تنتشر الكثير من الخرافات والقصص والأساطير في المجتمعات المختلفة، البعض تناقلته العجائز من جيل إلى جيل، وبعضها الآخر تساهم وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام في نشرها دون أي دليل، أو مرجع يثبت صحة كلامهم، ولا شك أنه مع قلة عدد الخبراء والكتب التي تستطيع أن تساعد على التمييز بين الحقيقة والخرافة، حيث ازدادت الأمور سوءًا.
الأسباب التي ساهمت في انتشار الخرافات:
مع مرور الوقت تحولت الخرافات إلى حقائق ثابتة، إذ يؤمن بها بعض المثقفين والذين بلغوا من العلم مبلغه، إما عن جهل أو لتحقيق مصلحة ما، والأمثلة كثيرة على تلك الخرافات وخاصة تلك التى تتناول السلوك البشري، وبما أن هذا المجال هو أكثر المجالات اهتمامًا من قبل الناس بدافع الفضول وسعيًا منهم لفهم سلوكهم وتفسير سلوك الآخرين من حولهم، لذلك نجدهم يلجؤون إلى خبراء الصحة النفسية المزعومين المتواجدين بكثرة على شاشات التلفاز والراديو، حيث أنهم يحاولون من خلال البرامج التي يقدمونها تقديم نصائح وإرشادات لمتابعيهم، والتي هي في حقيقتها عبارة عن خليط بين الحقائق والخرافات والأكاذيب إن صح التعبير.
أما عن الاسباب التى ساهمت في انتشار الخرافة وتحول بعض المعتقدات والموروثات الى حقيقة متقبلة؛ فبالإمكان حصرها بالأسباب التالية:
- تناقل الأحاديث: إذ إنه من خلال التواصل، يتناقل الناس معتقداتهم وحكاياتهم وتصل إلى الآخرين، فعلى سبيل المثال عبارة “الأضداد تتجاذب” هي عبارة أخاذة وسهل تذكرها، حيث يميل بعض الأفراد إلى نقلها الى غيرهم كأي قصة من تلك القصص الممتعة والحكايات الشائعة، والتى تحولت بعد حقبة من الزمان إلى قصص نسمعها بشكل متكرر، الأمر الذي أدى إلى الخلط بين شيوع العبارة باعتبارها خرافة وبين صحة العبارة باعتمادها على مصدر أو تاريخ يؤكد صحتها.
- الرغبة في الحصول على إجابات سهلة وحلول سريعة لمشكلاتنا: نظرًا للجهد الذي تسببه ضغوط الحياة اليومية، فالأشخاص بطريقة لاشعورية يحاولون البحث عن إجابات سريعة وسهلة التطبيق لمشكلاتهم، فمثلًا مشكلة إنقاص الوزن التى تحاول بعض النساء تحقيقه؛ نجد أن معظم النساء اللواتي يسعين لهذا الهدف يبحثن عن أسهل الطرق التي تقدم لهنّ وعودًا قاطعة بالتغيير السريع وغير المؤلم، حيث أن نفس الشيء ينطبق على الكثير من المشاكل التى تواجهم يوميًا.
- الإدراك الانتقائي للأشياء: تقوم فكرة الإدراك الانتقائي على أن الأشخاص يركزون ويختارون من حولهم أكثر الرسائل التى تتوائم مع معتقداتهم وقيمهم، حيث أنهم يكونون أقل اهتمامًا وتأثرًا بتلك الرسائل التى تتناقض مع معتقداتهم، كما أنه ومن الممكن أن يتحول الإدراك الانتقائي إلى مرض إذا زاد عن الحد الطبيعي، فمثلا: المرأة التى ترى شعرة على ثياب زوجها، يمكن أن تعتقد اعتقادًا راسخًا أن مصدر هذه الشعرة هو واحدة من النساء التي قد يخونها زوجها معها، ومهما حاولت إقناعها بالمنطق فلن تفلح في ذلك.
- المبالغة في بعض الحقائق: إن بعض الخرافات لا تخلو من الصحة دائمًا، غير أنه مبالغ فيها أو مبالغ في الطريقة التي تقدَّم بها، فمثلا: يكاد يكون من المؤكد أنه ليس من أحد فينا يستخدم إمكاناته العقلية بشكل كامل، لكن هذه الحقيقة لاتعني أن الغالبية العظمى بيننا تستخدم فقط 10% من أدمغتهم، كما يعتقد كثير من الأفراد.
- منطق المتتاليين: إن كثير من الناس يربطون بين حدثين متتالين باعتبارهما مترابطين ارتباط السابق باللاحق، غير أنه في الواقع فإن الكثير من الأحداث تقع قبل حدوث أي أحداث أخرى، ولا تكون سببًا فيها، وعلى الأغلب لا يكون بينهم أي ارتباط، ولعل من أشهر الأمثلة على ذلك هو الخرافة التى تقول بأن التعرض للاعتداء في الطفولة يؤدي إلى تحول الطفل إلى معتدٍ عندما يكبر، أما التفسير الحقيقي لهذه الخرافة فيفسره العلماء بتأثير الوراثة والبيئة التى عاش بها المعنّف أكثر بكثير من أي أسباب كانت قد حدثت في مرحلة الطفولة.
- التعميم المتحيز: وهذه مغالطة تحدث كثيرًا، حيث يتم تبني النتيجة وتعميمها على مجموعة كبيرة وذلك بناءاً على عينة تم اختيارها، وبعضها لا يمثل المجموعة الأصلية بشكل صحيح، إذ أوضح مثال على هذا الخطأ ما حدث في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي في معظمها فوز المرشحة هيلاري كلينتون على الرئيس الحالي دونالد ترامب، بينما جاءت نتائج الانتخابات عكس ذلك.
- الخلط بين المصطلحات: حيث أن بعض المصطلحات والمفاهيم تؤدي إلى نتائج خاطئة ومغلوطة عند سماعها، وذلك بسبب الخلط بين المعنى الحقيقي المراد من المصطلح مع كلمة أخرى، على سبيل المثال: مصطلح التنويم المغناطيسي؛ عند سماع هذه الكلمة يعتقد العديد من الأشخاص أن التنويم هو نوع من أنواع النوم، ونرى في الكثير من الأفلام كيف يحاول المنومون المغناطيسيون أن يوجدوا عاملًا مساعدًا على الدخول في حالة التنويم المغناطيسي عن طريق إخبار الأشخاص الذين يطبق عليهم التنويم أنهم يشعرون برغبة في النعاس، بينما التنويم المغناطيسي في حقيقة الأمر ليس له أي علاقة بالنوم، والأشخاص الذين يطبق عليهم التنويم المغناطيسي في الحقيقة يبقون في حالة من الإدراك التام والوعي الكامل لكل الذي يحيط بهم.
- الطرح المضلل من قبل بعض وسائل الاعلام: في كثير من الأحيان تتناول وسائل الإعلام الكثير من المسائل والظواهر بشكل تعوزه الدقة ويحتاج إلى العلم والحقيقة، فهي في طبيعتها تقدم الظواهر بطريقة أكثر إثارة وإدهاشًا مما هي عليه في الواقع، على سبيل المثال ما قدمته أفلام هوليود ووسائل الإعلام عن معلومات منقوصة عن العلاج بالصدمة الكهربائية، حيث تظهر العملية الجراحية أنها خطيرة وتترافق مع تشنجات حركية ملحوظة، غير أنه من المعلوم أنه مع التقدم التكنلوجي لم تعد للصدمة الكهربائية هذه الخطورة الكبيرة ولاتترافق العملية مع أي تشنجات عضلية للجسم والأطراف.
أخيرًا بالنسبة لكثير من الناس، إن عدم القدرة على الحصول على نتيجة في شأن ما يعد أمرًا مرعبًا، وكلما عظمت أهمية هذا الشأن الذي لا يمكن التحكم فيه، كلما زادت احتمالية محاولة إيجاد طرق للتحكم في النتائج، حتى إن بدت تلك المحاولات غير واقعية، وسواء كان الشخص من محبي الرياضة أم لا، مؤمنًا أو ملحدًا، شعر أن حياته تتشكل من خلال عوامل خارجة عن سيطرته، وكلما دفعه هذا لأن يصبح شخصًا مؤمنا بالخرافات.
كما تعتبر رغبة الكثيرين في المزيد من الهيمنة أو اليقين القوة الدافعة وراء الإيمان بمعظم الخرافات؛ إذ يميل البشر للبحث عن نوع من القواعد، أو القوانين، أو تفسير للطريقة التي تحدث بها الأشياء، حيث يقول فايزي: «في بعض الأحيان، يكون خلق اليقين الزائف أفضل من عدم اليقين على الإطلاق”.