التعدد في منطق الفعل في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


التعدد في منطق الفعل في علم الاجتماع:

منذ أكثر من عشر سنوات أصبح منطق الفعل مفهوماً مألوفاً في القاموس السوسيولوجي الفرنسي، وعلى الرغم من كونه حاملاً لقراءات عديدة، فإنّ استخدام التعبير يطمح إلى تجاوز المقاربتين وحيدتي البعد للفعل الاجتماعي، وهما التقاليد القائلة بالحتمية، والمقاربة القائلة بالعقلانية.

المقاربة الأولى تطرح من أجل تفسير الأفعال الاجتماعية كعمليات الاستهلاك، الخيارات الدراسية والممارسات الثقافية، عن طريق العوامل الموضوعية كالعنوسة وطبقة الانتماء الاجتماعي، التي لا يملك الأفراد المعنيون وعياً حقيقياً بها، في هذه الحالة يعود إلى عالم الاجتماع إيضاح الدوافع الحقيقية التي تحكم طرق تصرف الفرد وتفكيره، بعيداً عن الأسباب التي يعلنها.

المقاربة الثانية مستلهمة بشكل مباشر من التيار النفعي، وتولي اهتمامها شطر الفاعل، يقوم الأفراد بمحاكمات عقلية ويحسبون ويتشاورون ويقيمون الوسائل التي عليهم استخدامها من أجل بلوغ غاية، هذا الحساب الواعي هو الذي يفسر فعلهم، وسواء أتعلق الأمر بالتصويت أو بحسم أمرهم بخصوص خيار في التوجه، أو اتخاذ قرار بخصوص الشراء أو إنجاب طفل.

فالقرار يخضع إلى مبدأ العقلانية البسيطة ووحيدة الدلالة، يوازن الفرد تكاليف وميزات التصرف بهذا  الشكل أو ذاك، هذا التعارض بين نموذجي التفسير هو بالتأكيد أكثر تبسيطاً من أن يفهم بالضبط التلونات في النظريات السوسيولوجية بين أمس واليوم، وهي مع ذلك تؤخذ بالحسبان من قبل الذين يرغبون هاتين المقاربتين.

وفي الواقع إنّ محاولة تجاوز نموذجي التفسير ليست جديدة بالكامل، ففي كتاب الاقتصاد والمجتمع 1922، ميّز ماكس فيبر مثلاً، أربعة أشكال للفعل الاجتماعي، الشكل التقليدي والوجداني أو الانفعالي، والعقلاني من جهة القيمة، والعقلاني من جهة الغائية، وفي كتاب بحث في السوسيولوجيا العامة (1916)، اقترح فيلفردو باريتو وجود معارضة بين الفعل المنطقي، والفعل غير المنطقي.

وبهذا الشكل أراد هذان المؤسّسان للعلوم الاجتماعية، الإشارة إلى أنّ الأفعال العقلانية (بمعنى أن تحشد الوسائل المناسبة لبلوغ الهدف) لا تشكل سوى حالة خاصة من تنوع السلوكيات الاجتماعية، إنّ علماء الاجتماع الذين يطرحون “منطق الفعل” يندرجون في هذه السلالة، وتجمع بينهم الرغبة بإظهار أنّ الفاعل، في كل فعل اجتماعي، يرجع دوماً إلى أشكال عديدة من المنطق، أي إلى غائيات وطرق تدخل عديدة، تقترن مع بعضها البعض.


شارك المقالة: