نشوء الدويلات في عهد الخليفة القائم بالله

اقرأ في هذا المقال


الخليفة القائم بالله:

هو عبد الله بن أحمد القادر، أبو جعفر، ولد عام (391 هجري)، من أم ولد أرمنية اسمها (بدر الدجى) وقيل: (قطر الندى)، ولي أمر الخلافة عام (422 هجري)، فكان عمره إحدى وثلاثين سنة بعهد من أبيه، وأبوه هو الذي لقبه القائم بأمر الله.

دولة البويهيين:

زاد ضعف البويهيين وزادت خلافاتهم فيما بينهم وهذا ما قَوّى السلاجقة وضاعف من قوتهم. اختلف الجند مع جلال الدولة البويهي عام (423 هجري)، فخرج من بغداد ودخلها أبو كاليجار البويهي فولى حماية الجانب الشرقي من بغداد إلى أحد القادة الأتراك وهو أبو الحارث أرسلان البساسيري عام (425 هجري).

غير أن جلال الدولة قد قام بجمع جموعاً كبيرة، ومال إليه البساسيري، واستطاع الرجوع إلى بغداد، وحدث صلح بين أبي كاليجار وجلال الدولة، وتزوّج أبو منصور بن أبي كاليجار بابنة جلال الدولة، ولكن لم يلبث الخلاف أن عاد بين الطرفين، واستطاع أبو كاليجار أن يعود إلى بغداد عام (436 هجري)، بعد وفاة جلال الدولة عام (435 هجري).

وعندما عاد أبو كاليجار إلى بغداد أرسل طغرل بك السلجوقي أخاه لأمه (إبراهيم ينال) إلى بلاد الجبل فدخلها، ثم تصالح أبو كاليجار مع طغرل بك، وتزوج طغرل بك ابنة أبي كاليجار، وتزوج أبو منصور بن أبي كاليجار ابنة داود أخي طغرل بك. توفي أبو كاليجار عام (440 هجري)، وتولى بعده ابنه أبو نصر خسرو فيروز وتسمى الملك الرحيم.

ولم تكن الصلة حسنة بين الخليفة والبويهيين في أواخر أيامهم، فمنذ أيام أبي كاليجار بدأ البويهيون يتقرّبون من العبيديين حكام مصر بسبب العقيدة التي تجمع بينهم قبل كل شيء، ثم إنهم قد اتخذوا هذا التقارب وسيلة أو سلاحاً للضغط على الخلفاءالعباسيين. وبدأ أبو كاليجار يقرأ كُتب الإسماعيلية، ويحضر دروس هبة الله الشيرازي داعي العبيديين في فارس، وقد سمح له البويهيون بالنشاط في مناطق نفوذهم بل إنهم قد دعموه، ثم دعوه إلى العراق فقام بنشاطٍ ملحوظٍ وبلغ من نشاطه أن خطب في شيراز إلى المستنصر العبيدي.

طلب الخليفة العباسي القائم بأمر الله من أبي كاليجار تسليم هبة الله الشيرازي، وهدده بدعوة السلاجقة إلى بغداد غير أن أبا كاليجار لم ينه هذا الموضوع. ووقع الخلاف بين الملك الرحيم وإخوته وكان الصراع على الأهواز وفارس، وهذا ما زاد في إضعاف أمرهم وبدلاً من أن يقفوا جبهة واحدة أملاكهم وما تحت أيديهم.

وعندما اتجه طغرل بك نحو بغداد عام (447 هجري)، اتجه أيضاً الملك الرحيم إليها، وكان في واسط، وفارقه البساسيري سائراً إلى الرحبة، ولمّا وصل الملك الرحيم إلى بغداد أظهر له الخليفة خيانة البساسيري، وأن الخليفة له على الملك الرحيم الطاعة والنصح، وطلب منه أن يقبل الخضوع لطغرل بك، وبذا انتهى نفوذ البويهيين وزال سلطانهم.

دولة السلاجقة:

في الزمن الذي كان يُهان فيه أمر البويهيين كانت سلطة السلاجقة في ازدياد، فقد حكم محمد طغرل بك على منطقة نيسابور، وبعث أخاه جعفر بك داود إلى خراسان فدخلها، وانتقل طغرل بك إلى جرجان وطبرستان فضمّهما إلى أملاكه. ثم اتجه إلى أصبهان فحاصرها مدة سنة، وتمكن من دخولها عام (442 هجري)، وأسر بعض ملوك الروم فراسله إمبراطور القسطنطينية في مُفاداة الملك فشرط عليه عمارة مسجد في القسطنطينية وتم ذلك.

وترك طغرل بك الري، وانتقل إلى أصبهان فجعلها قاعدته. غزا طغرل بك بلاد الروم، وغنم كثيراً وخطب له في الموصل والأنبار عام (446 هجري)، ثم دخل بغداد في العام التالي، وقضى على نفوذ بني بويه فيها. وتوطدت أواصر الصلة بين الخليفة والسلاجقة إذ عقد الخليفة العباسي القائم بأمر الله على خديجة بنت داود أخي طغرل بك عام (448 هجري).

ثم كان خيار طغرل بك الوحيد هو مُغادرة بغداد بسبب الخلاف الذي حصل بينه وبين أخيه لأمه (إبراهيم ينال)، وبخروجه من بغداد دخلها البساسيري عام (450 هجري)، غير أن طغرل بك تمكن من القضاء على أخيه فرجع إلى بغداد عام (451 هجري)،‏ ‏وقتل البساسيري واستقر له الأمر، وعقد على ابنة الخليفة ثم توفي عام (455 هجري).

ولم يكن لديه ابناء فكان وراءه ابن أخيه سليمان بمُساعدة وزير طغرل بك عميد الملك منصور بن محمد أبي منصور الكندري إلا أن أخاه ألب أرسلان وعمه قطلمش قد ثارا عليه وانتصرا، وتسلم السلطنة ألب أرسلان، وقتل عميد الملك الكندري عام (457 هجري). وفي عام (462 هجري)، أقبل ملك الروم أرمانوس بجموع لا حصر لها وعلى رأسهم البطارقة وينوي بهذه الحشود الكبيرة أن يقضي على الإسلام وأهله حتى أنه لفرط أمله قد أقطع البطارقة مناطق العراق.

وتلقاه ألب أرسلان عام (463 هجري)، في عشرين ألف مقاتل فقط فدارت معركة بين الطرفين انتصر فيها ألب أرسلان رغم قلة جنده، وأسر ملك الروم أرمانوس نفسه، وعرفت هذه المعركة باسم معركة ملاذكرت، ثم عفا ألب أرسلان عن أرمانوس وأطلق سراحه فعندما رجع إلى بلاده وجد أن الروم قد ملكوا عليهم غيره، وتوفي ألب أرسلان عام (465 هجري)، قتيلاء وخلفه ابنه ملكشاه.

دولة الغزنويون:

ذهب مسعود إلى بلاد الهند واجتاز قلعة سرستي الجبلية في جنوبي كشمير، وكان أبوه يحاول من قبل فتحها فلم يستطيع، وهَزَمَ واليها الذي نزع الطاعة مما أجبروه على الفرار، ثم عاد إلى غزو الهند بعد عام، وولّى ابنه مجدوداً على بلاد البنجاب، ولمّا أمِنَ وضع تلك الجهة اتجه ثانية إلى خراسان فأجلى عنها الأتراك الغرّ عام (431 هجري).

وقاتل السلاجقة الذين قوي أمرهم واستطاع هزيمتهم، غير أنهم عادوا وهزموه، كما استطاعوا الاستيلاء على مُعظم خراسان عام (429 هجري)، ومسعود مشغول بالهند، فرجع إلى غزنة ثم انطلق نحو السلاجقة فانتصر عام (430 هجري)، على طغرل بك، وطرده من خراسان غير أن مسعوداً قد هزم ثانية عام (431 هجري)، وكاد أن يقع في الأسر.

أتعب مسعود جنده في الانتقال من الجبهة الشمالية الغربية إلى الجبهة الجنوبية الشرقية فملّوه وثار عليه مواليه وقتلوه، ونادوا بأخيه محمد أميراً عليهم وكان مسمول العينين، فعاد محمد إلى غزنة وأرسل ابن أخيه مودود بن مسعود يعزّيه بوالده ويتنصل من جريمة القتل هذه، غير أن مودوداً قد ترك خراسان واتجه إلى غزنة وحارب عمه محمداً وانتصر عليه، ودخل غزنة وقتل عمه وأولاده جميعاً باستثناء عبد الرحيم الذي كان غاضباً لقتل عمه، كما قتل كل من له ضلع في عملية القتل، وتسلّم الأمر عام (432 هجري).

خلع مجدود والي البنجاب من قبل أبيه طاعة أخيه مودود وسار نحو غزنة غير أنه توفي قبل أن يصل إليها. وتمكّن مودود من الانتصار على ملوك الهند الذين تحالفوا ضده وأعاد للغزنويين هيبتهم في بلاد الهند، وحرص على قتال السلاجقة، ووافته المنية عام (441 هجري).

وأخذ ولاية من بعده ابنه مسعود الثاني غير أن عمه أبا الحسن علي بن مسعود الأول قد نازعه الحكم واستلم الأمر منه بعد خمسة أيام من توليه الأمر، ولم يلبث أن قام أيضاً عبد الرشيد بن محمود الغزنوي ودعا لنفسه، وسار نحو غزنة ففرَّ منها أبو الحسن علي بن مسعود الأول فدخلها عبد الرشيد، واستقر له الأمر عام (441 هجري).

وقد حاول طرد السلاجقة من خراسان غير أن قاتده لهذه المهمة قد عاد إلى غزنة وقبض على عبد الرشيد وقتله عام (444 هجري)، غير أن القادة الآخرين قد غضبوا من هذا الفعل وقبضوا على هذا القائد وقتلوه، وولوا عليهم أحدهم وهو (فروخ زاد) الذي حاول قتال السلاجقة ولكنه توفي عام (451 هجري)، وخلفه إبراهيم بن مسعود الذي دام حكمه حتى عام (491 هجري)، وفتح كثيراً من قلاع الهند، وتصالح مع السلاجقة.

دولة العبيديون:

توفي الخليفة العبيدي أبو الحسن علي الظاهر عام (428 هجري)، وخلفه ابنه أبو تميم محمد الذي تلقّب بالمُستنصر، وكان صغير السن لم يزد عمره على الثامنة، وامتد نفوذه إلى بلاد الشام، والحجاز، وشمالي إفريقية، إلا أن المُعز بن باديس واليه في إفريقية قد قطع الخطبة له وخطب للعباسيين عام (435 هجري).

فما كان من المستنصر إلا أن شجع قبائل بني هلال التي نزلت الصعيد وأضرت فيه أن تتحرك نحو الغرب فوصلت إلى بلاد المعز بن باديس وعاثت فيه الفساد، وانتصرت على جنده، ودخلت مدينة القيروان وخربتها عام (443 هجري)، ولم يبق للمُعز سوى المهدية وما حولها، ولكن لم يلبث بعد مدة أن قوي أمره. تمكن المُستنصر أن يدخل مدينة حلب في بلاد الشام عام (441 هجري)، بعد أن أجلى عنها صاحبها ثمال بن صالح بن مرداس.

وبعد ذلك بدأت الدولة العبيدية تتقلص إذ ظهرت دولة المُرابطين في المغرب عام (448 هجري)، وبدأت تتوسع، وزال نفوذ العبيديين عن الحجاز عام (462 هجري)، ودعي للعباسيين على المنابر، كما زال أثر العبيديين عن حلب عام (463 هجري). كانت علاقة العبيديين حسنة مع الروم أيام المُستنصر إذ عقد صلح بين الطرفين أيام الأمبراطور ميخائيل الرابع.

كذلك جرى اتفاق عام (446 هجري)، أيام الأمبراطور قسطنطين التاسع الذي تعهد بأن يمُد مصر بالغلال غير أن قسطنطين هذا قد توفي وخلفته الأمبراطورة تيودورا فلم توافق على الصلح إلا بشروط أهمها أن يتعهد العبيديون بمُساعدة الأمبراطورة إذا ما اعتدي عليها فلم يقبل الخليفة العبيدي المُستنصر الأمر الذي أدّى إلى حدوث قتال بين الجانبين انتصر فيه العبيديون في القتال البري بينما هُزِموا في القتال البحري وهذا ما دفع المستنصر إلى عقد هدنة تمت عام (447 هجري).


شارك المقالة: