الخرافة بين الحقيقة والخيال

اقرأ في هذا المقال


يمكن القول إن الإنسان كائن استفهامي استعلامي دائم السؤال ب”لماذا”، فهو منذ أن يتعلم النطق، يبقى يردد هذا السؤال وبإلحاح قد يثير حفيظة الوالدين وغيرهم، وهو لا يمل من هذا السؤال ما أبقاه الله، ففي أعماقه لهفة ليعرف لماذا، وليفهم سر الوجود وتعقيداته، ولا يرتاح الإنسان من حيرته إلا إذا وجد إجابة مرضية تعيد إليه الاتزان وتزيل الاضطراب في أعماقه، حتى لو كانت الإجابة غير علمية وغير منطقية.

لماذا يتجه الإنسان إلى الخرافة؟


لماذا يتجه الإنسان بمنأىً عن التأويلات العلمية المنطقية للذي يحدث معه؟ وإذا لم يستطع تأويلها بشكل علمي، هل يمكنه أن يحيط تأويلاته بالشك العلمي؟ هل الإنسان محب للغرائب والعجائب والتأويلات البعيدة؟ هل هذه التأويلات فيها لذة لعقله وتخدير شامل يبعد القلق والشك العلمي؟ هل الناس مشدودين نحو الغرائب والأمور غير المنطقية التي تأتيهم بالسعادة والفرح، أو حتى بالربح المادي حتى لو لم تكن ضمن المعقول؟
تعتبر الرغبة في السيطرة أو اليقين القوة الدافعة وراء إيمان معظم الأشخاص بالخرافات؛ إذ يرغب البشر بالبحث عن نوع من القواعد أو القوانين أو تفسير للطريقة التي تحدث بها الأشياء، يقول أحد العلماء: “في بعض الأحيان، يكون خلق اليقين الزائف أفضل من عدم اليقين على الإطلاق”، وهذا ما تؤيده كثير من الأبحاث التي ترى في الخرافة طريقًا لوصول الاأشخاص إلى نسبة عالية بالرضا واليقين.
من أكثر الظواهر الغريبة التي تقابل علماء الفيزياء والبيولوجيا والكيمياء والفلك، والتي اعتبرها العوام خرافات لا يحيط بها إدراكهم وليس لها تفسير منطقي عندهم، ولكن بالبحث والتمحيص أنتجت اكتشافات ضخمة أفادت البشرية فوائد عظيمة؛ لأن العلماء كانوا يتوقون فعلًا إلى اعتبار بعض تلك الخرافات التي تتردد على ألسنة العامة وتعشش في عقولهم ظاهرة تستحق الدراسة والتمحيص، وعندما جاءوها لدراستها بدت أمامهم كسراب خادع، وليـس لـلإنـسـان فـي الـسـراب مـن فائدة ولا مأرب، فالسراب نفسه قد يجره إلى التهلكة.
كما يغار رجل الدين الأصيل على دينه من الدنس والشبهات، وما قد يتعرض له هذا الدين من هزات وتأويلات قد تصيبه، مما ليس موجود في أحكامه وشرائعه، كذلك يغار رجل العلم على علمه مما حل به من ادعاءات ظالمة وخرافات وأوهام باطلة؛ ولهذا نرى بعض العلماء قد قدموا جهودًا جبارة لتزيل الأدران التي ألصقها أصحاب الأوهام والخرافات بالعلم لصقًا.
فوق كل هذا وضعوا أمام الناس الفرق بين فكرين: فكر أسطوري مربح لمصطنعه بالطبع ومريح لمن يؤمن به دون وعي أو إدراك لماهيته، وبين فكر علمي هدفه دائمًا أن يشـقى ويكد ويبحـث ويدقـق، لا أن يطلق لخياله العنان؛ فينشر الخرافات والأوهام.


شارك المقالة: