الخلفية الأيديولوجية المنحازة لعلم الاجتماع في شرق أوربا

اقرأ في هذا المقال


الخلفية الأيديولوجية المنحازة لعلم الاجتماع في شرق أوربا:

ما يقال عن علم الاجتماع الغربي، ينطبق كذلك على علم الاجتماع الشرقي أو ما يطلق عليه علم الاجتماع الماركسي، بل أن الانحياز الأيديولوجي أوضح في هذا العلم الأخير، حيث أنه ينطلق أساساً من النظرية الماركسية التي تركز على المادية التاريخية والمنهج الجدلي والتفسير الاقتصادي.

والتركيز على عامل واحد عند تفسير الطبقة والمجتمع والتاريخ والتغير، وهو العامل الاقتصادي ويتضح للدارس أن علم الاجتماعي الماركسي تسوده النزعة الدوجماطيقية لأنصاره والطابع النمطي الجامد لنظرياتهم.

وقد وجهت عدة انتقادات موضوعية إلى علم الاجتماع الماركسي، سواء من حيث التحليل أو التفسير، أو من حيث التنبؤ بحركة التاريخ أو من حيث القول بوجود قانون للتحولات التاريخية.

ولعل من أهم ما وجه إلى ذلك العلم من نقد أنه لا يمثل في التحليل الأخير سوى أيديولوجية للصراع، الأمر الذي يخرجه تماماً من مجال البحث العلمي الموضوعي، والحق أن ذلك يرتبط في شرق أوربا والاتحاد السوفيتي بسياية الدولة وبالنظام الحزبي ارتباطاً كلياً، مما يسنح لنا بالقول بأنه فرع من المعرفة يوظف لخدمة سياسة الحزب والدولة، لا للكشف عن النظريات العلمية والواقع الموضوعي.

ويعترف علماء الاجتماع الماركسيين أنفسهم بالعلاقة الوثيقة بين الأيديولوجيا وعلم الاجتماع فجيرزي فياتر، يؤكد أن الأعمال السوسيولوجية الكبرى لا تؤدي وظيفة علمية فحسب، ولكن تؤدي وظيفة أيديولوجية كذلك.

النقد الماركسي للمجتمع البرجوازي:

وقد انبثقت النظرية الماركسية كرد فعل مضاد لمشكلات المجتمع الأوربي خلال القرن التاسع عشر، ويمكن لنا أن ننظر إلى النقد الماركسي للمجتمع البرجوازي على أنه نوع من الحوار ضد الليبرالية الاقتصادية وما تتضمنه من مبادئ مثل الحرية الاقتصادية وعدم تدخل الدولة.

فالماركسية هي في جوهرها نفي الأيديولوجية الليبرالية التي تزعم امكان تحقيق التقدم من خلال التطور الاقتصادي والسياسي، كذلك فإن النظرية الماركسية تنتقد النظرية النفعية في الفلسفة وفي التطبيق، وإذا كان أنصار الاتجاه المحافظ ينظرون إلى النظام الرأسمي بتشكك على أساس انفصاله عن بعض لبقيم الأخلاقية المعينة، فإن ماركس يرحب بقدوم النظام الرأسمالي على اعتبار أنه مرحلة أساسية من مراحل التطور التاريخي في سبيل تحقيق المجتمع المنشود.

ولكن ماركس يتفق مع أنصار الاتجاه المحافظ في أن الرأسمالية ساهمت في تفكك العلاقات الاجتماعية والمجتمعية، ويضيف إلى ذلك أن ذلك النظام ساهم في حدوث ظاهرة الاغتراب وتزايد حدتها، وينجم الاختلافات بين أنصار الاتجاه المحافظ والاتجاه الماركسي في علم الاجتماع، في تشخيص سبب مشكلات المجتمع الرأسمالي وفي بيان خطة العلاج.

فالعلاج في نظر الماركسية لا يتحقق إلا من خلال العنف الثوري، أو الثورة الشاملة القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال استيلاء العمال على وسائل الإنتاج، أما العلاج في نظر أنصار الاتجاه الإصلاحي المحافظ، فإنه يتمثل في إعادة بناء المجتمع من خلال أساليب لا تتسم بالعنف، وهم يركزون على تحقيق إعادة التكامل الأخلاقي، ويتفق أنصار الاتجاهين في عدم امكان فصل المشكلات الاجتماعية عن واقع المجتمع أو عن الظروف البنائية العامة داخل المجتمع.

ولكنهما يختلفان من حيث تحديد تلك الظروف، فالماركسية تحاول البحث عن هذه الظروف في نطاق النسق الاقتصادي وانعدام التوازن بين الطبقات الاجتماعية أو في إطار علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، أما أنصار الاتجاه الإصلاحي مثل دور كايم، فإنه يحاول البحث عن تلك الظروف في نطاق النظام المعياري وانعدام الوحدة الفكرية وعدم كفاية النظام الأخلاقي الذي يتخلل جميع طبقات المجتمع.

وعلى الرغم من أن الفكر السوسيولوجي في القرن التاسع عشر، سواء التيار الإصلاحي أو التيار الثوري، قد ظهر أساساً كرد فعل مضاد للأيديولوجية الاجتماعية الليبرالية، فإن أغلب علماء الاجتماع في أمريكا يعتبرون أنفسهم لبراليين، خاصة في بعض القضايا كالانتماءات الحزبية وتبني دولة الرفاهية والحقوق المدنية واتحادات العمل.

وبقول آخر فهم لا يعتبرون أنفسهم مناصرين للاتجاه الراديكالي أو المحافظ، ولكن الواقع أن تيارات علم الاجتماع في تلك الدولة تشتق من بناء الأيديولوجية الراديكالية أو الأيديولوجية المحافظة اللتان صدرتا كرد فعل لفلسفة عصر الاستنارة.

ويتضح ذلك عند معالجة القضايا الأساسية لعلم الاجتماع مثل المراكز والأدوار والنظم والتدرج الاجتماعي والطبقة الاجتماعية، ويرجع بعض نقاد النظرية السوسيولوجية هذه الظاهرة إلى الوعي الزائف لدى علماء الاجتماع في أمريكا، وعلى أي حال فإن هذا الموضوع يعد واحداً من القضايا الأساسية لعلم اجتماع علم الاجتماع.

وإذا كان علماء اجتماع الشرق في الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية يعترفون صراحة بأنهم ينطلقون من النظرية الماركسية القائمة على أساس التحليل المادي الجدلي للتاريخ، وعلى أساس المنهج الجدلي وقوانينه كمحرك للمجتمع والتاريخ والنظم، فإنهم بهذا يعترفون ضمناً بالانحياز الأيديولوجي، وبالتالي بالبعد عن الطابع العلمي والموضوعي أو عن الرغبة في البحث المحايد عن الحقيقة بعيداً عن الارتباطات المسبقة.


شارك المقالة: