الترابط بين المادية التاريخية والعلوم الاجتماعية الأخرى

اقرأ في هذا المقال


إن المادية التاريخية جزء لا يتجزأ عن الفلسفة الماركسية، ومع ذلك فإن لها موضوع بحثها الخاص بها، ففي حين تبحث المادية الديالكتيكية علاقة التفكير بالوجود، وتجيب عن الأسئلة التي تتعلق بتعريف العالم والقوانين العامة للحركة والتطور التي تفعل مفعولها في هذا العالم، فإن المادية التاريخية تحل نفس هذه المسائل بتطبيقها على المجتمع بكونه جزءاً خاصاً من العالم المادي.

الترابط بين المادية التاريخية والعلوم الاجتماعية الأخرى

إن المادية التاريخية هي ليست فلسفة التاريخ في المعنى القديم للكلمة، لقد حاول الفكر الاجتماعي ما قبل الماركسية، على غرار الفلسفة الطبيعية، أن ينشأ فلسفة التاريخ، أي أن يكتب تعاليم حول المسيرة التاريخية لا تعتمد على الدراسة الدقيقة للتطور الاجتماعي، إنما تستند إلى آراء فلسفية مجردة.

انطلق العديد من علماء الاجتماع في فرضياتهم العلمية من التشخيص المجرد للمجتمع، دون أن يدرسوا التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية العينية، كان فلاديمير لينين يسخر من علماء الاجتماع هؤلاء وأمثالهم في مؤلفه الشهير، من هم أصدقاء الشعب، وكيف يناضلون ضد الاشتراكيين الديمقراطيين، فكتب يقول أن الشروع في صياغة النظرية من طرح الأسئلة عن ما هو التقدم؟ وغيرها كما فعل العالم هربرت سبنسر، على سبيل المثال، يعني الشروع من النهاية، ووضع لينين كارل ماركس على طرف نقيض من هؤلاء علماء الاجتماع، ﻷنه درس تطور تشكيلة اجتماعية واقتصادية عينية، تشكيلة الرأسمالية، وركز على الأحكام الأساسية للمفهوم المادي للتاريخ ودعمها علمياً بالحجج والبراهين، لم يكن هذا المفهوم المادي للتاريخ قبل ماركس سوى فرضية من الفرضيات.

هل الماركسية لا تعترف بمفهوم المجتمع بشكل عام وقوانين تطوره العامة

وهكذا نجد أن كلاسيكي الماركسية اللينينية ركزوا على ضرورة الشروع ببحث قوانين تطور المجتمع من دراسة التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية العينية، ولكن هل يعني ذلك أن الماركسية لا تعترف بمفهوم المجتمع بشكل عام وقوانين تطوره العامة؟ طبعاً لا، إنها تعترف بالمجتمع وقوانين تطوره العامة لتطور المجتمع وبين السؤال: ما هو هذا العلم؟

كيف جرى اكتشاف قوانين الديالكتيك في تطور الاجتماع

بدأ الناس من إدراك بعض الأشكال العينية للحركة وقوانينها، ومن ثم توصلوا إلى اكتشاف القوانين العامة، طبعاً ليس هناك مادة بشكل عام خارج الأجسام العينية، كما ليس هناك حركة بشكل عام خارج أشكالها العينية، حيث أن هذه الحقيقة لا تعني أن نشخيص الديالكتيك باعتباره علماً عن القوانين العامة لتطور الطبيعة والمجتمع والتفكير البشري غير ك مشروع.

والقوانين العامة لتطور المجتمع كذلك لا تفعل مفعولها بصورة مجردة دون أن تبرز في إحداث تاريخية لهذه التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية، ليس هناك مجتمع بشكل عام خارج التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية العينية، حيث أن هذه الحقيقة لا تعني أن علم المجتمع البشري وقوانين تطوره العامة ليس له الحق في الوجود، وليست المهمة إلا مهمة الإدراك السليم لهذه القوانين وتفسيرها، ليس بصورة مجردة انطلاقاً من تعاليم هربرت سبنسر، إنما تفسيرها دون فصلها عن أشكال بروزها العينية.

وإن مفهوم القانون ومفهوم سنن الطبيعة معنى واحد، وإذا راجعنا استعمال هذين المفهومين بصورة دقيقة في مؤلفات كلاسيكي الماركسية اللينينية نجد أن هؤلاء الكلاسيكيين لم يميزوا بينهما تمييزاً شديداً، فقد أكد فلاديمير، مثلا إن فكرة السببية والضرورية وسنة الطبيعة وغيرها هي انعكاس قوانين الطبيعة والعالم الواقعي في رأس الإنسان، وهكذا نجد فلاديمير لينين لم يميز تمييزاً شديداً بين مفهومي السنن الطبيعية والقانون، واعتبر أن القوانين ومفاهيم العلم شكل من أشكال انعكاس السنن الطبيعة المتحركة والمتطورة في معرفة الإنسان.

الفرق بين مفهومي السنن الطبيعية والقانون في تطور المجتمع

إن الفرق الوحيد بين المفهومين السنن الطبيعية والقانون هو كالفرق بين العام والخاص، فالسنن الطبيعية تشير إلى الصفة العامة للعملية التي هي ليست مجموعة فوضوية من الصدف، إنما تخضع إلى تتابع حتمي ونظام معين لا يتوقف على إرادة الإنسان ووعية، وأما القانون فهو يعكس الرابطة العينية بين ظواهر منفردة، في وسعنا أن نعرف أو نفترض أن ظاهرة من الظواهر تحدث بصفة طبيعية وليست صدفة، بحيث أنه ينبغي علينا أن نكتشف القانون العيني الذي تخضع له هذه الظاهرة.

التمييز بين قوانين العلم وقوانين العالم الواقعي عند فلاديمير لينين

كان فلاديمير لينين في آن واحد يميز تمييزاً دقيقاً بين قوانين العلم وقوانين العالم الواقعي، فاعتبر قوانين العلم انعكاساً دقيقاً بشكل تقريبي لقوانين العالم الواقعي، لقوانين الطبيعة والمجتمع ولقوانين العلم هوية موضوعية واحدة، ولكن مغزاها يختلف، فمغزى قوانين العالم الواقعي في أنها موجودة خارج وعي الناس ومستقلة عنه، بينما مغزى قوانين العلم في أنها تعكس بشكل دقيق قوانين العالم الواقعي في وعي الإنسان بصورة موضوعية.


شارك المقالة: