اقرأ في هذا المقال
الدفاع الاجتماعي في المدرسة التقليدية القديمة في علم الاجتماع:
كانت هذه المدارس بمثابة رد فعل مضاد لقسوة العقوبات وأساليب التعذيب التي كان يلقاها المنحرفين في العصور الوسطى، وضد تسلط القضاة في الحكم دون التقيد بنصوص واضحة، والذي استمر حتى القرن الثامن عشر.
وقد اكتشفت هذه المدارس خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر على يد مجموعة من المفكرين مثل بكاريا في إيطاليا وفيورباخ في ألمانيا وجيرمي بنثام في إنجلترا، وقد طبق بكاريا أساسيات الاتجاه النفعي عند تفسير السلوك الإجرامي، فالمجرم يقدم على ممارسة السلوك الانحرافي بعد موازنة يجريها بين اللذة التي يحصل عليها، والألم الذي قد يتعرض له بتوقيع العقاب عليه ومحصلة هذه المعادلة إما الاقدام على السلوك الانحرافي أو العدول عنه حسب تقدير الشخص.
ولهذا فإنه يجب أن يراعي عند تحديد العقوبة أن يتجاوز ألمها ما يمكن أن يحصل عليه المجرم من لذة نتيجة اقدامه على السلوك الانحرافي، وهذا ما يحقق وظيفة الردع والتخويف من الانحراف، غير أن هذا لا يعني المبالغة في التعذيب والقسوة المفرطة في العقوبة، وإلا خرجت عن أهدافها الحقيقية وانقلبت إلى تنكيل ليس له ما يبرره.
وقد ذهب المفكر بكاريا إلى أنه يجب مراعاة المساواة بين المجرمين، والتقيد بنصوص التجريم والعقاب، تجنباً لاستبداد القضاة، وتحقيقاً للشعور بالعدالة، طالما أن الناس سواسية في الحقوق والواجبات، ويجب أن يكونوا كذلك أمام نصوص القانون بصرف النظر عن السن أو العقلية أو المركز الاجتماعي أو الظروف الأخرى.
وهذا يعني أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص معلن للجميع، وهذا الإعلان سوف يكون عاملاً مانعاً من الاقدام على الجريمة لدى الكثيرين، بعد أن يوازنوا بين اللذة التي يحصلون عليها من السلوك الانحرافي، والألم الناجم عن العقاب.
وكما يذهب المفكر إدوين سوذر لاند، فإن هذه المدرسة التقليدية لعلم الإجرام والقانون الجنائي قد ظهرت في إنجلترا خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وقامت على أساس سيكولوجية مذهب اللذة وبناء على تصور هذه المدرسة لا يقدم الفرد على تصرفاته إلا بعد تقدير لما ينجم عنها من لذة أو ألم، فاللذة التي قد تحصل من فعل معين تقارن بالألم الذي قد يحدث نتيجة هذا الفعل، ويفترض أن لدى هذا الفاعل إرادة حرة، وأنه يعمل باختياره وفقاً لمعيار اللذة وحدها.
واعتبر أن هذا هو التفسير النهائي الكامل ﻷسباب الجريمة، وأنه لا يمكن تصور أن هناك حاجة إلى بحث المزيد من الأسباب، وقد وضع بكاريا سنة 1764 التطبيق الأساسي لهذه النظرية غي علم العقاب، واستهدف بكاريا في دراسة له بعنوان جعل العقاب أقل تحكماً وقسوة عما كان عليه.
وقد أكد ضرورة توحيد العقاب لكل من ينتهك قاعدة قانونية معينة بصرف النظر عن السن والحالة الصحية والحالة الاقتصادية الثراء أو الفقر والمركز الاجتماعي، وغير هذا من الظروف، وقد كان مقتنعاً أنه لا يتيسر مراعاة حقوق الأفراد إلا بمعاملتهم جميعاً بطريقة واحدة وقد أكد كذلك أن العقوبة يجب أن تكون محددة سابقاً مقدماً بشكل قاطع، حتى يمكن أخذها في الاعتبار عند حساب اللذة والألم الذي يترتب على انتهاك القانون.
ومع أن المفكر بكاريا يذهب كما يشير إيان تايلور وجالك يونج إلى أن منع الإجرام أمر يحقق المصلحة المشتركة بين الناس، فإنه يرى أن العقاب الذي يستهدف الإقلال من عدد الجرائم، يجب أن يكون متناسباً باستمرار مع درجة انتهاك الفعل المنحرف للمعايير الاجتماعية مثل قداسة الملكية والأمن الشخصي للأفراد ورفاهية الدولة، وهو استناداً إلى نظرية العقد الاجتماعي يؤكد أن المغالاة في العقوبة أمر لا يتفق مع متطلبات العقد الاجتماعي، وهناك مجموعة أساسيات تركز عليها النظرية الكلاسيكية يمكن إيجازها فيما يلي:
أساسيات تركز عليها النظرية الكلاسيكية:
1- كل الناس معرضون للوقع في الجريمة؛ ﻷنهم جميعاً بطبيعتهم يبحثون عن مصالحهم الشخصية.
2- هناك اتفاق في أي مجتمع حول الرغبة المشتركة في حماية الملكية الخاصة ورعاية المصالح الخاصة.
3- من أجل منع حدوث حرب أو صراع من الكل ضد الكل فإن الناس يدخلون بحرية في عقد مع الدولة، من أجل الحفاظ على السلم في إطار هذا الاتفاق الاجتماعي.
4- يجب أن يستخدم العقاب من أجل الحيلولة دون انتهاك أي شخص لحرمة مصالح الآخرين، أو على الأقل تعويق هذا الانتهاك، ومن حق الدولة بموجب العقد أن تعمل ضد مثل هذه الانتهاكات.
5- يجب أن يكون العقاب متناسباً مع المصالح التي انتهكتها الجريمة، ولا يجب ألا يتخطى العقاب هذه الحدود، كذلك يجب ألا يستخدم في الإصلاح؛ ﻷن مثل هذه الأعمال من شأنها أن تسلب الأفراد حقوقهم إلى جانب اعتدائها على شروط العقد.