الخليفة أبو محمد موسى الهادي:
التعريف بالهادي: هو موسى الهادي بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. ولي الخلافة في شهر محرم عام (169 هجري) شهر آب عام (785 ميلادي)، وعمره خمسة وعشرون عاماً ولم يلِ الخلافة من هو أصغر منه. وأمه أم ولد تدعى الخيزران.
ولاَّه أبوه العهد وهو في سن السادسة عشرة، كما ولاَّه قيادة الجيوش في المشرق. وقد فكّر المهدي بتقديم ابنه هارون عليه بفعل إيثاره إياه؛ ومشاركة الخيزران له في محبته، لولا أن المنية عاجلته. وكان لبعض أركان الدولة بعد وفاة الهادي الاتجاه نفسه. نشأ الهادي في محيط مُترف فظهر أثر ذلك في أخلاقه وتصرفاته.
كان قوي البنية، يثب على الدابة وعليه درعان. وكان والده يدعوه (ريحانتي)، اتصف بالشهامة والخبرة المكتسبة بشؤون الملك وبالكرم، لكن كان فيه غلظة وشراسة وغيرة من أمه وأخيه، كثير الميل للأدب والتاريخ فحصّل فيهما ثقافة واسعة. وعرف عنه حبه للغناء؛ فقرب إبراهيم الموصللي، المغني العراقي المشهور وابنه إسحاق.
الأوضاع الداخلية في عهد الهادي:
العلاقة مع الطالبيين:
لم تبقى السياسة السلمية التي اتخذها المهدي مع الطالبيين طويلاً، إذ انتهت بوفاته. فقد اشّتد الهادي على الطالبيين وقسا عليهم، فمنع الصلات وحلقة الأرزاق عنهم، وراح يتجسس عليهم وأمر ولاته بمراقبة تحركاتهم والتضييق عليهه. ويبدو أن الخليفة خَشِيَ من خروجهم على حكمه.
كما كان لطباعه ونفسيته تأثير في بلورة سياسته العدائية تجاههم، فأضحى الطالبيون في الحجاز في وضع سيء، فذهبوا إلى كبيرهم ومعلمهم الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وحثّوه على الخروج للخلاص مما هم فيه من الشدة والرعب. وصادف أن قدم إلى المدينة عدد كبير من العراق لحضور موسم الحج، فاتصل الحسين بهم. وعرض عليهم وضع الطالبيين المتردي، فبايعوه وواعدوه أن يكون موعد الخروج موسم الحج القادم. واتفقوا أن يكون شعارهم (من رأى الجمل الأحمر).
ويبدو أن الأحداث سارت سريعة بعد ذلك، مما دعا الزعماء الطالبيين إلى التعجيل بالخروج، واقتنع الحسين بن علي بضرورة تقديم الموعد، بعدما شعر بتزايد الخطر على الجماعة الطالبية. وأعلن موعد الخروج في فجر يوم الثالث عشر من شهر ذي العقدة عام (169 هجري) الخامس عشر من شهر أيار (786 ميلادي) فاستولى على المدينة واتخذ من المسجد النبوي قاعدة انطلاق فبايعه بعض أهلها، في حين لم يجد تجاوباً عند أكثرهم.
ويبدو أن هؤلاء خشوا بطش السلطة بفعل صلابة الخليفة، كما أزعجتهم تدابير الحسين كجعله الحرم النبوي الآمن قاعدة انطلاق ومركزاً يحتمي به، وهذا لا يتفق مع عواطفهم وتعظيمهم لمسجد الرسول وتقديسهم له. أقام الحسين مُدة أحد عشر يوماً بعد خروجه. ثم قصد مكة ليستولي عليها وعسكر في وادي فخ وهو أحد ضواحيها، لكن المكيين لم يتجاوبوا مع دعوته.
وصل إلى المنطقة جيش عباسي في هذا الوقت، فهاجم معسكره في فخ في الثامن من شهر ذي الحجة وقام بالقضاء على الحُسين وأتباعه. وسُمي الحسين ب (قتيل فخ) أو (صاحب فخ). وتلاشت آمال الذين وضعوا كل تطلعاتهم في هذه الحركة. وتفرق من نجأ منهم في الأمصار مستخفين، كان من بينهم إدريس ويحيى ابّنا عبد الله بن الحسن، فذهب الأول إلى المغرب وأسس دولة الأدارسة، في حين ذهب الثاني إلى بلاد الديلم في المشرق.
التدكيل بالزنادقة: ورث الهادي عن أبيه كراهيته للزنادقة، واقتدى بسياسته في تتبعهم والتنكيل
بهم فقتل منهم جماعة من بينهم يزدان بن باذان وعلي بن يقطين الذي روي عنه أثناء حجه أنه نظر إلى الناس يهرولون في الطواف فقال: (ما أشبههم إلا ببقر تدوس البيدر).
ولاية العهد – وفاة الهادي:
عزم الهادي على خلع أخيه هارون الرشيد من ولاية العهد والبيعة لابنه جعفر، وكان لا يزال طفلاً، فحاول إقناعه حتى يخلع نفسه وكاد أن يفعل، لولا أن ثبته يحيى بن خالد البرمكي. عندئذ لجأ الهادي إلى استعمال أسلوب الشدة والمضايقة مما دفع هارون إلى الابتعاد عن العاصمة هرباً، وظل بعيداً عنها حتى توفي الهادي وبويع له.
لم تطل خلافة الهادي، فقد توفي في بغداد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول عام (170 هجري) شهر أيلول عام (786 ميلادي)، بعد أن حكم عاماً وشهرين واثنين وعشرين يوماً. والراجح أنه كان يشكو من قرحة في معدته، لكن ما وقع داخل الأسرة من خلافات، حملت بعض المؤرخين على القول بأنه مات خنقاً وهو نائم من قِبّل جواري أمه وبإيعاز منها.