الجماعات القرايبة في الأسرة النووية من منظور الأنثروبولوجيا الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


في هذا المقال سنتحدث عن الجماعات القرابية في الأسرة النووية من منظور الأنثروبولوجيا الاجتماعية.

الجماعات القرابية في الأسرة النووية من منظور الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

لقد أجمعت التعريفات في الأنثروبولوجيا الاجتماعية على اعتبار الأسرة النووية جماعة اجتماعية تتكون من الزوج والزوجة والأطفال الصغار الذين يكونون بمجموعهم كيان مستقل عن كافة المجتمع. وتختص بأربعة وظائف هامة وأساسية لاستمرار الحياة الإنسانية هي: الوظيفة الاقتصادية والتناسلية والتربوية.

وإذا نظرنا إلى هذا التعريف نجده يتطابق مع النمط الأسري حالياً في المدينة.  فالأسرة الأسوانية في الجيل الأخير تتكون من الزوج والزوجة والأطفال الذين يكونون وحدة مستقلة مكانياً (مسكن خاص بهم) واقتصادياً يسود بينهم التعاون ومبدأ تقسيم العمل بين الزوج والزوجة كلاً حسب قدراته الفيزيقية. فالرجل يختص بالعمل الخارجي لتوفير احتياجات أسرته والزوجة تقوم بتربية أطفالها والقيام بالأعمال المنزلية الأخرى.

والبعض الآخر من الزوجات يقمن بجانب دورهن الأساسي في المنزل بالخروج للعمل بالوظائف الحكومية والتدريس لكي تساعد بمرتبها الذي تحصل عليه لزيادة دخل الأسرة لتحقيق حياة أفضل للأبناء الذين يدخلون المدارس، والإشراف عليهم وتوجيههم بمساعدتهم في الانتقال من مرحلة تعليمية إلى أخرى حتى يصلوا إلى التعليم الجامعي.

بعدها يبدأ الشاب أو الشابة استقلاله الاقتصادي والاعتماد على نفسه. بالإضافة إلى ذلك تقوم الأسرة بالوظيفة التناسلية والتكاثر كذلك تقوم بدورها التوجيهي والتربوي للأبناء ومساعدتهم في كيفية الاعتماد على النفس في تحديد مستقبلهم عن طريق الإشراف عليهم في اختيار نوع الدراسة التي يفضلونها والتي تتلاءم مع قدراتهم العقلية، ومن يفشل من الأبناء في استكمال دراسته تساعده الأسرة بتوجيهه إلى العمل الحرفي المناسب له.

العلاقات المتميزة داخل الأسرة النووية من منظور الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

تسود داخل الأسرة النووية ثمانية علاقات متميزة بين أعضائها من منظور الأنثروبولوجيا الاجتماعية تساهم على تماسك وحدة هذه الجماعة واستمرارها لتحقيق وظائفها وهي كتالي:

1- علاقة الزوج والزوجة: تتسم العلاقة بين الزوج والزوجة في المدينة بالتعاون مع مبدأ تقسيم العمل والمسؤولية المتساوية باعتبارهما العضوان الرئيسيان في هذه الجماعة. وتقوم الزوجة بتربية الأبناء وتوفير كافة احتياجات الأسرة (إذا كانت زوجة غير عاملة) داخل المنزل. والبعض الآخر يقمن بدورين: الأول داخل المنزل ويتشابه مع دور الزوجة غير العاملة، والدور الثاني يمثل خروجها للعمل والمساعدة بدخلها الذي تحصل عليه في رفع مستوى المعيشة مع دخل الزوج.

2- علاقة الأب والابن: في المدينة تتسم علاقة الأب والابن قديماً بالاحترام والطاعة في جميع الأمور من قبل الابن طوال فترة طفولته. وعلى الأب مسؤولية توجيهه وتعليمه عند بلوغه سن ٧ سنوات، والتركيز على مبدأ تحريم الاختلاط بين الجنسين مع من لا يجوز له الاختلاط بهن عدا أخواته. كما يسود التعاون الاقتصادي في فترة شباب الابن باشتراكه بالعمل في نفس حرفة الأب، وقيام الأب من جانبه بتوفير كافة طلبات ابنه الشاب وأسرته بعد زواجه وسكنه مع والده في نفس المسكن.

ولا يحق للابن أن يعارض أمر والده كما كان هذا الأمر. ولكن طبيعة العلاقة وقت إجراء البحث تغيرت بين الأب والابن، وأصبحت تتسم بالطاعة والاحترام من جانب الابن والتوجيه والمناقشة من جانب الأب لمحاولة إقناع الابن وتقديم النصح والإرشاد كلما لزم الأمر. كما يتولى الأب من جانبه القيام بتعليم الابن حتى يحصل على الشهادة التي تتفق مع قدراته العقلية. وبعد ذلك يبدأ الشاب في الاعتماد على نفسه والرجوع إلى الأب لأخذ مشورته كلما لزم الأمر.

ولم يعد طابع الطاعة العمياء هو السمة المميزة للعلاقة بينهما، بل تحولت إلى علاقة مناقشة وإقناع في الأمور التي تخصه، مثل نوع العمل الذي يقوم به (عمل حر أو وظيفة) ومجال الاختيار للزواج (من بين الأقارب أو من عائلات المدينة أو خارجها) ومع ذلك، يطالب الابن بتحمل مسئولية والده عند كبر سنه باعطائه مبلغاً من المال كل شهر.

3- علاقة الأم والابنة: تتوازى العلاقة بين الأم والابنة بالقرية بالعلاقة بين الأب والابن في المدينة من حيث تحظى الأم بمسؤولية توجيه الابنة وتعليمها في شؤون المنزل منذ بلوغها سن الثامنة مثل صناعة الخيط وطهي الطعام وحياكة الملابس وأشغال الإبرة، ومساعدتها من جانب آخر في تربية إخوتها. وكثيراً ما كانت ترفض الأم قديماً تعليم الابنة في المدارس بمجرد بلوغها سن العاشرة، فتخرج البنت من المدرسة لتعلم شئون المنزل وتعدها لتكون زوجة.

أما من ناحية الابنة فعليها الطاعة والاحترام لأمها ولكل من هو في جيلها من الأقارب من جهة الأم أو من جهة الأب. أما وقت إجراء البحث، فقد تغيرت العلاقة بين الأم والابنة، وظهر هذا في الجيل الأخير، فلم يعد دورها قاصراً أن تتعلم الابنة لكي تكون زوجة، بل أصبحت الأم تؤيد خروج البنت للتعليم في مراحله المختلفة حتى المرحلة الجامعية، وتقوم الأم بمهمة تدريب الابنة على الشؤون المنزلية في الإجازات الصيفية.

4- علاقة الأم والابن: في المدينة تتسم علاقة الأم بابنها طوال فترة الطفولة بطابع الحنان والتدليل من جانب الأم، لأن الابن الذكر له وضع واعتبار كبيرين في الأسرة. فجميع طلباته تعد أوامر مجابة من جانب الأم والأخوات الإناث. وعند بلوغه سن الثامنة إلى العاشرة يتولى الأب مسؤولية توجيهه.

وبالنسبة للابن فعليه طاعة الأم واحترامها، واحترام كل من هو في جيلها من الأقارب من الجهتين. كما تلقى عليه مسؤولية رعاية الأم عند موت الأب أو عند تقدمها في السن فلا يتركها هو أو زوجته (يقيم معها في نفس المنزل). وقد اتسمت طبيعة العلاقة بالاحترام والطاعة بين الأم والابن، وتقديم العون والمساعدة لها عند كبر سنها، ولكن الابن لا يصحبها للسكن معه في منزله بعد انفصاله بسكن خاص به.

ويفضل أن يتردد عليها بزيارة يومية في المساء، وتقديم المساعدة المالية لها في صورة مبلغ شهري تخفيضاً لنشوب النزاع بين الأم وزوجة الابن، بالإضافة إلى خروج زوجة الابن للعمل حالياً فتقضي أكبر عدد من ساعات اليوم خارج المنزل، فلا يكون لديها وقت لخدمة أم زوجها.

5- علاقة الأب والابنة: يتسم طابع العلاقة بين الأب والابنة قديماً في المدينة بطابع التدليل للابنة من جانب الأب وتوفير كافة احتياجاتها طوال فترة الطفولة، أما من ناحية الابنة فعليها الطاعة للأب واحترامه واحترام كل من في جيل الأب من الأقارب من جهة الأم أو الأب. كما تقوم بخدمه والدها في حالة خروج الأم أو غيابها لقضاء أي واجب خارج المنزل.

ولا تقتصر خدمتها لوالدها قبل زواجها بل يمتد لها بعد زواجها وخروجها إلى مسكن أهل زوجها. فعندما يمرض تكون أولى الناس بخدمته، كما يكون من واجب الأب والأعمام أن يقدموا المساعدات المادية في صورة “المواسم” كاللحوم والخضراوات والفاكهة، ومبلغ من المال في صورة عيدية في الأعياد. ولم تتغير طبيعة العلاقة بين الأب والابنة حتى وقت إجراء البحث. ولكن كثيراً ما تقوم الابنة بجانب خدمة الأب عند مرضه أو كبر سنه بتقديم مبلغ من المال شهرياً إذا كانت تعمل.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: