العادات والتقاليد وأثرها في الفرد والمجتمع

اقرأ في هذا المقال


العادات والتقاليد وأثرها في الفرد والمجتمع:

العَادَة: كلُّ ما اعتاد عليها الأشخاص حتى صارت عمل يُفعل من غير جهد، أو هي: العادة التي تتكرَّر على نهج واحد.

وللعادة أثر لا يخفى في ثقافة المجتمع وأخلاقه جميعها؛ ممّا يعكس ذلك إيجاباً أو سلباً بشكل كبير عليه وعلى سيرته، والعادات تؤخذ وتُكتسَب ومتوارثة، فجزء كبير منها يُعتبر تقليد للآخر، وصولاً إلى التطبّع بطبيعته في أمر من الأمور أو مجال من المجالات، وهذا يدلّ على أمرين:

الأمور التي تدل عليها العادة والتقليد:

الأمر الأول: يوجد بين العادة والتقليد اتصال وتوثيق، فمع مرور الأيام تصبح العادة كأنها تقليداً، لكن التقليد يكون مع الأيام أيضاً يصبح عادة، حين يعتاد عليها الشخص أو المجتمع، أما الأمر الثاني: أن إفراز وتقسيم العادات تأتي من طبيعة الحياة الاجتماعية، فالإنسان شخص بطبعه متفاعل مع من حوله، ومن هنا كان لا بدّ أن يؤثّر ويتأثر، وعلى ذلك تجد بعض العادات قد بدأها شخص واحد في المجتمع؛ ثم حاكاها غيره حتى تأصّلت وتجذّرت وانتشرت وتم الاعتياد عليها.

هكذا وبهذه الطريقة يكون ثباتها في نفوس الأفراد وأبناء والمجتمع بشكل كبير جداً، فقضية التكرار إضافة إلى عامل الزمن أمران مهمّان في تثبيت العادة وانتشارها، حتى تصل أحياناً إلى مرحلة اللاعودة، وتكتسب قداسة، بحيث تصبح جزءاً لا يمكن انفصاله من ذات الشخص وكيان المجتمع، لهذا تجد عادات بعض الشعوب قد مرّ عليها مئات السنين ولا تزال كما هي باقية ببقائهم.

بعض العادات تبدأ بهيكل عادي وطبيعي، بل قد تأتي عن طريق تجربة الجديد، أو قد تأتي على هيئة ممن محبة ابتدأها وقام بها، وقد يُهاجم أول الأمر أو يُصدّ أو يُنظر إليه بشكلٍ غير طبيعي، وقد يُرمى بالغرابة والجنون وما شابه، ولكنها ما تلبث أن تشقّ طريقها بالتكرار كما أسلفنا نحو التأصّل، حتى يصبح صاحبها الغريب بطلاً مُشرّعاً، ويصل الأمر بالعادة في حياة المجتمع ومفرداته إلى أن يُنبَذ كل من يخالف تلك العادة أو ينال منها، ويُنظر إليه هو كغريب.

هكذا يكون الحال في نمط تطوّر العادة والتقليد في النفوس والمجتمعات، إذّ تكون العادة قسم من أصناف هوية الشخص والمجتمع؛ لكنها بذلك تحصل على أهمية بالغة، وتُحاط بحاجز حماية لا يمكن المساس بها، حتى تصبح التضحية بالنفس والنفيس في طريق الحفاظ عليها، وتكون مصونةً وتكون من أهمّ المهمّات في المجتمع وأفراده.

لا بد من معرفة أن تقاليد الحياة اليومية بما فيها من وسائل تستجد وتستحدث بشكلٍ كبير في كل لحظة تمضي؛ حيث أنها تؤثّر بشكل أو بآخر في عادات وتقاليد الناس والمجتمعات، وقد يكون تأثيرها إيجابياً أو سلبياً بحسب ما يؤمن به الفرد والمجتمع وما يراه مهمّاً في شخصه وحياته ونسيجه، ولكن المهم أنها مؤثّرة وبدرجة ملحوظة.

فهذه العوامل قد عملت على عمل تسيّج العادة بسياجٍ يحمي وجودها ويطيل أمدها، وبالكلام عن أنواع العادات؛ نجد أن هناك عادات إيجابية مرتبطة بالأخلاق الحميدة ومتصلة بالعقيدة السليمة والدين القيم الحنيف، وتُعد مُعينةً على المروءة، ومُساهمة في غرس القيم الفاضلة في الأفراد والمجتمعات، وهذه ممّا يشجّع عليها الدين ويحميها.

إذّ أن هناك مجموعة من العادات والتقاليد التي تُعد من تصنيف المُباح، إذّ أن لا يوجد فيها وجوب ولا عنها نفي، وهي ما كانت غير مرتبطة بمجموعة من العبادات والمعاملات، ولا يوجد فيها أي أسئلة على أحد، وهناك العادات السلبية وحكمها معروف في الشرع والدين، وأخطر الأنواع هي العادات التي تكون في نظر بعض المجتمعات أو الأفراد من قبيل الحقّ والجودة التي لا ينبغي الكلام فيها ولا المراجعة ولا السؤال، وهنا نشير إلى وجود فرقٍ مهمّ قد لا يدركه المتعوّدون خاصّة، وهو مراجعة ميزان تلك العادة والنظر في معاييرها ومقاييسها.

حيث أنها قد تكون مُحاطة بوهمٍ كبيرٍ من الأهمية النائية، وترتبط بميزانٍ مُختلّ ليس فيه صرفٌ ولا عدل، إلى درجة لا يجوز فيها السؤال عنها أو معرفة شيئ ما، ولأجل هذه القيم يُسدّ رأي الصغير والكبير، حتى ينشأ الطفل وهو لا يعرف عنها إلّا أنّها ذات ثقافة العيب، فلا يمكن أن يفكر في هتْك ستار ذلك العيب، أو التعرّض لما يمكن أن يجعله في دائرة الاتهام أو العزلة أو العقاب، لهذا لا تكاد تجد إنساناً عاقلاً يسير حسْب ما هو مُتّفقٌ عليه في المجتمع بغضّ الطرْف عن صحّته من غيرها، بل لا بدّ أن يراجع نفسه.

وعند إعادة هيكل النظر فيما يعمل على عملية الفرض عليهم أو يجدهم كذلك، حتى تتم عملية الوصول إلى نتيجةٍ ترضي عقله ويطيب بها خاطره الذي حفّزته إليه قواه العقلية وتفكيره، حتى إنك لَتجد لهذه الفئة مميّزات في نمط شخصيّتها يختلف تماماً عمّن يسير خلف القوم بلا وعيٍ أو حساب، وهؤلاء حقيقة هم من يغيّرون الواقع المُعتاد.

ويخترقون الكثير من العادات المفروضة، وفي هذا مقولة صاحب الأذكياء: “يسْتَدلّ على عقل الْعَاقِل بسكوته وسكونه، وخفض بَصَره وحركاته فِي أماكنها اللائقة بهَا، ومراقبته للعواقب؛ فَلَا تستفزه شَهْوَة عاجلة عقباها ضَرَر، وتراه ينظر فِي الفضاء فَيتَخَيَّر الْأَعْلَى والأحمد عَاقِبَة من مطعم ومشرب وملبس وَقَول وَفعل، وَيتْرك مَا يخَاف ضَرَره، ويستعد لما يجوز وُقُوعه” الأذكياء لابن الجوزي.

ولهذا السبب لا نكاد نجد شخصاً عبقرياً في علم من العلوم، إلا وقد نجد مسيرته خالية من طبع العادة وما تعوّد عليه أغلب المجتمع، وقد ترسخ في أذهانهم من قناعاتٍ حدّدت أماكنهم التي بقوا فيها وماتوا عليها.

أيضاً في تقاليد الحياة الواقعية؛ مجرّد حدوث فكرة التغيير في نمط الحياة الشخصية أو الحياة الاجتماعية على مستوى الفرد أو المجموعة، حيث يُعدّ أمراً له أهمّية مُعتبرة ومؤكدة، وقد يصل هذا الأمر إلى درجة الثورة على الواقع، أو على العقل، أو على الذات، لأنك ستُدخِل إلى الحياة شيئاً جديداً لم تعهده من قبل، أو تُخِرج منها شيئاً لم تفارقه من قبل، وهنا يكمن التحدّي، وتتحدّد درجة الخطوة ومستوى المواجهة.إن ممّا يعين في القضاء على عادةٍ من العادات، أو يعين على تثبيتها هي القيم التي يتحلّى بها الفرد أو المجتمع، ودرجة قوّتها من ضعفها، وصوابها من انحرافها.


شارك المقالة: