الجريمة بين الاستقرار السلوكي وتغيره

اقرأ في هذا المقال


العدوان كلمة نستخدمها كل يوم لوصف سلوك الآخرين وربما سلوكنا، ونقول إنّ الناس يكونون عدوانيين إذا صرخوا في وجه بعضهم البعض أو ضربوا بعضهم البعض، وتعد سمة الشخصية المستقرة التي تتبنى سلوكيات ثابتة عبر مسار الحياة، ولذلك يمكن قياس التورط الإجرامي بالاستقرار السلوكي من حيث أنّ ممارسة العنف بشكل متكرر عبر مسار الحياة يتنبأ بالجريمة والعكس صحيح، كما أنّ استقرار السلوك الإجرامي بممارسة السلوكات العدوانية بشكل متكرر بنفس الدرجة عبر العمر، والذي يمكن تفسيره من خلال نظرية ضبط النفس لجوتفريدسون وهيرشي ونظرية سامبسون على العمر للتحكم الاجتماعي غير الرسمي؛ وذلك بحجة أنّ التورط الإجرامي يبلغ ذروته خلال فترة المراهقة المتأخرة أو مرحلة البلوغ المبكرة.

أنواع الاستقرار السلوكي والجريمة العمرية

إنّ حقيقة وجود منحنيين للجريمة العمرية هي نتيجة جديدة نوعًا ما والسؤال المنطقي التالي هو ما إذا كان هذان المنحنيان العمريان والجريمة مترابطان أم أنّهما مختلفان عن بعضهما البعض، وقبل معالجة هذه المشكلة من الضروري أولاً تحديد ما إذا كان السلوك مستقرًا وما المقصود بالاستقرار السلوكي، وبشكل عام هناك نوعان من الاستقرار:

1- الاستقرار المطلق.

2- الاستقرار النسبي.

الجريمة والاستقرار السلوكي المطلق

من الأسهل توضيح التمييز بين هذه الأنواع المختلفة من الاستقرار من خلال تقديم مثال، ولنفترض أنّه تم فحص مجموعة من الأطفال عندما كان عمرهم 10 أشهر، ومرة ​​أخرى عندما كان عمرهم 18 شهرًا ومرة ​​أخرى عندما كان عمرهم 24 شهرًا، وافترض أيضًا أنّه في كل من هذه الأعمار الثلاثة تم منحهم درجة عدوانية (بناءً على مقياس صالح للعدوانية) تتراوح من 0 إلى 10 مع درجات أعلى تمثل المزيد من العدوانية.

من أجل الحفاظ على الاستقرار المطلق يجب أن تظل الدرجات لكل شخص كما هي في كل عمر، وعلى سبيل المثال إذا حصل الطفل على درجة 3 على مقياس العدوانية في سن 10 أشهر، ويجب أن يحصل هذا الطفل أيضًا على درجة 3 على المقياس في سن 18 شهرًا، ويجب أيضًا أن يحصل على درجة 3 في العمر 24 شهرا، وأي تغيير في قيمة مقياس العدوان عبر الوقت من شأنه أن يقلل من الاستقرار المطلق، ونادرًا ما يتم ملاحظة الاستقرار المطلق التام، حيث يحصل كل فرد على نفس الدرجة في كل عمر في العلوم الاجتماعية، ومع ذلك من الممكن الاقتراب من الاستقرار المطلق التام في بعض الحالات، والاستقرار المطلق باختصار يقيس الدرجة التي حصل عليها الأشخاص متطابقة في بعض المقاييس بمرور الوقت.

الجريمة والاستقرار السلوكي النسبي

على النقيض من ذلك يقارن الاستقرار النسبي بين جميع الأشخاص الذين يتم تقييمهم (على مقياس العدوان في هذا المثال) ويقوم بترتيبهم، ولذلك على سبيل المثال افترض أنّ هناك ثلاثة أطفال تم منحهم مرة أخرى درجة العدوانية (مرة أخرى بناءً على مقياس صالح للعدوانية) عندما كان عمرهم 10 أشهر و 18 شهرًا و 24 شهرًا، وفي كل عمر سيكون من الممكن ترتيب هؤلاء الأطفال الثلاثة، حيث يتم تصنيف أحد الأطفال على أنّه الأكثر عدوانية، ويتم تصنيف طفل آخر على أنّه ثاني أكثر الأطفال عدوانية ويتم تصنيف الأخير على أنّه الأقل عدوانية (أو الثالث الأكثر عدوانية).

يتحقق الاستقرار النسبي عندما لا يتغير ترتيب الأفراد بمرور الوقت، وفي المثال الحالي الطفل الأكثر عدوانية في عمر 10 أشهر سيكون أيضًا الطفل الأكثر عدوانية في سن 18 شهرًا، وسيكون أيضًا الطفل الأكثر عدوانية في عمر 24 شهرًا، ومع الاستقرار النسبي إذن التغيير ممكن على المستوى المطلق طالما أنّ تعليمات الترتيب يبقى كما هو، وفي الواقع نادرًا ما يتحقق الاستقرار النسبي المثالي هذا إن حدث؛ لأنّه عادة ما يكون هناك بعض التغيير على الأقل في تعليمات الترتيب الأفراد.

العمر والاستقرار المطلق والنسبي للسلوك العدواني

يعد التمييز بين الاستقرار المطلق والاستقرار النسبي أمرًا بالغ الأهمية خاصةً عندما يقوم المرء بفحص السلوكيات على مدار الحياة، وبعد كل شيء يختلف تكرار استخدام العدوانية بشكل كبير عبر مراحل مختلفة من مسار الحياة، ومجرد استخدام شخص ما للعدوانية على أساس يومي في سن 18 شهرًا لا يعني بالضرورة أنّه سيستخدم العدوانية أيضًا في على أساس يومي في سن 35 (استقرار مطلق)، ومع ذلك فإنّه سؤال مختلف تمامًا أن نسأل ما إذا كان الطفل الأكثر عدوانية البالغ من العمر 18 شهرًا سينضج إلى أكثر من يبلغ من العمر 20 عامًا (الاستقرار النسبي).

في هذه الحالة قد يستخدم الطفل البالغ من العمر 18 شهرًا العدوانية يوميًا، مما يجعله طفلًا شديد العدوانية، وكشخص بالغ قد لا يستخدم هذا الشخص العدوان بشكل متكرر وبدلاً من ذلك قد يلجأ إلى العدوان مرتين في الشهر، وإذا كان هذا هو الحال فعندئذٍ كشخص بالغ سيظل هذا الشخص في مرتبة قريبة من الطرف الأعلى من طيف العدوان، ومن الواضح أنّ استخدامه للعدوان قد انخفض بشكل ملحوظ من منظور الاستقرار المطلق، ولكن من منظور الاستقرار النسبي يظل هذا الشخص أحد أكثر الأشخاص عدوانية عند مقارنته بالبالغين الآخرين.

من وجهة نظر تنموية من المنطقي أكثر التحدث من حيث الاستقرار النسبي عندما يدرس المرء استقرار السلوك بمرور الوقت، ونتيجة لذلك عندما يتحدث علماء الإجرام عن الاستقرار فإنّهم يشيرون إلى الاستقرار النسبي وليس الاستقرار المطلق وهنا يجب أن يكون الاستقرار النسبي معادلاً للاستقرار النسبي.

الجريمة وثبات السلوك العدواني

لوحظ من خلال مجموعة من الدراسات التي قامت بها مجموعة كبيرة من الباحثين بفحص استقرار السلوكيات المعادية للمجتمع بما في ذلك العدوان العنيف على مدى فترات طويلة من مسار الحياة، بأنّ هناك مستويات عالية للغاية من الاستقرار النسبي في السلوكيات العدوانية، وكانت النتائج متسقة بشكل ملحوظ عبر العينات والأجيال والبلدان وبغض النظر عن العينة التي تم تحليلها والتقنيات المنهجية المستخدمة، وفي مقال كلاسيكي استعرض دان أولويوس الدراسات التي درست استقرار السلوك العدواني مع مرور الوقت، ووجد أنّ العدوان كان مستقرًا للغاية حتى أكثر من درجات معدل الذكاء.

دعمت النتائج المستخلصة من المراجعات الحديثة المقالة الأصلية لأولويوس من خلال إظهار أنّ السلوكيات العدوانية والعنيفة مستقرة للغاية عبر فترات طويلة من مسار الحياة، وعلاوة على ذلك فإنّ الأشخاص الذين يتمتعون بأعلى درجات الاستقرار هم أولئك الذين يسجلون درجات عالية جدًا أو منخفضة للغاية في العدوانية، وبمعنى آخر من المرجح أن يتم تصنيف الأشخاص الأكثر عدوانية (أو الأقل عدوانية) في وقت ما على أنهم الأكثر عدوانية (أو الأقل عدوانية) في وقت آخر، وبعبارة أخرى التغيير غير مرجح إلى حد كبير، وبوجود هذه المعلومات في متناول اليد ربما لا يكون مفاجئًا للغاية معرفة أنّ أحد أفضل المتنبئين للسلوك الإجرامي في المستقبل هو تاريخ من السلوك العدواني في الطفولة والمراهقة.


شارك المقالة: