اقرأ في هذا المقال
لم يكن حكم المماليك وراثي إلا أن عائلة السلطان قلاوون كسرت تلك القاعدة فقد حكم قلاوون وأولاده وأحفاده لمدة قرن من الزمان، على الرغم من ظهور العديد من الأمراء الذين اغتصبوا السلطة لفترة من الوقت إلا أنه كانت تعود مقاليد الحكم للعائلة القلاوونية، تولى الملك الناصر حكم الدولة المملوكية ثلاث مرات في حياته.
التحديات التي واجهت السلطان محمد الناصر
في عام (1293)م وبعد اغتيال الملك الأشرف صلاح الدين خليل، تولى الملك الناصر العرش وكان يبلغ من العمر (9) أعوام، وكان الأمير كتبغا نائب السلطة، وكان الحاكم الفعلي للبلاد، ولم يمر سوى عام على تولية الحكم، بعدها أقنع الأمير كتبغا الخليفة العباسي بعدم قدرة الملك الناصر على حكم البلاد، وبعدها أصدر الخليفة مرسومًا بخلع الأمير الناصر وتعيين الأمير كتبغا سلطانًا للبلاد.
كانت فترة حكم الأمير كتبغا سئية فقد عم الوباء، وانتشرت المجاعات، وارتفعت الأسعار، لم يحبه الشعب على الرغم من بذله جهودًا كبيرة للتصدي للظروف التي واجهت البلاد، انتهز الأمير لاجين الفرصة بذلك وانتزع السلطة من الأمير كتبغا، وأرسل الملك الناصر للكرك.
سعى الأمير لاجين للتقرب من الناس، وقام بتخفيف الضرائب، وقدم الكثير من أعمال البر والاحسان، وعم الرخاء في البلاد، وتقرب من العلماء، فأحبه الناس، إلا أن عدد من الأمراء تآمروا عليه وقتلوه وهو يصلي العشاء في عام (1299)م.
عودة السلطان محمد الناصر وانتصاراته
بعد اغتيال الأمير لاجين اتجهت وفود من الأمراء لاستدعاء الملك الناصر للمرة الثالثة لتولى حكم الدولة المملوكية، ورجع للحكم بموكب حافل، وما أن جلس على العرش، حتى وصلت أنباء الخطر المغولي على بلاد الشام.
وقاد الملك الناصر الجيش وذهب لملاقاة المغول، إلا أن المغول تظاهروا بالانسحاب، فتراخى الجيش المملوكي وفاجأهم المغول مما مكنهم من الانتصار على المماليك، ورجع المماليك يجرون أذيال الهزيمة، إلا أن الملك الناصر ظل يبيت نية الانتقام حتى رجع المغول مرة أخرى لبلاد الشام.
في عام (1303)، عبر جيش غازان نهر الفرات وتقدم إلى سوريا، كان السوريون يفرون من حلب وحماة إلى دمشق، وصل الجيش المملوكي وكان قائدهم بيبرس الجاشناقير إلى دمشق، وقع الخوف في قلوب سكان دمشق وأرادو الهرب، لكن تم تحذيرهم بأن أموالهم ودماؤهم مباحةإذا هربوا.
اشتبك أمرائه مع المغول وأطلقوا سراح حوالي (6000) تركماني بعد القضاء على القوات المغولية، في (20) أبريل، وصل الملك الناصر محمد والخليفة العباسي إلى سوريا قادمين من مصر، وفور استقبالهم، وصلت الأخبار بقدوم جيش مغولي عدده(50) ألف جندي بقيادة قطلوغ شاه ممثل غازان.
قرر الملك الناصر والأمراء خوض المعركة والتي سميت بمعركة شقحب أو مرج الصفار، قال الأمير الذي كان مع السلطان في وسط الجيش للجنود: “أيها المحاربون، لا تقلقوا على سلطانكم، بل على نسائكم ودين نبيكم”، هاجم وحدة من الجيش المغولي وكان قائدها قطلوغ شاه الجناح الأيمن لجيش السلطان، لكن وحدات من بيبرس وسالار ذهبت لدعمهم وأجبرت قطلوغ شاه إلى التراجع للخلف.
كان هناك ارتباك في ساحة المعركة حيث اعتقد الكثيرون أن جيش المماليك قد هُزم عندما رأوا أن المغول قد اجتازوا الجناح الأيمن للجيش المصري، انسحب قطلوغ شاه إلى جبل قريب، لأنه كان يعتقد أيضًا أنه انتصر، لكن من موقعه على الجبل كان يرى أن جيش السلطان كان متماسكًا على الجانب الأيسر والجنود يملؤون الحقل.
سأل قطلوك شاه، الذي كان محتارًا مما رآه، أميرًا مصريًا كان قد أسره، من هو الجيش الذي كان يراه؟ أجاب الأمير أنه جيش الدولة المملوكية المصرية، تأثر قطلوغ شاه، لأنه لم يكن يعلم أن الناصر وصل مع الجيش المصري.
عندما رأى قطلوغ شاه جيشه مهزومًا وفرارًا، فر أيضًا إلى الغرب، في الصباح، عاد قطلوغ شاه إلى ساحة المعركة، لكنه هزم مرة أخرى، هجومه الثالث كان في صباح اليوم الثالث، لكن جيشه أبيد بالكامل، نجا عدد قليل فقط من المغول، عندما علم غازان أن هزيمة جيشه كانت ساحقة، أصيب بنزيف حاد في الأنف وتوفي بعد عام، من جميع أنحاء مصر للاحتفال بالنصر، والمدينة مزينة من باب النصر إلى قلعة الجبل.
على الرغم من حب الشعب للملك الناصر إلا أن الأمراء للمرة الثالثة حاولوا التخلص منه فقد قام الأميرين بيبرس الشانكير وسلاد بعد أن قويت شوكتهم بمحاصرة الملك الناصر وأرادوا التخلص منه، وأجبروه بالتخلي عن العرش، وبسبب ثورة الشعب عليهم تركوه يرجع للكرك، وأصبح بيبرس حاكمًا للبلاد، ولكنه لم يجد ترحيبًا وازدادت المعارضة عليه مما اضطره للتخلي عن العرش، وطلب الصفح من الملك الناصر.
وفاة السلطان محمد الناصر
وبذلك نستطيع القول أن حكم الملك الناصر الدولة المملوكية كان على ثلاث فترات، وتميزت الفترة الثالثة والتي استمرت (32) عامًا، بأنها كانت عصرًا ذهبيًا للدولة في جميع المجالات السياسية والعسكرية والعمرانية، وفي عام (1341) مرض السلطان مرضُا شديدًا وبعد (11) يومًا توفي عن عمر يناهز (57) عامًا.