الخليفة أبو العباس عبدالله السفاح

اقرأ في هذا المقال


الخليفة أبو العباس عبدالله السفاح:

التعريف بأبي العباس: هو عبد الله بن محمد بن علي العباسي وكنيته أبو العباس. ولد في عام
(105‏ هجري)/(723 ميلادي) بالحميمة من أرض الشراة من البلقاء بالشام ونشأ فيها. بويع له بالخلافة في الكوفة يوم الجمعة الثاني عشر من شهر ربيع الآخر عام (132 هجري)/ شهر
تشرين الأول عام (749 ميلادي).

ويلاحظ وجود تشابه بين اسمي أبي العباس السفاح وأبي جعفر المنصوز (عبد الله بن محمد بن علي العباسي) مما دفع المؤرخين إلى تلقيب الخليفة السفاح بعبد الله الأصغر نظراً لأنه أصغر سناً من أخيه المنصور. وألقى أبو العباس على عادة الخلفاء لدى انتخابهم، خطبة في مسجد الكوفة أوضح فيها الهدف الذي من أجله قامت الثورة العباسية وندَّد بالأمويين الذين وصفهم بمغتصبي الخلافة، ووعد الكوفيين الذين ساندوا الثورة بزيادة أعطياتهم ولم يسن أن يذكرهم بأنه: (السفاح المبيح والثائر المبير).

كان الخليفة أبو العباس مُقيماً بالكوفة ويبدو أنه أدرك وضعها الشاذ بفعل عدم تأييد غالبية سُكانها للثورة العباسية فانتقل منها إلى مكان قريب عرف بهاشمية الكوفة غير أنه لم يمكُث فيها طويلاً، وانتقل إلى الأنبار شمالي الكوفة على نهر الفرات في عام (134 هجري)/(‎751‏ ميلادي) وبنى بِجوارها مدينة لنفسه، عرفت بهاشمية الأنبار. أقام بها حتى وفاته في عام (136 هجري)/(754 ميلادي).

قضى أبو العباس معظم عهده في تثبيت حُكمه. فحارب القادة العرب الذين ناصروا الأمويين، ثم تخلّص من بعض القادة الذين ساندوه في الوصول إلى الحكم بعدما بدرت منهم بوادر انفصالية مثل أبا سلمة الخلاّل. كان أبو العباس كريماً، وقوراً، عاقلاً، كثير الحياء، حسن الأخلاق. وهو أسخى الناس، ما وعد عدة فأخرها عن وقتها، ولا قام من مجلسه حتى يقضيها.

ونقش على خاتمه “الله ثقة عبدالله وبه يؤمن”. ومما يؤثر عنه قوله: (إن من أدنياء الناس ووضعائهم من عدّ البخل حزماً والحلم ذلاً)، وقوله: (إذا كان الحلم مفسدة كان العفو معجزة، والصبر حسن إلا على ما أوقع الدين وأوهن السلطان والأناة محمودة إلا عند مكان الفرصة). كان أبو العباس يحب مسامرة الرجال ومجالسة العلماء؛ شجَّع الأدب والغناء، وأجزل العطاء للشعراء والمغنين. وكان يطرب من وراء الستر.

الأوضاع الداخلية في عهد أبي العباس:

كان أبو العباس، حين بويع بالخلافة، لا يملك إلا ما ملكه جنده، فجيوشه تستعد للجولة الأخيرة مع الأمويين والأمور كلها بيد القواد والدعاة، فكانت مهمته شاقة وعسيرة. كان عليه أن يثبّت أقدام العباسيين في الحكم، ويوطّد أركانهم. فرأى أن يستعين بإخوته وأعمامه وأبناء إخوته، ويشركهم في أمره حتى لا يستأثر القواد والدعاة بالأمر دونهم من جهة ومن جهة أخرى. فإنه أراد نقل السلطة تدريجياً إلى أيدي أفراد الأسرة العباسية.

فعيّن عمه سليمان بن علي والياً على البصرة وأعمالها وعمه إسماعيل بن علي على كور الأهواز وعمه داوود بن علي على الحجاز واليمن بعد أن عزله عن الكوفة وعمه عبد الله بن علي والياً على حرب مروان الثاني، وأخاه أبا جعفر المنصور لقتال ‏يزيد بن هبيرة‎. ويبدو أنه حصل تململ من قبل بعض القواد الذين قامت. الثورة على أكتافهم، وخشوا أن يقطف غيرهم ثمار جهودهم، مما دفع الخليفة إلى طمأنتهم وإقناعهم بأن مشاركة أهله ليست إلا مشاركة تشريفية.

فقد كتب إلى الحسن بن قحطبة حين جعل معه أخاه أبا جعفر: “أن العسكر عسكركك، والقواد قوادك، ولكن أحببت أن يكون أخي حاضراً والمتولي للأمر”.

التفت أبو العباس بعد ذلك إلى تصفية جيوب الأمويين. فبعد أن هزمت قواته بقيادة عمه عبد الله بن على قوات مروان الثاني على الزاب وطاردته حتى مصر وقتلته هناك؛ نشبت الفتن والاضطرايات الداخلية ضد حكمه في المناطق العربية مثل فلسطين والشام والجزيرة التي كانت مركزاً للنفوذ الأموي، ثم شعرت بأن هذا النفوذ لم يلبث أن زال منها وتحول إلى خراسان، ثم إن قواد مروان الثاني خشوا على أنفسهم من بني العباس الذين أظهروا قسوة شديدة في معاملة أعدائهم كما طمع بعضهم في إعادة إحياء دولة الخلافة الأموية.

نذكر من هذه الحركات خروج كل من حبيب بن مرَّة المرّي في إقليم البثينة بفلسطين والبلقاء وحوران. وخروج أبو الورد بقنّسرين وحركة أسامة بن مسلم في الجزيرة. ويلاحظ أن قادة هذه الحركات كانوا يرفعون الأعلام البيضاء، ويسمون أنفسهم بالمبيضة، كدليل على تمردهم على الحكم العباسي الذي اتخذ السواد شعاراً له وسُمّى أتباعه بالمسوّدة.

هذا وقضى عبد الله بن على عدة أشهر فى عمليات عسكرية مستمرة قبل أن يتم القضاء على هذه الحركات، وإخضاع مدن الرقة وحران والرها وماردين ودمشق وبيت المقدس. والتفت أبو العباس إلى معالجة قضية تمرد يزيد بن هبيرة وكان مُتحصناً في واسط، فأرسل أبو سلمة جيشاً بقيادة الحسن بن قحطبة، حاصرهُ فيها.

وجرت مناوشات بين الطرفين لم تسفر عن نتيجة؛ ممَّا دفع أبا العباس أن يُرسل أخاه أبا جعفر
ليقود حصار واسط بنفسه. ولما أتى ابنّ هبيرة خبرٌ قتل مروان الثاني طلب الصلح، وجرت مفاوضات بين الطرفين أسفرت عن منح ابن هبيرة وأنصاره الأمان. وبعث أبو جعفر بكتاب الأمان إلى الخليفة الذي استشار أبا مسلم في ذلك. وبناء على نصيحة هذا الأخير، أمر أبو العباس أخاه أبا جعفر بقتل ابن هبيرة وعددٍ من أصحابه.

وبقتل ابن هبيرة تمت تصفية الجيوب الأموية. وقام أبو العباس بتصفية المنافس السياسي الذي أراده أن يملُك ولا يحكم، وهو أبو سلمة الخلال وزير آل محمد، فاتّهمه بأنه كان يريد تحويل الخلافة من بني العباس إلى آل علي بن أبي طالب، وقد هم أن يفتك به حين بويع بالخلافة لكن ظروف الدولة الناشئة كانت لا تسمح له يذلك، فأقرّه على منصبه هذا وتسميته تلك.

وحانت الفرصة للسفاح بِأن يتخلص من وزيره بعد أن قضى على الحركات المناهضة لحكمه؛ وثبت أقدامه في الحكم. لكن داوود بن علي نصحه أن يكتب إلى المرّار بن أنس الضبّي ليقتله، وقد كمن له مع أُسيد بن عبد الله وقتلاه في شهر رجب عام (132 هجري) شهر شباط عام 750 ميلادي).

الأوضاع الخارجية في عهد أبي العباس:

جبهة الشرق: في الوقت الذي كانت هذه الأحداث تقع في العراق والشام والجزيرة؛ كان أبو مسلم الخراساني؛ القائد الأول للثورة العباسية، قد تسلم الحكم عاملاً للخليفة في خراسان والجبال، فقام يُثبّت ت أقدام العباسبين في هذه المناطق. وقضى على الثورات المناهضة للحكومة المركزية.

وتعرضت بلاد ما وراء النهر، في الوقت نفسه لخطر كبير من جانب الصينيين. فقد استغل هؤلاء تضعضع أوضاع المسلمين، والفراغ الذي أحدثه سقوط دولة الترك الغربية لبسط سلطانهم على بلاد ما وراء النهر التي اعتاد حكامها السابقون أن يرسلوا بسفارات إلى الصين منذ عهود بعيدة ليُقدموا الولاء للأمبراطور الصيني فأخذوا يمدون يد العون إلى الحكام المحليين المناوئين للحكم الإسلامي.

والواقع أن الصراع بين الطرفين الإسلامي والصيني، كانت تُحركه دوافع حضارية وتجارية وكان السؤال المطروح آنذاك: أيهما كانت ستكتب لها الغلبة على تلك البقاع الحضارة الإسلامية؟ أم الحضارة الصينية؟.

فمن ناحية الدوافع التجارية كان المسلمون يتطلعون إلى بسط سيطرتهم على طرق التجارة العالمية مع الشرق، الهند، والصين، وتحجيم الدور الصيني في التجارة العالمية. ففي عام (132‏ هجري)/ 750 ميلادي)، استولى جيش صيني على مدينة سوياب وخرّبها. وفي العام التالي استغل الصينيون وقوع نزاع بين أخشيد فرغانة وملك الشاش واستنجاد الأول بهم فهرعوا يبسطون سيطرتهم على المنطقة وظهروا أمام فرغانة وهاجموا مدينة الشاش وحاصروا ملكها الذي نزل على حكمهم.

واستطاع القائد المسلم زياد بن صالح، الذي كان قد فرغ لتوه من إخماد ثورة شريك بن شيخ المهري في بخارى أن يلحق الهزيمة بالجيش الصيني على نهر طراز في شهر ذي الحجة عام (133‏ هجري)/ شهر آب عام (751 ميلادي). هذا وقد حالف التوفيق أبا داوود خالد بن إبراهيم، الذي عينه أبو مسلم حاكماً على بلخ وذلك في عملياته العسكرية التي نفّذها في نواحي الختل وكش فهرب حاكم الختل إلى الصين وقتل دهقان كش فخلفه أخوه على العرش.

ثم حدث أن تعرضت الصين إلى مشكلات داخلية، ونشبت فيها حرب أهلية بفعل الصراع على العرش. مما صرف الصينيين عن التدخل في شؤون بلاد ما وراء النهر. وتعد معركة طراز نهاية التدخل الصيني في هذه المنطقة التي نعمت في ظل الحكم العباسي بعهد طويل من الرخاء.


شارك المقالة: