي كان حليفاً لابن سعود أول الأمر لكنه انقلب عليه ولما کشف أمره حاول طلب العفو من الشيخ ابن عبد الوهاب وابن سعود، وقتل عام 1749، على أيدي جماعة من أهل بلدته.

تولى بالعوض عنه إمارة العينية سلطان بن محسن العمري، فنجحت الدرعية في القضاء على آل ماسمر وضمان عدم استعمارية العينية لها وأخذت سلطان بن محسن المعمري أسيراً لها. أمّا حرملة فقد كانت من بلدان العارض التي حضعت للدرعية ولكنها عادت في التحالف وبإيعاز من القاضي سليمان بن عبد الوهاب أخ ابن عبد الوهاب الذي حرض أهل جرسلة في نقض العهد مع دولة الدرعية الجديدة.

فأخرجوا من البلدة كل من ولف مع الدعوة والإمارة، حيث التحقوا بالدرعية ثم تقدمت الدرعية ضد حرملة من أجل إلحاقها بالإمارة، وأرسل الأمير محمد بن سعود جيشاً بقيادة نجله عبد العزيز الذي استولى على حرملة، ووضع عليها أميراً هو مبارك بن عدوان، وألحقت الدرعية هزيمة أخرى على نفس الاتجاه بتحالف أمیر الرياض وآخرين معه ضد حرملة، وقضت بذلك الدرعية على هذا الحلف عام 1700ميلادي.

إلا أنّ أمير حريملة مبارك بن عدوان نسي بسرعة موقف الدرعية معه، ووقف ضدها وتم عزله من إمارة حرملة وتعيين آخر بدلاً عنه، فأنضم ابن عدوان إلى حلف أهل المجمعة وسدير والوشم وثرمدا، وشكلوا جيشاً كبيراً ولكن الدرعية واجهتهم وأنهت خططهم وطاردت این عدوان حتى توفي عام 1790 ميلادي وانتصرت الدرعية من جديد، بل أن هذا الانتصار لحقت به جولات أخرى للدرعية في العارض وفي بلدان العمارية والقويعية والحوطة والمحمل وثادق والقصب والفرعة وثرمداء حيث دخلوا في ولاء وطاعة آل سعود بعد أن خاضت الدرعية حرباً بعد أخرى لكي تنتصر عليهم.

ثم استمرت الصراعات مع الدرعية، ففي الرياض التي استمرت في صراعها مع الدرعية، بحكم منافسة دهام بن دواس حاکم الرياض، الجهود في عهد الأمير محمد بن سعود، فقد خشي ابن دواس انهيار سلطنه أمام توسع نفوذ الدرعية على حساب باقي الإمارات، مع هجرة الكثير من أهل الرياض ممن دخلوا بالدعوة السلفية، وانتشارها في عدة مدن في بلاد نجد وفي عام 1795 ميلادي ولي الأمير محمد بن سعود لكي يقوي ابن دواس في صراعه مع الدرعية، واشتبكت القوتان ولكن الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود أمير الدرعية الجديد استطاع وقف طموحات ابن دواس والقضاء عليه وتقدم إلى الرياض عام 1273 وانتهى القتال باستلام ابن دواس وأتباعه بعد قتال طويل امتد لعدة سنوات.

وقد عدى ابن سعود في منطقة الإحساء منطقة مهمة وخاصة بعد أن لجأت إليها بعض قبائل نجد فأرادوا أن يؤدبوهم، كما أن هذه المنطقة تعد ذات أهمية اقتصادية وسياسية في الوقت نفسه؛ وذلك بسبب موقعها المطل على الساحل الشرقي، لذلك فبعد أن أخضع آل سعود مناطق نجد، توجهت أنظارهم إلى الإحساء التي يسيطر عليها بنو خالد فنشطت المواجهة بين الطرفين وخاصة بعد وفاة الأمير عريعر بن دوجن، دخل بنو خالد في صراع مع آل سعود في الربع الأخير من القرن الثامن عشر في عهد علي بن محمد بن براك.

عندما قام في أرسل أحد أقاربه إلى الحج وذلك عن طريق البحرين وقطر وفي أثناء ذلك قامت الحجاز في مهاجمته قبائل المغير واستولت على بضائعه وقتلت عدداً من الحجاج والأعيان من الإحساء، ثم تبعه ذلك تدخل آل سعود في الصراع على الحكم في قبيلة بني خالد بن سعدون بن محمد وأولاده من بعده وزعيم بني خالد علي بن محمد، فدعم آل سعود بعض الرجال الذين يسعون للزعامة وساندوا الكثير في عهد سليمان بن محمد بن براكن حيث نشطت الدعوة السلفية في نجد.

وأرسل الأمير إلى أحمد بن معمر صاحب العينية يقوم في الطلب منه بطرد ابن عبد الوهاب وأتباعه من بلاده، وأن ينهي حركته وهدده، فتخوف ابن معمر وطلب من ابن عبد الوهاب ترك العينية لأنه لا يستطيع أن يواجه زعیم بني خالد فانسحب ابن عبد الوهاب وأتباعه إلى الدرعية، وبدأت بوادر الضعف في الإحساء وكان السبب رد سليمان بن محمد 1752 ميلادي من الإحساء إلى نجد بسبب الصراع على الحكم،  حيث تم استغلال الصراع بينهم والتدخل وإضعاف نفوذهم في الإحساء.


شارك المقالة: