اقرأ في هذا المقال
- الدفاع الاجتماعي في المدرسة التقليدية الجديدة في علم الاجتماع
- الشخصيات المحدثة عند أنصار المدرسة التقليدية
الدفاع الاجتماعي في المدرسة التقليدية الجديدة في علم الاجتماع:
لقد انتشر تأثير المدرسة التقليدية بشكل واضح في أوربا نتيجة لاستنادها على نظريتي العقد والضبط الاجتماعي، لدرجة أن أحد المعلقين المهتمين بالعلوم الجنائية وهو المفكر فارنر، يؤكد سنة 1880 أن كل الإصلاحات التي طرأت على قوانين العقوبات خلال القرن الماضي الجنائي بآراء المفكر بكاريا، ويذهب أن لا يوجد أي كاتب إنجليزي يعالج القانون الجنائي إلا ويشير إلى آراء بكاريا.
ومع هذا النجاح الكبير التي لاقته آراء النظرية الكلاسيكية في العقوبات، إلا أنها وجهت بالعديد من الصعوبات عند التطبيق الفعلي، ولعل الصعوبة الأساسية تكمن في القول بضرورة تطبيق العقوبات العامة وأن تكون موحدة في الممارسات القانونية اليومية، ولم يكم من الممكن عملياً، وكما يقول تايلور ورفاقه تجاهل محددات الفعل الإنساني والدوافع البشرية، وهذا يعني صعوبة تطبيق العقاب بشكل موحد حسابياً على الأفراد بغض النظر عن محددات الفعل ودوافعه وطبيعة شخصية الجاني.
وقد ساهم المحامون من جهة والمسؤولين عن العقاب نظرياً وعملياً من جهة أخرى، في تعديل النظرية الكلاسيكية في العقوبة، بشكل جعلها تطبق على نطاق واسع بالنسبة للنظم القانونية، ليس فقط في العلم الغربي ولكن أيضاً في الشرق أو الكتلة السوفيتية، وقد كانت المشكلة الأساسية في تطبيق مبادئ النظرية الكلاسيكية الخالصة، هي التركيز على الفعل الإجرامي، مع تجاهل الفروق بين القائمين بالفعل الإجرامي أو شخصية المجرمين.
ولهذا نادى أنصار تعديل النظرية الكلاسيكية بأن العدالة تقتضي بأن تأخذ في الاعتبار عدة متغيرات إلى جانب الفعل الإجرامي، مثل طبيعة الموقف الذي تم فيه ارتكاب الجريمة، وتاريخ المجرم وشخصيته وحالته العقلية والضغوط التي تعرض لها ودرجة مسؤولية عن فعله الانحرافي، ولعل هذا هو ما دفع أنصار النظرية الكلاسيكية المحدثة مثل روسي وجارود وجولي، إلى مراجعة النظرية الكلاسيكية من أجل سد ثغرات ظهرت أثناء الممارسة والتطبيق بها.
وقد ظهرت المدرسة الكلاسيكية المحدثة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ومن أهم روادها إلى جانب من سبق ذكرهم المفكر أورتون ومولينه في فرنسا وكارارا في إيطاليا ومترماير في ألمانيا وهاوس في بلجيكا، وقد اعترف أنصار هذه المدرسة بما يطلق عليه الظروف المخففة للعقوبة، حيث صارت هيئة المحكمة تأخذ في اعتبارها طبيعة البيئة المادية والاجتماعية، للمجرم ولموقف الجريمة.
كذلك فقد اهتم أنصار هذه المدرسة بتاريخ المذنب وسجله السابق في الانحراف، فكلما كان المذنب ضليعاً في الإجرام، وكان سجله في الانحراف ممتداً في الماضي كان هذا يعني عند أنصار الكلاسيكية المحدثة أنه واقع تحت ظروف خارجية قوية به إلى الانحراف وأخيراً أفسح أنصار المدرسة الكلاسيكية المحدثة المجال لتقدير عوامل الأهلية القانونية والعجز، والإصابة بالأمراض والاختلال العقلي أو الجنون والسلوك الانفعالي المتهور، عند تقدير المسؤولة الجنائية وبالتالي عند تحديد العقوبة.
وقد أكد الكلاسيكيون المحدثة، مسؤولاً عن أفعاله، لكنهم أوردوا مجموعة من التحفظات التي يمكن أن تفي البعض من المسؤولية، ويمكن أن تجعل البعض قابلاً للإصلاح، والبعض الآخر غير قابل للإصلاح، فالتاريخ الماضي للشخص والموقف الحاضر له وحالته الجسمية والعقلية والاجتماعية هي التي تؤثر على قابليته للإصلاح.
الشخصيات المحدثة عند أنصار المدرسة التقليدية:
وبقول آخر فإن الفاعل لم يعد عند أنصار هذه المدرسة هو الإنسان الرشيد الجزئي المنعزل أو المنفصل عن واقعه الاجتماعي، كما كان الحال عند أنصار المدرسة التقليدية، فالعالم الاجتماعي الذي أخذه المحدثون في الاعتبار يتضمن مجموعة من الشخصيات وهي:
1- الغالبية في مركز العالم الاجتماعي، وهم الأفراد الراشدون الطبيعيون وهؤلاء مسؤولون مسؤولية كاملة عن تصرفاتهم ويتفق هؤلاء الأفراد مع النموذج المثالي الذي تحدث عنه أنصار الكلاسيكية التقليدية، وإن كان أنصار الكلاسيكية المحدثة يأخذون في الاعتبار طبيعة الموقف الاجتماعي الذي ارتكبوا فيه انحرافهم مما جعلهم يأخذون بفكرة الظروف المخففة، وليس التماس الأعذار طالما أنهم مسؤولون عن تصرفاتهم لسلامتهم الجسمية والعقلية.
2- يعد الأطفال وأغلب كبار السن غير قادرين على اتخاذ قرارات مسؤولة.
3- كذلك فإن هناك بعض جماعات من الناس المجانين أو غير أسوياء العقل، والذين يعانون من ضعف عقلي واضح، ويكون أفرادها معدومي التحكم في سلوكهم، وبالتالي لا يتمتعون بحرية الإرادة التي يتمتع بها الشخص الراشد السوي، وهذا يعني اسقاط مسؤوليتهم عن تصرفاتهم سواء بالنسبة للتغير أو بالنسبة ﻷنفسهم.
وهذا يعني أن أنصار الكلاسيكية المحدثة استطاعوا إيجاد لعمل رجال آخرين غير خبراء القانون في مجال القضاء وإصدار الأحكام، مثل الطبيب المتخصص في الأمراض العقلية والأخصائي الاجتماعي، وهذا يعني أنهم أدخلوا في الأحكام القضائية الأخذ بالظروف المخففة مثل إيقاف تنفيذ الأحكام، والأخذ بالإصلاح مثل تغيير البيئة التي حددت بالمذنب إلى ارتكاب الجريمة.