العلاقة بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية

اقرأ في هذا المقال


العلاقة بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية:

عاش طغرل بك في بغداد (13) شهر، وقد عمل على تقوية مصالح السلجوقي في مدينة الخلافة، وتطبيع صلة السلاجقة بالخلافة. كما دفعت الخلافة من جانبها، على تدعيم الرابطة بينها وبين هذه المرحلة الجديدة. فتزوج الخليفة القائم من أرسلان من خاتون خديجة ابنة داوود جفري بك، أخ طغرل بك وذلك في عام (448 هجري)/(1051‏ ميلادي)، فتم بذلك التقارب بين البيتين العباسي والسلجوقي، واستقر نفوذ السلاجقة في العراق.

في ذروة هذه الإنجازات التي قام بها طغرل بك، قام البساسيري، من مقره الجديد؛ الرحبة، بحركة قوية عسكرية وسياسية، وكان الهدف منها طرد السلاجقة من بغداد. فمن ناحية القوة العسكرية، انتصر في الاستيلاء، على الموصل، بعد أن هزم السلاجقة قرب سنجار في عام (448 هجري)/(1056‏ ميلادي)، وأخذ يستعد لدخول بغداد. وعلى الصعيد السياسي، أعلن انضمامه إلى الفاطميين، وخطب للخليفة الفاطمي الذي أرسل إليه الخلع، مما أحدث اضطرابات مذهبية عنيفة.

في هذا الوقت، كان يُعاني طغرل بك من عدة مشاكل داخلية، مما اضطر إلى الخروج من بغداد في عام (449 هجري)/(1057‏ ميلادي)، وسار إلى الموصل لوقف المشاكل التي أثارها البساسيري ضده، فبسط نفوذه على ديار بكر، ثم عاد إلى بغداد، حيث استقبله الخليفة بالترحاب ولقبّه (ملك المشرق والمغرب)، ويدل هذا التلقيب على أن الخليفة، اعترف لطغرل بك بما أضحى تحت يده من البلاد في المشرق، وأذن له باستخلاص المغرب من الفاطميين.

ثم حدث أن تعرض طغرل بك مشاكل جديدة كان أهمها التسلط قام به أخاه إبراهيم اينال في بلاد الجبل. مما أجبره من خروجه من بغداد، مرة أُخرى لقمع هذا التمرد. فأخذ البساسيري فرصة بذلك، ووصل بغداد في شهر ذي القعدة عام (450 هجري)، شهر كانون الأول عام (‎1058‏ ميلادي)، وبقي فيها الخليفة الفاطمي مُدة عام كامل، وخرج الخليفة منها إلى منطقة عانة، مُلتجئاً إلى قريش بن بدران. وأخذ يراسل طغرل بك يستغيث به.

فيما يتعلق بالخلافة الفاطمية، لم تكن لديها القدرة الكافية لدعم البساسيري حتى تحتفظ بما وصلت إليه، كما لاحظ أن ثقته في هذا الرجل، لم تكن كافية، لذلك لم تقوم بعمل جدّي، وتركته يواجه الموقف منفرداً أمام قوة السلطان الذي ما لبث أن عاد إلى العراق، بعد أن فرغ من إخماد تمرد أخيه. واضطر البساسيري إلى الخروج من بغداد لعدم قدرته على الوقوف في وجه الجيش السلجوقي، ومن ثم قُتِلَ في عام (451 هجري)/(1059‏ ميلادي).

وبعد أن وصل طغرل بك منطقة بغداد، قام الخليفة بدعوه للعودة إلى عاصمته واستقبله في النهراوان، وأبدى احتراماً وإجلالاً بعودته. وبذلك استتب الأمر للسلاجقة فى العراق وأصبحوا يمثلون ظاهرة جديدة في حياة دولة الخلافة العباسية. فقد اختلف موقفهم تجاه الخلافة عن موقف البويهيين، بشكل عام، فكانوا يحترمون الخلفاء تديُناً ينبع من عقيدتهم ونشأتهم السنية.

ومن ناحية أخرى، تمكن السلاجقة أن بعملية توحيد المشرق الإسلامي من جديد تحت رايتهم ويمدوا رقعته في غربي آسيا إلى حدود البوسفور من خلال جهاد الدولة البيزنطية، ويستولوا على مُعظم بلاد الشام من الفاطميين. ظلت العلاقات الطيبة قائمة بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية ما يُقارب ثمانية عشر عاماً مُنذ أن أعلن طغرل بك قيام دولته في خراسان. والراجح أن الظروف السياسية التي ذكرت، والتي أحاطت بالطرفين حتمت أن تكون هذه العلاقات وثيقة.

