الخوارج في عهد أبو العباس السفاح

اقرأ في هذا المقال


الخوارج في عهد أبو العباس السفاح:

تشكلوا الخوارج الصفرية في جزيرة كاوان، كما تكونت الأباضية في عُمان بإمرة الجلندي فلما غضب أبو العباس على خازم بن خزيمة سيُره على رأس سبعمائة فارس إلى الخوارج، فهرب الخوارج من وجه خازم من جزيرة كاوان وعلى رأسهم شيبان بن عبد العزيز، ووصلوا إلى عُمان فقاتلهم خوارج عُمان لاختلافهم معهم، وقتل شيبان ومن معه. وسار خازم إلى عُمان، وانتصر على الجلندي وقتله وقتل معه عشرة الاف ممن تبعه ورجع بعد أن مكث أشهُراً.

كما ظهرت الصفرية في المغرب الأقصى وسيطرت عليه، وتكونت الأباضية في المغرب الأدنى والأوسط، وأخضعت أجزاءً واسعةً لنفوذها، وكان عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة يجرد سيفه من القيروان في محاربة الخوارج عندما قامت الدولة العباسية.

إذ أن البربر قد تضايقوا كثيراً من القتال الذي جرى في إفريقية بسبب الصراع القبيلي بين القيسية واليمانية، والنزاعات التي خاضها البربر ضد الرومان في صقلية وسردينيا ومع ذلك فإن القادة ليس منهم، ويجرّون إلى الصراع جِرَاء لذا فقد ذهب وفد منهم إلى دمشق لمقابلة الخليفة، وتوضيح وما أن رجع وفدهم إلى بلادهم حتى بايع الخوارج أحد أعضاء الوفد وهو
ميسرة الطغري وذلك عام (‎121 هجري).‏

فثار وسار بمجموعه إلى طنجة فدخلها، وقام اغتيال عاملها عمر بن عبيد الله المرادي، كما أنه قام بتعيين عليها عبد الأعلى بن جريج الإفريقي، ثم توجَّه إلى بلاد السوس فقتل إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب وتمت لميسرة الطغري السيطرة على بلاد المغرب الأقصى إذ ساعدته في ذلك القبائل التي تؤيده فقامت على من فيها من الأمراء وأزالتهم، وبايعت ميسرة.

الأحداث التي جرت في الخوارج:

بعث عبيد الله بن الحبحاب جيشاً لقتال الصفرية بقيادة خالد بن أبي حبيب الفهري، كما أنه قام بإستدعاء جيش حبيب بن أبي عبيدة الفهري من صقلية، ووجهه أيضاً لقتال الخوارج. فانهزم ميسرة بالمعركة ورجع إلى طنجة، وهذا ما قلل من هيبته، وقدّمت الصفرية عليها خالد بن حميد الزناتي. سار خالد بن حميد الزناتي لملاقاة جيش خالد بن أبى حبيب الفهري. وعندما اقترب منه حصره بين قسمي جيشه فأباده في معركة الأشراف.

وأضحت النقمة على عبيد الله بن الحبحاب كبيرة فاستدعاه الخليفة، وبعث جيشاً بقيادة كلثوم بن عياض القشيري، ومعه بلج بن بشر خليفةً له، ومن بعدهما ثعلبة بن سلامة العاملي. والتقى هذا الجيش ومعه حبيب بن أبي عبيدة الفهري بالخوارج في معركة عام (123 هجري)،‏ قتل فيها كلثوم بن عياض، وحبيب بن أبي عبيدة، وتمكن بلج بن بشر من الفرار مع عشرة آلاف من جنده إلى طنجة، وغادت فلول الجيش الأموي إلى القيروان.

وأصبح المغرب الأقصى والأوسط تحت نفوذ الخوارج من الصفرية. وغدا خالد بن حميد الزناتي سيد المغرب الأقصى، أما المغرب الأوسط ففيه عكاشة بن أيوب النغراوين وعبد الواحد بن يزيد الهواري. وحين خرج كلثوم بن عياض القشيري إلى المغرب وترك المغرب الأدنى وراءه سار إلى قابس عبد الواحد بن يزيد الهواري فدخلها.

الأحداث التي جرت في القيروان:

أما القيروان فكان موجود عليها كلثوم بن عياض وهو مسلمة بن سواده وقد ذهب لقتال عكاشة بن أيوب ولكنه خسر أمامه، واضطر إلى رجوعه مُسرعاً لقاعدته في القيروان، وهذا ما جعل جنده يثورون عليه، ويولون أمرهم سعيد بن بجرة الغساني الذي اعتصم بالقيروان.

سار سعيد بن بجرة عام (‎124 هجري)،‏ إلى قابس، وما أن خرج من القيروان حتى سار إليها عكاشة بن أيوب لكنه لم يتمكن من دخولها إذ صدَّه عنها القيراونيون بإمرة عبد الرحمن بن عقبة الغفاري، وفرَّ عكاشة بن أيوب إلى الصحراء، وحاول عكاشة وعبد الواحد تنظيم الخوارج من الصفرية بالاستعانة بقبيلة زناتة التي كان مقدم الخوارج فيها أبو قرة.

أرسل الخليفة هشام بن عبد الملك والي مصر حنظلة بن صفوان على رأس جيش كبير، وأعطاه ولاية إفريقية، وما أن وصل إلى القيروان حتى بعث بجيش لمنازلة الخوارج في الزابن وكان هذا الجيش بقيادة عبد الرحمن بن عقبة، فانتصر على الخوارج، ولكنه قتل في معركة ثانية.

وفي الوقت نفسه قُتل عامل طرابلس معاوية بن صفوان على يد الصفرية أيضاً. ولم يبق من عقبةٍ أمام الصفرية سوى القيروان فسار إليها عكاشة بن أيوب، وعسكر بالقرب منها في منطقة القرن، كما سار عبد الواحد من تلمسان على رأس جيش، ومعه أبو قرةن وعسكر في الأصنام، وانتصر على جيش أرسله له حنظلة بن صفوان.

تحصّن حنظلة بالقيروان، وحفر خندقاً وعندما تيقّن من قوته تقدّم إلى عكاشة وهزمه في القرن عام (125 هجري)، وأسره وقتله، كما هزم جيش عبد الواحد في الأصنام بعد انتصارٍ جُزّئي أحرزه. سيطر عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع على المنطقة، وأجبر حنظلة بن صفوان على مغادرتها، واضطر مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية على الاعتراف بولاية عبد الرحمن بن حبيب على إفريقية.

وتمكن من الإنهاء على حركات الخوارج من الصفرية إذ أنهى على حركة عروة بن الوليد الصدفي في تونس، كما قمع كل حركة للخوارج. ودالت دولة بني أمية وقامت دولة بني العباس، والخوارج من الصفرية في مرحلة من الضعف، وعبد الرحمن بن حبيب هو صاحب الكلمة في إفريقية.

الأحداث التي جرت في الأباضية:

هذا بالنسبة إلى الصفرية أما بالنسبة إلى الأباضية من الخوارج فقد كان نشاطهم في المغرب الأدنى. وقام زعيمهم عبد الله بن مسعود التجيبي بثورة في منطقة طرابلس عام (‎126 هجري)،‏ غير أن عبد الرحمن بن حبيب قد تمكن من القبض عليه وقتله كما فتك بقبيلة هوارة التي تزعمها الخارجي.

وقام عبد الجبار بن قيس المرادي، والحارث بن تليد الحضرمي بحركةٍ عام (130 هجري)، وحاصر طرابلس، ودخلاها، وقتلا عاملها، وهزما جيوش عبد الرحمن بن حبيب ثلاث مرات، وعندما قررا السير نحو القيروان اختلفا، وانشغل أحدهما بقتال الآخر، وهذا ما أضعف الأباضية، وفتَّ في عضدها تماماً عام (131 هجري).‏ ولكن لم يمنع هذا من قيام إسماعيل بن زياد النفوسي بثورةٍ عام (132 هجري)، فاستولى على قابس، فأسرع إليه عبد الرحمن بن حبيب، وهزم الأباضية.

وهكذا فإن شأن الأباضية لم يكن بأفضل حالاً من الصفرية عندما قامت الدولة العباسية. ولكن مات عبد الرحمن بن حبيب، وحدث صراع بين أسرته وشغلت الدولة العباسية بأحداثها فنشط الخوارج تارةً أُخرى في أيام المنصور، وإن حدثت بعض الحوادث أيام السفاح، إذ خلف عبد الرحمن بن حبيب ابنه حبيب فنازعه عمه عبد الوارث الذي كان على صلة بالخارجي عاصم بن جميل ولكنه أظهر الولاء للعباسيين أو هكذا ظنّ الناس، ولكن حبيب تمكن من هزيمة الخوارج، هزيمة منكرة عام (135 هجري).


شارك المقالة: