الصليبيون في عهد الخليفة المسترشد بالله

اقرأ في هذا المقال


الخليفة المسترشد بالله:

هو الفضل بن أحمد المستظهر، أبو منصور، المسترشد بالله، أنشئ في ربيع الأول سنة (485 هجري)، ووالدته أم ولد، تمَّ مُبايعته بالخلافة عند وفاة أبيه في ربيع الثاني سنة (512 هجري)، فكان عمره يومذاك سبعاً وعشرين سنة.كان ذا همةٍ عاليةٍ، وشهامةٍ زائدة، وإقدام ورأي، وهيبة شديدة، ضبط أمور الخلافة ورتبها أحسن ترتيب، وأحيى رسم الخلافة، ونشر عظمها، وشيد أركان الشريعة وطرز أكمامها، وباشر الحروب بنفسه.

لم يوصف العيش للصليبيين في ديار الإسلام إذ كانوا يتعرضون للهجومات باستمرار، ولهجوم المسلمين بشكلٍ دائم، فبعد أن دخلوا القدس عام (492 هجري)، ونقضوا ما كان بينهم وبين العبيديين من اتفاق في أن يحتل الصليبيون شمالي بلاد الشام ويأخذ العبيديون جنوبيها غير أن الصليبيين قد تجاوزوا هذا وأخذوا بيت المقدس غير مبالين بالعبيديين بعد أن شعروا بالنصر، وساروا نحو هدفهم وهو بيت المقدس غير مُهتمين بالنتائج وما تؤول إليه، عندما تصرفوا هذا التصرف كانوا مخطئين سياسياً وغير مقدرين للظروف إذ أصبح الهجوم يأتيهم من قبل العبيديين من الجنوب ومن قبل السلاجقة من الشمال.

الهجمات على الصليبيين:

وجه الوزير العبيدي الأفضل بن بدر الجمالي حملةً كبيرةً بقيادة سعد الدولة الذي كان حاكم بيروت، وقد تجمعت هذه الحملة في عسقلان، واتجهت عام (494 هجري)، إلى الرملة لتهديد بيت المقدس ويافا غير أنها فشلت ولم تؤدِ الغرض الذي قامت من أجله.

وعاد الأفضل فوجه عام (495 هجري)، حملةً ثانية، وجعل إمرتها لابنه شرف المعالي. واتجهت إلى اللد والرملة كسابقتها ولتهديد بيت المقدس ويافا، فخرج للقائها ملك بيت المقدس الصليبي (بلدوين) فانهزم، وفرََّ إلى الرملة ولاحقه المسلمون ففرَّ متنكراً، واستعاد المسلمون الرملة. وحاصر المسلمون يافا فجاءتها نجدات من البحر فاستغل (بلدوين) هذه النجدات وهاجم بها المسلمين وانتصر عليهم.

وأرسل الأفضل حملتين إحداهما برية والأخرى بحرية، واستنجد (بلدوين) بأمير الرها، وأمير إنطاكية فأنجداه، واستطاع بعدها إحراز النصر. وجهز الأفضل جيشاً كبيراً بقيادة ابنه سناء الملك، ودعمه بأسطول بحري، وطلب دعم السلاجقة أيضاً فأجابوه، وجرت أول معركة عام (498 هجري)، وظهر فيها التعاون بين السلاجقة والعبيديين، ومع ذلك فلم تكن نتائجها واضحة. وبدأت بعد ذلك غارات العبيديين على البُلدان التي سيطر عليها الصليبيون فقد أغاروا عام (499 هجري)، على يافا.

وفي العام التالي على الخليل، وفي العام الذي بعده وصلوا إلى أسوار بيت المقدس، وكذلك عادوا للإغارة على بيت المقدس عام (518 هجري)، وحاصروا مدينة يافا. وأما من جهة الشمال فقد قضى السلاجقة على حملةٍ صليبيةٍ جاءت من غربي أوربا لدعم الوجود الصليبي في بيت المقدس، ولم يصل منها إلى هدفه إلا من فلَّ هارباً ونجا من القتل، وذلك عام (494 هجري).

وعمل الأمير غازي كمشتكين مصيدةً لأمير إنطاكية الصليبي، وسجنه أسيراً عام (494 هجري)، وتمكّن في العام التالي أن يستعيد ملاطية من الصليبيين وأن يأخذ أميرها أسيراً. وفي عام (497 هجري)، سار أتابك الموصل جكرمش، والأمير سقمان بن أرتق صاحب ماردين لقتال الصليبيين في الرها، وتمكنا من إبادة الجيش الصليبي في معركة جرت بين الطرفين قُرب (حرّان)، ووقع (بلدوين) و (جوسلين)، في الأسر.

وفي سنة (499 هجري)، دخل أمير دمشق طغتكين على بلاد الجليل شمال فلسطين. ودخل أمير الموصل مودود عام (505 هجري)، وهاجم الصليبيين، وفي السنة التالية ذهب إلى منطقية طبريا، ودخل على مدينة طبريا. كما أعطى السلطان محمد السلجوقي توجيهات لحملةٍ كبيرةٍ لقتال الصليبيين بإمرة برسق فهاجمت أفأميا عام (509 هجري).

وفي عام (513 هجري)، سار إيلغازي بن أرتق بمن معه من التركمان لقتال الصليبيين في إنطاكية والتقى معهم في معركة قرب حلب فدمر الجيش الصليبي، وقتل قائده روجر في المعركة. وفي عام (514 هجري)، هاجم النصارى الكرج، ومن معهم من القفجاق، وهم من الكفار هاجموا ديار المسلمين، وأحرزوا نصراً على المسلمين.

وفي عام (518 هجري)، هاجم الصليبيون مدينة صور، وكانت للعبيديين، وسار بلدوين الثاني أمير الصليبيين في بيت المقدس إلى الشمال لفك أسر (بلدوين) و (جوسلين). اللذين وقعا في الأسر عام (497 هجري)، فأسرع إليه (بُلك الأرتقى) فهُزِمَ جيشه، وأخذه أسيراً أيضاً وضمه إلى بقية الأمراء الأسرى عنده. وفي عام (523 هجري)، حاصرالصليبيون دمشق، ولكن فشلوا في اقتحامها.

وفي العام التالي استطاع الصليبيون أن يدخلوا قلعة القدموس، لكنهم هزموا عام (526 هجري)، أمام شمس الملوك صاحب دمشق، واضطروا إلى ترك مدينة بانياس وقلعتها. وفي عام (527 هجري)، جاءت أعداد كبيراً من التُركمان من الجزيرة، واتجهوا إلى طرابلس فقاتلوا الصليبيين فيها.

وفي العام التالي دخل سوار أمير حلب الصليبيين إلى معرة النعمان. وبدأ عماد الدين زنكي في عام (529 هجري)، يتجه بهجماته على مناطق الصليبيين الموجودة على شرق نهر العاصي ليتكون الفتح تدريجياً فاستطاع الاستيلاء على معرة النعمان، ودخل على قنسرين وشيزر وحمص.

وهذه هي الهجومات التي كانت على الصليبيين من الجنوب ومن الشمال، ثم توسعت على إمارة طرابلس في الغرب فكانت هذه الهجمات تقض مضاجعهم وتُقلقهم باستمرار، ثم بدأت تظهر دولة عماد الدين زنكي، وتتوسع على امتداد الإمارات الصليبية، ويخطط عماد الدين للسير بالفتح بصورة تدريجيةٍ ومركزةٍ.

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر الجزء الثاني صفحة (258 – 260)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: