التعارض بين التقليد والحداثة في علم الاجتماع:
يقوم عالم الاجتماع إذن باستخدام تبويبات يعارض فيها بين المجتمعات التقليدية والحديثية، فعند توكفيل هناك معرضة بين الارستقراطية والديموقراطية، وعند تونيز الذي يقوم على التضامن العضوي، ويميز ماركس المجتمع الإقطاعي عن الرأسمالي، وإذا كانت هذه التبويبات بعيدة عن أن تتقاطع بالكامل، فإنّنا نجد مع معظمها أزواجاً من التعارضات تسمح بتأليف صورة نمطية مثالية للحداثة مقارنة مع المجتمعات التقليدية، تتعارض هرمية المجتمعات التقليدية مع نزعة المساواة الحديثة، والتقاليد مع العقلانية، والدين مع العلم، والقسر مع الحرية، وكلية المجتمعات التقليدية مع النزعة الفردية للحداثة.
وبدءاً من هنا يفضل كل باحث حدثاً مولّداً يحاول بفضله أن يفسر مجمل التغيرات الاجتماعية المشاهدة، بالنسبة لتوكفيل فإنّ المطالبة بالمساواة في الظروف تهيء أفضل مردود لأغلبيات التحولات، فهي تقود الأفراد إلى البحث عن السعادة، لكن قد تؤدّي أيضاً إلى الفوضى كما إلى الاستبداد، وتكون مشكلة الديمقراطية إذن في التوفيق بين المساواة والحرية.
ويجعل دور كايم من انطلاقة النزعة الفردية ظاهرة كبرى للحداثة، فمع تزايد السكان يتم تجزئة العمل بشكل متزايد، ممّا يشجع على تمايز اجتماعي شديد، لدرجة أن الشرط البشري ينتهي بأن يصبح العنصر الوحيد المشترك لمجموع أعضاء المجتمع، إنّ عبادة الفرد التي تتجسد في احترام حقوق الإنسان، تصبح الملاط الاجتماعي الوحيد للحداثة.
وتبعاً لزيمل هناك ظاهرتان متكاملتان تدعمان عملية التحول الفردي هذه، فمن جهة أولى هناك الاستخدام المعمم للنقود الذي يسمح بمضاعفة الروابط بين الأفراد المتباعدين، لكن باقتصار كل واحد على التزامات مجردة من العلاقة الشخصية، ومن جهة أخرى، هناك تطور المدن الكبرى الذي يحرر أعضاء المجتمع من السيطرة الاجتماعية الضيقة التي كانت تمارس ضمن إطار القرية، تتلاقى هاتان العمليتان لتتركا لكل فرد هامشاً من الاستقلالية أوسع، فالأدوار الاجتماعية ليست مقدرة منذ الولادة، إنّما يتم اختيارها بحرية في سياق الحياة.
أمّا ماركس فقد جعل من لعبة ديالكتيك القوى المنتجة والصراع الطبقي محركاً للتغيير الاجتماعي، ﻷنّه بسبب أنّ القوى المنتجة تصبح أضخم من أن تبقى محبوسة ضمن علاقات الإنتاج القديمة، تحدث الثورات، كما يعترض ماكس فيبر على هذه القراءة المادية للتاريخ، ويأخذ عليها صفتها وحيدة الجانب المبالغ بها، وهو يعاود تقييم دور القيم الدينية في ظهور الحضارة الحديثة من خلال تبيانه كيف استطاع سلوك الكالفاني، الزاهد في الحياة، أن يساهم في صياغة نمط حياة رأسمالية معين، وبشكل أكثر عمومية فإنّه يرى في عملية عقلنة مجمل الأنشطة الاجتماعية.