السيطرة العسكرية على مركز الخلافة العباسية

اقرأ في هذا المقال


السيطرة العسكرية على مركز الخلافة العباسية:

‏قد يكون اختلاف ومصطلح فكرة العسكرية في ذلك العصر وما قبله عمّا هي عليه اليوم إذ كان المُجاهدون أو المقاتلون يُدعون حين الجهاد أو وقت الحاجة إليهم، وهم ممن يستطيع القتال، منهم من يندفع في سبيل الله إذا كان الغزو في بلاد الكفر، ومنهم من يرغب في الغنائم سواء أكان جِهاداً أم قِتالاً وذلك عندما ضعف الإيمان، ومنهم من يُجبر على الخروج إذا فُرض على منطقة معينة عدد من المقاتلين وذلك بعد أن توقفت الفتوحات وانتهى أمر الجهاد.

وغدت الحروب تُشِنّ على العُصاة والخارجين على الحكم أو المتمردين وطالبي الزعامة، ومنتقدي الحكم، والخوارج، ويُعيّن الأمير أو الخليفة قائداً لهذا الجيش وينطلق، وبعد معركةٍ أو الانتهاء من مُهمةٍ يتغيّر القائد، وفي مهمةٍ جديدةٍ قد يصبح قائداً من كان بالأمس جندياً، ويغدو قائد الأمس جندياً، وهكذا تتبذل القيادة ولا تبقى بيد شخص يُطاع بصورة دائمةٍ.

فإذا ما بقي رجل يحمل اللواء لشجاعة فيه، أو لسيطرته في القيادته، وحس الجند دائماً أنهم تحت إمرته كانت له سيطرة ونفوذ عليهم، واضطر الجند لطاعته، فإذا كان هذا القائد من أصحاب الطموح فإن نفسه تُحدّثه في الحصول على السيطرة على الوضع أو الاستقلال عن مركز الخلافة، وتأسيس دولةٍ تحمل اسمه، ولننظر إلى بعض الحوادث التاريخية.

أهم الحوادث التاريخية التي تُجسد ظاهرها في العصر العباسي:

كان خالد بن الوليد في الجاهلية قائد خيلٍ قريش ونعرف دوره في غزوة أُحد وفي الحُديبية، ولما أسلم برز كقائدٍ فذّ وبطل مغوار، واشترك بعد أن أسلم مباشرة في غزو مؤتة كجندي ولكن آلت إليه القيادة إذ اختاره المسلمون أميراً عليهم بعد استشهاد القادة الثلاثة، رضي الله عنهم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وقد تسلّم الإمرة فأحسن.

واستطاع أن ينسحب بالجيش ويُنقذه من عملية سحق تكاد تكون مؤكّدة، بعد أن بدل مواقع الفرق وأخّر بعضها وجاء من بعيد مُثيراً سحباً من غبار، والتحم مع العدو بقتال مستميت وأوهم الروم بأن نجدات قد جاءت من المدينة إلى المسلمين. وفي أيام الصدّيق، رضي الله عنه، برز خالد رضي الله عنه، في حروب الردّة، ثم في فتح العراق، وانتِقاله إلى الشام بشجاعةٍ فائقة، وفي معركة اليرموك، ونتيجة هذه المعارك التي خاضها والتي نجح فيها نجاحاً كبيراً.

وتجلّت فيها عبقريته الفذة في القتال أصبح كثير من المسلمين ينظرون إليه نظرةً خاصة، ويُطيعونه، ويرغبون في قيادته، ويتمنون القتال تحت إمرته، بل إن ذلك ليُشجّعهم في الانخراط في صفوف المجاهدين، وحتى ظَنَّ بعضهم أنه لا يُقهر، ولما خرج أحد قادة الروم
الأشدّاء في معركة اليرموك وطلب المُبارزة خرج له أبو عبيدة بن الجراح، رضي الله عنه، وأبو عبيدة فارس مقدام وبطل صنديد قد يفوق خالداً.

غير أن بعض المسلمين قد طلبوا منه أن يعود ويتقدم خالد للنزال فإن المعركة في بدايتها وقتل أحد القادة رفع لمعنوية الصديق كبير، وهزيمة لمعنوية الخصم، وألحّ بعض المسلمين على خالد في ذلك حتى اضطروه أن يطلب ذلك من أبي عبيدة ‏ وهو خجل منه، غير أن أبا عبيدة رفض وأصرَّ على البقاء في موضعه.

وتمَّ النزال، وقتل أبو عبيدة خصمه، وخالد ممن يحترم أبا عبيدة كثيراً ويُعرف فضله ويُقدَّمه لما فيه من صفات ولسابقته، وكذا كل مسلم، وخالد مسلم. ولما تولّى أمر المسلمين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خاف بفطرته ما آلت إليه نظرة المسلمين بخالد، فكان أول عمل عسكري قام به أن عزل خالداً رضي الله عنه، عن القيادة وولّى أبا عبيدة رضي الله عنه، ولم يُبدِ ما في نفسه.

ولكن تكلم عن أحقية أبي عبيدة وأهليته وسابقته في الإسلام، وقوته وشجاعته التي لا تقل عن شجاعة خالد وقوته، وكان عمر رضي الله عنه، يختار السابقين في الإسلام للإمرة ويُقدّمهم، غير أن كثيراً من المؤرخين رجعوا إلى الماضي يُفتّشون عما كان بين عمر وخالد رضي الله عنهما، ليجدوا فيه سببا لهذا التصرّف، ولكنهم ابتعدوا عن الحقّ، ولم يوفقوا في تعليل هذا التصرّف، فالماضي جاهلي يمقته عمر رضي الله عنه، والإسلام يجبّ ما كان قبله كما قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم.


شارك المقالة: