الصليبيون في عهد الخليفة الظاهر بأمر لله

اقرأ في هذا المقال


الخليفة الظاهر بأمر لله:

هو الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن أحمد الناصر لدين الله، ولد سنة (571 هجري)، وبويع بالخلافة عند وفاة أبيه سنة (622 هجري)، فكان عُمره يومذاك اثنتين وخمسين سنة. وقد أحسن إلى الرعية، وأبطل المكوس، وأزال المظالم، وفرّق الأموال.

الأحداث التي جرت في عصر الصليبيون:

بعد الانتصارات التي أحرزها صلاح الدين الأيوبي ‏رحمه الله على الصليبيين عام (575 هجري)، في مرجعيون، ومهاجمة جيش المسلمين لمدينة عكا مما جعل بالدوين الرابع إلى عقد صلح مع المسلمين، كما قام صلاح الدين بالهجوم على انطرطوس الأمر الذي أرعب ريموند الثالث، واضطر إلى عقّد هُدنة مع صلاح الدين.

ذهب صلاح الدين بعد عقد الصلح إلى تقوية جميع الأوضاع الداخلية، وتعزيز جيشه غير أن أرناط قائد حصن الكرك الصليبية انتهز الوقت عند انشغال صلاح الدين بأمور بلاده فذهب نحو تيماء راغباً في الوصول إلى المدينة المنورة، واستولى في طريقه على قافلة للحجاج المسلمين، وسلب الأموال، وأسر الرجال، ووصل إلى ساحل البحر الأحمر فأغضب بذلك صلاح الدين فذكّر الصليبين بالهدنة.

وفرض على ملك القدس الصليبي أن يأمر أرناط بالتوقف عن تعدياته فلم يتقبل أرناط ذلك، ولم يفعل أي شي بالدوين الرابع، وهذا ما جعل بصلاح الدين أن يذهب من مصر للهجوم على حصن الكرك في الأردن، وأن يسير نائبه على دمشق ابن أخيه فرخشاه للهجوم على طبريا وعكا، وقد استولى على الشقيف، والتقى الجيشان المسلمان مع الصليبيين في معركة كان النصر فيها حليف المسلمين.

دخل صلاح الدين إلى دمشق، ثم غادر منها عام (578 هجري)، وبعث ابن أخوه للهجوم على بيسان، وذهب هو بعده وقاموا بهزيمة الصليبيين هزيمة قوية. رأى صلاح الدين أولى أولوياته هو أن يفصل الإمارات الصليبية بعضها عن بعض، وحشد جنده من دمشق، ومصر، وحلب، والجزيرة، وسار عام (579 هجري)، إلى بيسان فاستولى عليها، وحاصر الكرك والشوبك، وانتصر على الصليبيين قرب صفورية، وتجمع الصليبيون هناك فسار هو إلى طبريا واحتلها.

ثم عسكر قرب حطين وتقدّموا إليه النصارى، وهم مُنهكين يحتاجون لشرب الماء، فقام المسلمون باستقبالهم فعملوا فيهم قتلاً وأسراً، فكان ممن أسر الملك وأخوه، وأرناط، وأمير جبيل، وقَتَلَ صلاح الدين أمير الكرك بيده نتيجة ما اقترف، وكانت معركة حطين في (25) ربيع الثاني عام (583 هجري)، وهي من أعظم الانتصارات، ثم تقدمت الجيوش الإسلامية على الناصرة، وقيسارية، وحيفا، وصفورية، ويافا، والرملة، وغزة، وبيت جبرين، وعرض على الصليبيين تسليم القدس فدخلها عنوةً في (27) رجب سنة (583 هجري).

ثم استولى على عسقلان، وعكا، واستسلمت صرفند، وصيدا، وبيروت، وجبيل، لا يوجد أثر للصليبيين بعد هذه الانتصارات التي حققها صلاح الدين من إمارة بيت المقدس سوى صور فكانت مركزاً لتجمعهم، ومن إمارة طرابلس سوى المدينة نفسها وحصن الأكراد وانطرطوس، ومن إمارة إنطاكية سوى المدينة نفسها والسويدية وحصن المرقب.

الحملة الصليبية الثالثة:

كان لفتوحات صلاح الدين للقدس وللإنجازات الواسعة والممتدة التي قام بتحقيقها لِمَا لها آثار كبير في أوروبا إذ أخذت الصيحات الصليبية تتعالى، والنصارى يتنادون للسير إلى بيت المقدس لدعم إخوانهم ومهاجمة المسلمين، ووجه البابا غريغوري الثامن كتباً إلى ملوك فرنسا، وألمانيا، وإنكلترا يحثهم على حرب المسلمين، واستجاب هؤلاء لهذا النداء، وحشدوا جموعهم وتحركوا نحو ديار الإسلام فكانت الحملة الصليبية الثالثة عام (585 هجري).

سارت الحملة الصليبية الثالئة بإمرة ملك إنكلترا ريتشارد قلب الأسد، وملك فرنسا فيليب أغسطس، وإمبراطور ألمانيا فريدريك بربروسا. وقد انطلق ملكا انكلترا وفرنسا إلى جزيرة صقلية عن طريق البحر وقضيا فصل الشتاء.

وأما أمبراطور ألمانيا فذهب واتجه براً مارّاً على القسطنطينية على الرُغم الخلافات التي كانت بينه وبين الامبراطور البيزنطي إسحاق الثاني كذلك دخل مناطق السلاجقةالروم في مدينة قونية، مما وجد ترحيباً من الأرمن في كيليكيا غير أنه غرق وهو يعبر نهر سيحان في كيليكيا فتفرّق جنده، وأصاب المرض بعضهم، وتابعه ابنه الطريق بعد أن عوفي واتجه نحو عكا فألقى الحصار عليها عام (586 هجري).

ثم وصل إلى مدينة عكا ملكا انجلترا وفرنسا مع جندهما وتصدت مدينة عكا، كما التقى صلاح الدين مع الصليبيين في عدة معارك غير أنه اضطر أن يغادر المنطقة بسبب الأوبئة التي انتشرت، وضيّق الصليبيون الحصار على عكا فاضطرت إلى الاستسلام بعد حصار دام عامين، وبرز ريتشارد قلب الأسد ملك إنكلترا بين الصليبيين لِمَا عُرِفَ عنه من قسوة وسوء فقد قتل أسرى عكا جميعاً وعاد ملك فرنسا إلى بلاده.

وطمع ريتشارد قلب الأسد في دخول القدس فاستولى على حيفا وأرسوف بعد أن انتصر في الثانية منهما على صلاح الدين في وجهه وأحكم الدفاع عن القدس حتى يئس ريتشارد قلب الأسد من الوصول إلى هدفه، وانتشرت الأمراض بين الصليبيين، واضطربت الأمور في إنكلترا فاضطر ريتشارد قلب الأسد إلى عقد صلح مع صلاح الدين عام (588 هجري)، عُرِفَ باسم صلح الرملة، وبذا تكون الحملة الصليبية الثالثة قد فشلت ولم تصل إلى هدفها.


شارك المقالة: