الخوارج في عهد أبو جعفر المنصور

اقرأ في هذا المقال


الخوارج في عهد أبو جعفر المنصور:

ازداد نشاط الخوارج بصورةٍ عامةٍ أيام المنصور، وإن كانوا قد فشلوا في المشرق إلا أنهم قد نجحوا في بلاد المغرب إلى حدّ ما، فثوراتهم كانت محدودة في المشرق حيث يخرج الزعيم في جماعة معدودةٍ في منطقة ويتمكن من هزيمة جيوش الخليفة لكن لا يلبث أن يهزم إذ تأتي النجدات لجيوش الدولة فيفر من منطقةٍ إلى أخرى حتى يقضي عليه، وربما كانت نشاطاتهم في
المشرق كأنها إشغال للدولة عن أمور المغرب كي يتمكنوا فيها هناك.

خرج ملبد بن حرملة الشيباني عام (137 هجري)، بالجزيرة في ألف مُقاتل من الخوارج، وهزم قوات الخليفة فسار إليه حميد بن قحطبة إلا أنه هُزم وتحصّن، واضطر أن يصالح ملبداً على دفع مائة ألف على أن يقلع عنه ففعل، وسار إليه خازم بن خزيمة عام (138 هجري)،‏ فانتصر عليه وقتله.

الأحداث التي جرت في المغرب الأدنى:

استطاع عاصم بن جميل أن يهزم حبيب بن عبد الرحمن الذي فرَّ إلى قابس، وهذا ما فسح المجال لعاصم من دخول القيروان عام (139 هجري)، فولَّى عليها عبد الملك بن أبي الجعد، وسار هو خلف حبيب الذي فرَّ إلى أوراس حيث ألّف هناك قَوةً تمكَّنت من هزيمة الصفرية، وقتل عاصم. وسار حبيب نحو القيروان بعد انتصاره هذا غير أنه هزم أمام عبد الملك بن أبي الجعد وقتل في المعركة، وهكذا دانت المغرب كلها للصفرية.

أما الأباضية فقد رجع بعض كبارهم من المشرق عام (140 هجري)،‏ وركزوا جهودهم في المغرب الأدنى، حيثُ كَثُرَ أتباعهم، وبايعوا أبا الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري الذي استطاع أن يستولي على طرابلس، ثم سار إلى قابس فأخذها، واتجه إلى القيروان فالتقى بعبد الملك بن أبي الجعد خارجها فهزمه، وقتله، واستولى على القيروان عام (141 هجري)،‏ وولَّى عليها عبد الرحمن بن رستم.

بعث المنصور إلى منطقة إفريقية محمد بن الأشعث، وبعث طلائعه للقائد أبي الأحوص بن عمرو بن الأحوص فأسرع إليه أبو الخطاب والتقى قرب سرت فانتصر عليه. وانطلق محمد بن الأشعث بنفسه نحو أبي الخطاب فالتقى به عام (144 هجري)، في (تاورغا)، فانتصر عليه وقتله، وذهب نحو القيروان فأخذها وهكذا قام بتوطيد محمد بن الأشعث الخزاعي نفوذ الدولة العباسية في المغرب الأدنى، وأزال الأباضيين عن القيروان.

الأحداث التي جرت في المغرب الأوسط والاقصى:

بعد أن خسرت الصفرية في المغرب الأدنى توجه أنصارها نحو منطقة المغرب الأوسط والأقصى، واستطاع أبو قره من تأسيس دولةٍ في ناحية تلمسان، كما استطاع (أبو القاسم سمكو بن واسول) من إرساء قواعد دولة بني مدرار في سجلماسة. أرسل محمد بن الأشعث جيشاً لمحاربة أبي قره الصفري في تلمسان في المغرب الأوسط بإمرة الأغلب بن سالم التميمي وذلك عام (148 هجري).

غير أن الجند قد هجموا على ابن الأشعث فما كان من المنصور إلا أن بعث بولاية الأغلب على أفريقيا. وذهب الأغلب إلى المغرب الأوسط فالتقى بالزاب بجيش أبي قره فانسحب أبو قره إلى تلمسان فلاحقه الأغلب وفي نيته مواصلة السير إلى المغرب الأقصى فأحسَّ الجنود بطول المفازة وبعدت عليهم الشقة فثاروا على الأغلب وقتلوه عام (137 هجري).

وصل عمرو بن حفص المهلبي والياً على القيروان بعد أن عزل عن السند، واسترد في طريقه طرابلس وكان قد دخلها الخارجي أبو حاتم الملزوزي عام (150 هجري)،‏ وما استقر عمرو بن حفص في القيروان حتى جد السير نحو المغرب الأوسط لمداهمة الصفرية، واستقر في الزاب في (طبنة).

وسار خلفه أبو حاتم وسيطر على القيروان عام (153 هجري)، غير أنه ترك سيطرته عليها وتبع عمرو بن حفص الذي تحصّن في (طبنة)، وكان الخوارج قد جاءوه من كل جهة فقد تبعته الأباضية بقيادة أبي حاتم وعبد الرحمن بن رستم، وجاءته الصفرية بقيادة أبي قره، وعبد الملك بن سكرديد، وجرير بن مسعود.

انسحب أبو قره بالصفرية من حصار (طبنة)، فاستطاع عمرو بن حفص عندها من هزيمة أبي حاتم وعبد الرحمن بن رستم والأباضية معهما، وسارت الأباضية نحو القيروان فسبقها عمرو، ودخل القيروان، فحاصرته الأباضية فيها، وقتل عمرو في الحصار، وتولى بعده قيادة الجند أخوه لأمه جميل بن صخر، فعقد أبو حاتم زعيم الأباضية معه صلحاً دخل إثره القيروان في أواخر عام (154 هجري). وكان عمرو بن حفص قبل أن يُغادر (طبنة)، قد أرسل (المهنأ بن المخارق بن غفار الطائي)، لمُلاحقة أبي قره فتبعه وهزمه.

وجاء يزيد بن حاتم والياً على إفريقة عام (155 هجري)، وأسرع أبو حاتم زعيم الأباضية من القيروان لملاقاته، وانتصر على طلائع جيشه لكنه هزم أمامه فاعتصم بجبل نفوسة. ودخل يزيد بن حاتم القيروان، وثار الأباضيون تارةً أخرى بإمرة أبي يحيى بن فوناس الذي تزعم قبيلة هوارة لكن قضي على هذه الثورة بسرعة وقتل قائدها وعامة أصحابه وذلك عام (156 هجري).

وكما انتصر يزيد بن حاتم على الأباضية في المغرب الأدنى كذلك انتصر على الصفرية وبطش بها في المغرب الأوسط، وكانت دعامته في ذلك ابنه المهلب، والعلاء بن سعيد. وهكذا استطاع يزيد بن حاتم أن يفرض نفوذ العباسيين في المغرب قبل نهاية حكم المنصور، وبقي يزيد بن حاتم في المغرب حتى عام (170 هجري).


شارك المقالة: