كان الحاكم الألماني أرنولف من من أهم الحُكّام الذين حكموا ألمانيا، وقد حكم ألمانيا في القرن التاسع ميلادي، وقد تميّز حكمه الذي استمر لمدة اثني عشر عاماً بالحيوية والقوة، وقد تمكنت ألمانيا في تلك الفترة من التغلب على أعدائها في الشرق والشمال، بالإضافة إلى زعامتها على جميع الدول المسيحية في غرب أوروبا.
حكم أرنولف لألمانيا:
يعتبر أرنولف والذي دام حكمه منذ عام 887 حتى عام 899 ميلادي، صاحب قوة وسلطة، فقد كان يأتي إليه معظم الملوك والذين كانوا يقصدون ألمانيا، من أجل الحصول على موافقته ورضاه؛ ممّا حقق زعامة فعلية عليهم، على الرغم من عدم تمتعه بلقب الإمبراطورية، ومن أكبر الأدلة على قوة أرنولف هو نجاحه في دفع خطر الفايكنج عن بلاده، بطريقة جعلت منهم فيما بعد أقل أعداء الدولة الألمانية خطيراً عليها.
وفي عام 891 ميلادي، أخذ الدانيون يتدفقون على أوستراسيا في قوة وعنف؛ حتى يتمكنوا من اجتياح جميع أراضي الميز والمزول، وقد قاموا بإنزال الهزيمة بالقوات المحلية في لوثر نجيا، وعندما سمع أرنولف بذلك أتى مسرعاً من بافاريا وأخذ يطارد الدانيين حتى معسكرهم في لوفان، حتى قام بإلحاق بهم هزيمة ساحقة وقد كانت تلك الهزيمة درساً قاسياً تلقاه الدانيون في الجزء الشرقي من الإمبراطورية الكارولنجية.
ولم يستطيع الدانيون بعد تلك الهزيمة الساحقة، من أن يتوغلون داخل حدود ألمانيا، أو العمل على إقامة إمارة مستقلة داخل أراضيها، وقد استمرت غاراتهم السريعة على شواطئ فريزيا والراين الأدنى، وبعد أن قام أرنولف بإخماد بعض الثورات، التي قامت بها بعض العناصر السلافية، التابعة له في الشرق، مثيل التشيك والمورفين، دفعه طموحه ورغبته إلى أن يصبح إمبراطوراً إلى أن بزخ نفسه في السياسة الإيطالية.
ممّا ترك أسواء الأثر بالنسبة لتاريخ ألمانيا في العصور الوسطى، وذلك أن إيطاليا كانت وقتها ميداناً للتنافس بين الأمراء؛ ممّا أتاح فرصة تدخل أرنولف في شؤونها وخاصة عندما اشتد الصراع بين الأمير جاي والأمير برنجار، حول حكم إيطاليا؛ ممّا أثار حرباً عنيفة بين الطرفين، وقد وقفت فيها لمبارديا في صف برنجار، وفي حين وقفت تسكانيا والبابوية مع جاي، وقام البابا ستيفن الخامس تتويج الأمير جاي إمبراطوراً في إيطاليا، في عام 891 ميلادي، ممّا أدى ذلك إلى تحقيقه النصرن وجعل خصمه برنجار يستنجد بـ أرنولف.
وقد رحَّب أرنولف بتلك الفكرة، ممّا اتيح له الفرصة التدخل في شؤون إيطاليا، وفي عام 894 ميلادي قام بعبور جبال الألب وهرب حينها الإمبراطور جاي إلى الجنوب وقد توفي هناك، وفي العام التالي أغار ارنولف مرة أخرى على إيطاليا ودخل روما، وقد رحب به البابا الجديد “فورموزا”، وقام بتتويج إمبراطوراً وبذلك وضع أرنولف أساساً خطيراً أمام حكام ألمانيا، الذين قاموا بتوزيع جهودهم بين ألمانيا وإيطاليا، دون أن يحصلوا على أي فائدة من وراء التدخل في شؤون إيطاليا سوى إضعاف نفوذها في ألمانيا وبعثرة قواهم.
وقام ملوك ألمانيا للسيطرة ببذل جهود ضخمة من أجل السيطرة على إيطاليا، حيث أن نفوذ ألمانيا في إيطاليا لن يكون فعلي إلا في حالة وصول الملك الألماني على رأس جيشه إلى إيطاليا، وسرعان ما يتقلص ذلك النفوذ ويتلاشى بعودة الألمان إلى بلادهم، وذلك بعد أن عارضت البابوية والنبلاء والمدن جميعها، قيام أية سلطة سياسية قوية في إيطاليا، ومن ثم فشل الأباطرة الألمان في الربط بين ألمانيا وإيطاليا سياسياً.
كما أنهم في ذلك الوقت كانوا منشغلين في الشؤون الإيطالية عن تدعيم نفوذهم في إيطاليا نفسها، وقد تعرضت ألمانيا إلى انقسامات في عهد أرنولف وحلفائه أدت إلى ترك إيطاليا وشأنها من دون تدخل ألمانيا فيها لمدة ستين عام، ومن ثم عاد أرنولف بعد ذلك من إيطاليا متوجاً بالتاج الإمبراطوري، الذي أضفى عليه نوع من المهابة، وأكدت تزعمه بين ملوك غرب أوروبا المعاصرين.
وعند عودة أرنولف من إيطاليا، واجهته المشاكل الكثيرة والشاقة، ومن بين تلك المشاكل التي كانت داخلية وتتعلق بمسالة الورثة، أما المشاكل الخارجية فقد كانت متعلقة في إغارة المجريين على ألمانيا، فالمجريون هم قبائل من أصل آسيوي مثل الهون والآفار، وقد كانوا يعتمدون على الخيل في رحالهم وترحالهم، وقد برعوا في الحروب الخاطفة التي شنوها على خصومهم، والذين تركوا مقرهم من شرق أوروبا على البحر الأسود وزحفوا نحو السهول الواقعة بين الكربات والدانوب.
وقد أغارو المجريين على إيطاليا في عام 899 ميلادي، وعملوا على نهب سهول إيطاليا، وبعد أن نهبوها عادوا عن طريق بانونيا، ويعتبر أرنولف هو المسؤول الأول عن غارت المجريين؛ وذلك لأنه استعان بيهم في حروبه ورغم ذلك لم يكن خطر المجريين خطيراً في ألمانيا.