الشخصية المتسلطة في مدرسة فرانكفورت في علم الاجتماع:
إنّ تفاقم التشاؤم في مدرسة فرانكفورت وانقطاعها عن جذورها الأوروبية، تأكد رمزياً عام 1941 باستقرارها الأبعد باتجاه الغرب، في كاليفورنيا، في ذلك التاريخ التحق هوركهايمر بلوس أنجلس تبعاً لرأي أطبائه، ثم لحق به أدورنو، في حين بقي قسم من أعضاء المعهد مثل جان بولوك وهربرت ماركوز في كولومبيا.
ومع هذا الانتقال انقطعت آخر الروابط مع أوروبا، أغلق فرع باريس أبوابه عام 1940، وطبعت في العام ذاته مجلة المعهد باللغة الإنكليزية، وكما سيوضح هوركهايمر لم يعد للفلسفة وللفن وللعلم، فيما يبدو، مكانها في أوروبا، إنّ أمريكا هي القارة الوحيدة التي تستطيع الحياة العلمية أن تستمر فيها.
وفي الفترة ذاتها اتجه المعهد صوب الأعمال الأمبيريقية المتحورة تحديداً حول دراسة الشخصية المتسلطة، ففي دراسة جماعية شهيرة بإدارة أدورنو، أجرى باحثون تحقيقاً حول صورة الشخصية التي توصف بالمتسلطة، والتي قد تكون من عوامل التعلق بالأطروحات العنصرية، وعدا عن ذلك فإنّ أدورنو وهوركهايمر اللذين أصبح تشاركهما وتعاونهما الفكري أكثر بروزاً، كما في كتابهما الشهير ديالكتيك العقل الذي طبعاه عام المجتمع، فإنّ تحليل صراع الطبقات أخلى مكانه إلى الوصف القاتم للصراع الأوسع بين ملاحظة “خسوف العقل” (عنوان كتاب لهوركهايمر)، وأدوته العالم، البيّنة في انطلاقة الإدارة والتقنية، فقد رأي أدورنو وهوركهايمر في التوتاليتارية امتداداً طبيعياً لليبرالية البرجوازية، واجتهدا في رفض مجمل تقاليد عصر الأنوار، بما فيها ماركس، بقي ملجأ وحيد، هو الفكر مُديناً بلا رحمة هؤلاء المؤهلين فكرياً.
وعلى الرّغم من ضخامة الأعمال التي طبعها أدورنو بعد الحرب، فإنّ الفترة الأكثر خصباً للمدرسة أصبحت الآن خلفها، لقد عانى انتشار أعمالها بشكل كبير من العزلة وعدم استقرار المنفى، وفي نهاية الأربعينيات عاد قسم من أعضاء المعهد إلى ألمانيا، وبعد الهاشمية حصل اعتراف جامعي وإعلامي فائق، أمّا هور كهايمر، الذي حظيت شهرته بالإجماع، وهو الملاحظ لعالم أصبح منقاداً بالكامل، ولفرد مختزل إلى وظيفته، فقد حكم على النقد الاجتماعي بالعجز، فهذا النقد لم يعد قادراً على النضال في سبيل التغيير.
قبل المنفى، جرت العادة على تسمية المعهد بمقهى ماركس، ومن الآن فصاعداً أصبح الطلاب يدعونه من باب الدعابة، باسم مقهى ماكس، مشيرين بذلك إلى الاسم الأول لماكس هوركهايمر وفي الوقت نفسه إلى الابتعاد الذي حصل عن الماركسية والطموحات الثورية، وبعد أن وجد في الدين الملجأ الأخير، أصبح العجوز هوركهايمر محافظاً.