لكن سرعان ما ازدادت الشحنات بين الطرفين، نتيجة مُحاولة طغرل بك الاستكثار بكافة السلطات في العراق، حتى تلك المُرتبطة بالخليفة، وأيضاً بسبب أنه نقل ثروات العراق المالية إلى خزينة الدولة السلجوقية. فقد كان نائباً عنه في حكم بغداد، قبل أن يعود إلى عاصمته الري، موظفاً سلجوقياً أطلق عليه اسم (العميد). كما عيّن موظفاً آخر لحفظ الأمن يُعرف بـ (الشحنة)، يأتمر بأمره، ويتمتع بنفوذ كبير حتى على الخليفة. وترك في بغداد حِامية عسكرية، وضمّن بعض المدن لخواصه.

وهكذا أضحى الخليفة العباسي مُجرداً تماماً من سلطاته، واستأثر نواب السلطان بالسلطة. ومما زاد الأمور تفاقُماً، محاولة السلطان ربط البيتين العباسي والسلجوقي بالمصاهرة. فخطب ابنة الخليفة، متجاوزاً بذلك، تقاليد الخلافة العباسية، وهذا مطمح لم يسعَّ إليه أحد من قبل.

ويبدو أن حركته نحو هذه الخطوة، كان المنفذ الوحيد لتقوية سلطته السياسية بوصلة أدبية قوية مع الخلافة العباسية. لكن الحقيقة يمكننا القول أن السلاجقة طمعوا في منصب الخلافة، إلا أنهم افتقروا إلى شرط النسب باعتبارهم أعاجم. وهدى التفكير طغرل بك إلى الزواج من ابنة الخليفة أملاً في أن يلد منها ولداً يكون له من شرعية النسب وقوة السلاجقة ما يوصله إلى سدّة الخلافة.

كانت نتيجة سلبية، فقد غضب الخليفة القائم من ذلك واستعفى السلطان، فلم يعفه. وانجبر إلى قبول الأمر بتزويج ابنته له في عام (455 هجري)/(1063‏ ميلادي)، ولما آلت سلطنة السلاجقة العظام إلى ألب أرسلان في عام (455 هجري)/(1063‏ ميلادي)، ظلّت الأوضاع كما هي عليه من استئثار السلطان بالسلطة دون الخليفة.

ففي عام (458 هجري)/(1066‏ ميلادي)، عيّن السلطان ابنه ملك شاه وليّاً للعهد من بعده، وأمر بأن يخطب له في جميع البلاد التي يحكم فيها، ومنها بغداد؛ دون أن يأخذ رأي الخليفة في ذلك التعيين، وفي تلك الخطبة. ولم يُبلّغه رسمياً إلآّفي عام (464 هجري)/(1072‏ ميلادي)، أي بعد ستة أعوام.

وعيَّن السلطان في العام المذكور أبا العلاء محمد بن الحسين وزيراً دون علم الخليفة، الذي استاء من هذا التصرف، واعتبره تدخُلاً في شؤون الخلافة الخاصة، ورفض استقباله. وتعرّض الخليفة في عهد السلطان ملكشاه. لكثير من الامتهان. وتجرّأَ بعض نواب السلطان على مشاركته في بعض مظاهر سيادته الدينية. فضرب سعد الدولة كوهرائين شحنة بغداد، الطبول على باب داره رُغماً عن الخليفة.

الأحداث التي جرت مع الخليفة السلطان:

في نهاية حكم هذا السلطان، تفاقمت علاقة الخليفة به سوءاً، حتى قام بطرده من بغداد، ونقل دولة الخلافة إلى أصفهان، تمهيداً لتعيين ابن ابنته خليفة. لكن القدر كان بانتظار السلطان. فكفى الخليفة شر عزله. تعرضت دولة السلاجقة العظام، بعد وفاة ملك شاه في عام (485 هجري)/(1092‏ ميلادي)، للانقسام والضعف بسبب النزاعات التي نشبت بين أولاده.

وقد انعكس ذلك على أوضاع الخلافة العباسية التي تصرفت وفق ما تمليه مصلحتها للانعتاق من الطوق السلجوقي. فوقفت موقف المتفرج أحياناً من هذه النزاعات، في حين تأرجحت باعترافها بين مراكز القوة أحياناً أخرى، وأحياناً كانت تمنحه لأكثر من شخص، في وقت واحد، أو للغالب؛ في محاولة لضرب القوى السلجوقية بعضها ببعض.

استغل الخليفة المسترشد ومن أتى من بعده من الخلفاء، هذه الفرصة. وأخذوا يُشكلون على استعادة ما كان للخلافة من سلطات، وقام بمساعدتهم على ذلك ابتعاد السلاجقة العظام عن بغداد بحيث أضحى الخليفة بعيداً عن تأثير النفوذ المباشر للسلطان السلجوقي، وقد سار هذا الخليفة خطوات في هذا الطريق إلا أنه في النهاية ذهب ضحية محاوليه، ثم استطاع المقتفي في السنوات الأخيرة من حكمه. أن يحقق جُزءاً كبيراً من الهدف الذي أخفق المسترشد في تحقيقه مُستغلاً تطور الأوضاع السياسية لغير مصلحة السلاجقة.

ففي عام (536 هجري)/(1141 ميلادي)، خسر السلطان سنجر، ويعد نهاية السلاطين السلاجقة العظام، أمام القراخطائيين. كما نشبت الخلافات السلجوقية الأُسرية في كل من خراسان والعراق في عام (541 هجري)/(1146 ميلادي). هذا في الوقت الذي أخذ الخليفة يُقوّي مركز الخلافة من الناحية العسكرية. فأمر العامة. ببجمع السلاح، وحفر الخنادق حول بغداد وأصلح أسوارها.

انتعاش الخلافة العباسية:

يُعتبر عام (543 هجري)/(1148 ميلادي)، البداية الفعلية لانتعاش الخلافة العباسية، وكان
ذلك نتيجة عجز السلطان مسعود السلجوقي حاكم العراق، عن إخضاع أُمراء الأطراف الذين ثاروا عليه، مما أعطى الخليفة فرصة النهوض بالدولة. ولما توفي السلطان مسعود في عام (547 هجري)/(1152 ميلادي)، فقدت الدولة السلجوقية في العراق، رُكناً كبيراً. فأصابها الوهن، وأخذت بالتداعي. وعمّتها الاضطرابات، مما أَدَّى إلى تقلص النفوذ السلجوقي في العراق شيئاً فشيئاً حتى زال في النهاية.

كان أول عمل قام به الخليفة المقتفي، بعد وفاة السلطان مسعود، هو أنه استولى على مُمتلكات شحنة بغداد، وعزل الموظفين الذين ولّاهم السلطان، وعين بدلاً عنهم موظفين يثق بهم، ثم جهز جيشاً حارب به شُحنة بغداد وهزمه واستعاد منه الحلة والكوفة وواسط.

وانتهج الخليفة سياسة ضرب القوى السلجوقية بعضها ببعض للاستفادة من انقسام أُمراء البيت السلجوقي، فولّى في عام (551 هجري)/(1156 ميلادي)، سليمان شاه بن محمود سُلطاناً على العراق، كما عقد لأخيه ملكشاه بولاية العهد. ثم سيّرهما إلى همذان لقتال السُلطان محمد الثاني.

تفاقم حالة حُكم سلاجقة العراق اضطراباً بعد وفاة محمد الثاني في عام (554 هجري)/(1159 ميلادي). وقد حاول خُلفاؤه إعادة نفوذهم السابق، لكنهم جوبهوا بمعارضة الخلفاء القوية وقد عبّر المؤرخ السلجوقي البنداري عن هذا الموقف المتداعي بقوله: “ووقَعت في أنفسهم من بغداد الهيبة، ومن حصولها الخيبة، فلم يقدم ملك إليها ولا سلطان عليها”.

واستمر الخلفاء في النضال للتحرر من الطوق السلجوقي حتى تحقَّق لهم الخلافة المتجددة إلى الأوج. وتلاشت السلطة السلجوقية من العراق وغربي فارس، لكن محاولات الخلافة فرض سلطتها على فارس، أثبتت إخفاقها رغم أنها نجحت في استعادة الأهواز.

تلاشى حكم السلاجقة العظام في عام (552 هجري)/(1157 ميلادي)، بموت الخليفة
سنجر على أيدي الغز في حين تلاشت دولة سلاجقة العراق في عام (590 هجري)/(1194 ميلادي)، بموت السلطان طغرل الثالث على يد علاء الدين تكش خوارزم شاه. وبسبب هذا التطور دخلت دولة الخلافة العباسية في فترة استقلال فعلي دامت حتى عام (656 هجري)/(1258 ميلادي).


شارك المقالة: