الحركات المناهضة للدولة في عهد المأمون

اقرأ في هذا المقال


الحركات المناهضة للدولة في عهد المأمون:

الحركات الطالبية:

حركة أبي السرايا:

ظهر حركة الطالبيون حالة من عدم الاستقرار السياسي التي مرت من خلالها دولة الخلافة العباسية بسبب الصراع بين الأمين والمأمون، فبادروا بكثير من حركات المناهضة، في العراق والحجاز واليمن، لعل أخطرها وأهمها حركة أبي السرايا السري بن منصور الشيباني، الذي قام بأمر محمد بن إبراهيم بن إسماعيل، المعروف بابن طباطبا في أواخر شهر جمادى الثانية عام (‎199‏ هجري) شهر شباط عام (815 ميلادي)، في مدينة الكوفة، وتعتبر هذه الحركة حلقة في سلسلة حركات الزيدية.

وشكلت قوى أبي السرايا بعد أن فرد هيمنته على البصرة والحجاز واليمن بشكل واسع، ونال الهزيمة بالأساطيل العباسية التي قام ببعثها الحسن بن سهل للتصدي له. ولا بُدَّ أن أبا السرايا أراد الثأر بالسلطة، فتخلص من ابن طباطبا بالسم وولى مكانه محمد بن محمد بن زيد العلوي، وكان غُلاماً. وضرب أبو السرايا الدراهم، وأرسل كسوة إلى الكعبة كتب عليها: (أمر به أبو السرايا داعية آل محمد لكسوة بيت الله الحرام، وأن يطرح عنه كسوة الظلمة من ولد العباس).

وبسبب هذه الانتصارات التي أحرزها، اضطر الحسن بن سهل إلى أمر هرثمة بن أعين بإخماد حركته. وقد نجح هذا القائد في تنفيذ مهمته، فدخل الكوفة وفرَّ منها أبو السرايا إلى السوس من بلاد فارس، ثم إلى الجزيرة حيث قُبض عليه في جلولاء؛ وسيق إلى الحسن بن سهل بالنهراوان، فضرب عنقه.

الواضح أن هذه الحركة تختلف عن الحركات التي قامت في العصر العباسي الأول. إذ فكر بها وأعطاها إلى رجل من غير آل البيت، وتميزت باتخاذها الكوفة مركزاً لهاء وهي المرة الأولى التي تشهد فيها هذه المدينة حركة في العصر العباسى الأول. أما فيما يتعلق بأسباب إخفاقها، رغم اتساع نُفوذها والانتصارات التى حقّقتها، فتعود إلى أربعة:

1- عدم انتماء أبي السرايا إلى البيت طالبيين ورغم دعوته للطالبيين فإن طالبيين سارعوا إلى تأييد زعماء طالبيين آخرين في مقدمتهم محمد بن جعفر الصادق، وانفضوا من حوله، مما أدّى إلى إضعاف قوته.

2- أثار ماضي أبي السرايا الشبهات حوله، فقد عمل هذا الرجل في بادىء الأمر تحت إمرة القائد العباسي هرثمة بن أعين، ثم تركه بسبب تأخر أرزاقه.

3- اتصفت حركة أبي السرايا بالعنف والقسوة مما أدّى إلى امتناع الكثير عن تأييدها، وقد حدّ ذلك من اندفاعها وأضعفها.

4- أثارت أعمال الطالبيين، من أتباع أبي السرايا بمكة، سخط جميع المسلمين، مما أدّى إلى نقمتهم على هذه الحركة خاصة حين جرَّد أبو السرايا الكعبة من كسوتها، ثم كساها بأخرى تتضمن شعارات معادية للعباسيين.

حركة محمد بن جعفر الصادق:

لقد شَهد عصر المأمون قيام حركة طالبية أُخرى تختلف في طابعها ومكان انطلاقها عن باقي الحركات، وقام بتزعمها محمّد الديباج بن جعفر الصادق في عام (200 هجري/(816 ميلادي) في بلاد الحجاز، وبويع له في مكة بإمرة المؤمنين، فقبلها بعد ترود.

ويبدو أن دولة الخلافة العباسية كانت مُنهمكة بمشاكلها الداخلية الكثيرة، فلم يُبدِ أي اهتماماً جدياً حول هذه الحركة؛ التي لم يتم وصفها بالخطر الشديد، بسبب أنها انحصرت في مكة، مما أتاحت فرصة للخلافة بالقضاء عليها بسهولة، واضطر محمد الديباج إلى خلع نفسه أمام الملا في مكة. ولعل أهم أسباب فشل هذه الحركة تعود إلى:

  • كانت تفتقر إلى دقة التنظيم التي تستند عليها. وعدم انتشارها في الأمصار. كما واجهت تقصير أتباعها في مواجهة العباسيين.
  • تردد محمد بن جعفر فى الدعوة لئفسه، وكراهيته لذلك، وجاء قبوله نتيجة إلحاح آل علي بن أبي طالب وابنه علي.
  • اعتماده على الأنصار من ذوي السيرة السيئة: غوغاء أهل مكة، بعض السودان، ابنه علي، مما صرف المؤيدين عنه.
  • تردد بعض أهل مكة فى البيعة له، كما لم يتمسك من بايعه بولائهم وتأييدهم.

الاضطرابات في مصر:

تأثرت الأوضاع السياسية في الولايات الإسلامية بالنزاع الذي حدث بين الأمين والمأمون، وظهر أثر ذلك جلياً في مصر بشكل خاص، وظهرت في الآفق السياسي اعتباراً من عام (206 هجري)/(821 ميلادي)، تباشير حركة استقلالية بزعامة السري بن الحكم نتيجة تحامل العباس بن موسى، والي المأمون على مصر.

استغل هذا الرجل النزاعات الداخلية بين القيسية واليمنية لضرب الفئات المتنازعة بعضها ببعض حتى تخلو له الساحة السياسية، فساد مصر، نتيجة ذلك، جو من القلق وعدم الاستقرار. وثارت القبائل العربية في مصر السفلى في عام (214‏ هجري)/(829 ميلادي)، بسبب سياسة الولاة العباسيين التعسفية، وقتلوا نائب الوالي.

تصدى المأمون لهذه الحركة المعادية، وندب أخاه المعتصم لمحاربتها، ونجح في إخمادها. لكن الاضطرابات تجدّدت على إثر مغادرته مصر، فأرسل الخليفة قائده التركي الأفشين في عام (215‏ هجري)/(830‏ ميلادي)، فقضى عليها.

ويبدو أن الوضع الداخلي في مصر لم يهدأ تماماً، فقام الأقباط والعرب في عام (216 هجري)/(831‏ ميلادي)، بحركة انتفاضية كُبرى فاضطر المأمون أن يذهب بنفسه إلى مصر
لتهدئة الوضع، فأخمدها وسبى قسماً كبيراً من القبط، واصطحب معه زعماء الحركة إلى بغداد وعزل عامل الخراج الذي تسبّب بالاضطرابات.

حركة بابك الخرّمي:

تعتبر من أخطر الحركات دينية المظهر، وهدفها السياسي، التي شهدتها دولة الخلافة العباسية منذ نشأتها، وتتميز بسعة نفوذها، وبقيادة دعايتها، وببراعة سيطرتها، وتواصلها مع غير الفرس. وكونت أساس التآمر الفارسي المسلح ضد السلطة العربية العباسية.

التزم بابك أساسيات وقواعد الخرمية على يد السيد جاويدان ولما توفي هذا الأخير آمنت زوجته أن روح زوجها بقيت فيه. وقد تقبّل بابك هذه الأفكار وذهب يتصرف من خلالها؛ والواضح أنه يلي جاويدان في زعامة الخرّمية في منطقة الجبال، ثم أخذ يزرع حركته وينظمها في محاولة لتقوية قبضته للوصول إلى تحقيق غاياته السياسية والدينية.

فالبابكية طائفة من الخرّمية تبع أتباعها بابك وهذا دليل على أن بابك وأتباعه كانوا ضد سلطة العرب السياسية، وضد الدين الإسلامي الذي يعتنقه هؤلاء. من هنا لا يمكننا أن ننظر إلى هذه الحركة إلا بأبعادها الدينية والعنصرية. فمن الناحية الدينية، فقد اعتقد البابكيون بمبدأ التناسخ والرجعة، وقالوا بالاشتراكية والإباحية، منها استباحة النساء على الرضا منهن، ورفضوا التكاليف الدينية.وعليه تكون الأفكار البابكية منافية لمبادىء الدين الإسلامي.

وحاول البابكيون حل مشكلة التفاوت في توزيع الثروة بين الملاكين الكبار والفلاحين، وذلك بنزع الأراضي من أولئك وتوزيعها على هؤلاء الفلاحين. فمازيار الذي أظهر دين المحمّرة بجرجان، والذي كان على صلة قوية ببابك، أمر الفلاحين بالوثوب على أرباب الضياع وانتهاب أموالهه.

ومن الناحية العنصرية، فإن حركة بايك هي تعبير عن تنفيس الكراهية التي كانت تمتلىء بها نفوس أقوام من الفرس ضد الدين الإسلامي الذي دفع العرب للقضاء على الأمبراطورية الفارسية، وضد العرب الذين أزالوا دولتهم. وربط بابك نفسه بأبي مسلم الخراساني، فادّعى أنه من نسل ابنته فاطمة، مما يدل على النزعة الفارسية القديمة .

اتصف بابك عدة صفات أهمها البراعة السياسية، حين أخذته العوامل الصعبة التي كانت تجتاح من خلالها دولة الخلافة العباسية بسبب التزاع بين المأمون والأمين، فأصدر حركته المعادية في عام (201 هجري)/(816 ميلادي)، في الأقاليم الشمالية، وهي مناطق بعيدة عن سيطرة الدولة. وكانت جبال أذربيجان وأرّان مهد هذه الحركة ومركزها البذ.

وقد نجج بابك الطريقة السياسية والحكيمة في جذب الأتباع، ونجح في ضم كافة أجزاء أذربيجان، وصادفت دعوته نجاحاً مُلفتاً في منطقة الجبال وهمذان وأصفهان وماسبذان ومهرجان، كما دخل في دعوته جماعة من أكراد الجبل وقسم كبير من الديلم وانتشرت في طبرستان وجرجان وأرمينيا وخراسان وسائر أرض الأعاجم.

واستقطبت الحركة بعض الدهاقين والأمراء الفرس مع السواد. فاشتركوا جميعاً في الثورة المسلحة ضد العباسيين، وسعى بابك لاستمالة الأرمن، وتعاون مع البيزنطيين. واستمر بابك في نجاح مطرد بفعل غياب القوة العباسية المنهمكة بالنزاعات الداخلية، وبإخماد الحركات المعادية في مصر وبلاد الشام والعراق، وبالحرب مع البيزنطيين، فكانت هذه الأوضاع عاملاً مساعداً في نجاحها العسكري.

وكان اضطراب الوضع الداخلي في أذربيجان آنذاك، عاملاً آخر ساعد على الإسراع في إعلان الثورة، فقد خرج حاتم بن هرثمة بأذربيجان عندما سمع بوفاة والده هرثمة بن أعين وكاتب بابك وهوَّن عليه أمر المسلمين. واتبع بابك سياسة عسكرية قائمة على هدم الحصون وتخريبها حتى يضعف دفاعات العباسيين كما ركّز جهوده على قطع خطوط تموينهم، ونهب قوافلهم حتى يشل هجماتهم.

واشتهر أتباعه الجبليون بمعرفة الطرق والمسالك الجبلية، ونصب الكمائن؛ فكانوا يحصرون الجند العباسي في الممرات والمضائق الجبلية، وينقضون عليهم، وهذا يوضح فشل الحملات العديدة التي وجهها المأمون لحربهم. ونتيجة لانتصاراته المتلاحقة أضحى بابك يشكل قوة خطيرة ضد الدولة العباسية. وتوفي المأمون في عام (218 هجري)/(833 ميلادي)، وبابك في أوج قوته، ومما يدل على خطورة حركته أن المأمون أوصى أخاه المعتصم قبل وفاته، بضرورة التصدي لهذه الطائفة بكل ما أوتي من قوة.


شارك المقالة: