اقرأ في هذا المقال
العناية بالري والتوسع في الزراعة في عهد الفراعنة:
لقد تم التركيز إلى اهتمام ملوك هذه الأسرة بإقليم الفيوم، والواقع أنَّ اهتمامهم بهذا الإقليم لم يكن إلا أحد مظاهر عناية تلك الأسرة بمسألة من أهم المسائل الحيوية لمصر وهي الانتفاع بمياه النيل ومحاولة زيادة الأراضي المزروعة.
وبالرغم من أننا لا يوجد معرفة كم كان عدد سكان مصر في الدولة القديمة. وكم كان أعددهم في الدولة الوسطى، فإن ظواهر الأمور تدل على ازدياد عدد السكان خلال ذلك العهد المزدهر الذي سادته الطمأنينة خلال حكم الأسرة الثانية عشرة. وسواء أكان اهتمام ملوك الأسرة بموضوع مياه النيل راجعاً إلى ضرورة اقتصادية أو كان إصلاحا عادياً للتقديم بالبلاد، فإننا نعرف أنهم كانوا يُسجلون ارتفاع النيل عند الشلال الثاني، عند حصن سمنة؛ وذلك ليطمئنوا على حالة الفيضان ويتخذوا من الاحتياطات ما يكفي لمجابهة الحالة المنتظرة يستوي في ذلك إذا كان الفيضان عالياً أو أقل من المعتاد.
ولم يكن التركيز بإقليم الفيوم راجعاً فقط إلى استغلال البحيرة لتكون خزاناً للمياه في أيام الفيضان ثم الاستفادة من تلك المياه في أوقات التحاريق، بل استفاد الإقليم كله من عمل الجسور اللازمة، لذلك الخزان وتم استصلاح مساحة تقرب من سبعة وعشرين ألف فدان، كما يرجح أيضاً أنّ تكن الأراضي المزروعة في الإقليم قد تحسنت بسبب تلك المشروعات، وبدأت تنشأ مدن جديدة حول البحيرة نفسها على منسوب وعشرين متراً فوق مستوى مياه البحيرة زيادة على المدن القديمة التي كانت قائمة قبل ذلك.
ولا يوجد أدلة ثابتة على أنشاء ملوك تلك الأسرة بأي مشروعات أخرى لاستصلاح الأراضي في غير إقليم الفيوم، ولكن اهتمامهم بمقاييس النيل ونجاحهم الكبير في استصلاح الأراضي في الفيوم يجعلنا نرجح أنَّ جهودهم في زيادة. الثروة الزراعية لم تقف عند حد الفيوم وربما كان لهم نشاط آخر في استصلاح أراضي بعض مناطق الدلتا ولكن لم تصلنا عن ذلك أي وثائق معاصرة حتى الآن، وربما كان المستقبل كفيلاً بذلك.
نظرة عامة في اهتمام الأسرة الثانية عشرة للزراعة:
تلك نظرة عامة على الأسرة الثانية عشرة وعلى الدولة الوسطى بصفة عامة، نشاهد فيها ازدهار الأدب والفن، ونشاهد أيضاً كيف تغلبت مصر على ضعفها في عصر الفترة الأولى وكيف استعادت ثقتها بنفسها، واستأنفت السير في الطريق الذي رسمته لنفسها منذ أنّ كونت أصول حضارتها. ولم تقف مصر خلال أيام الدولة الوسطى جامدة تترسم خطى الدولة القديمة بل نرى تطورها في مختلف الميادين، ونرى تطورها في السياسة الخارجية بل وفي الناحية الدينية أيضاً.
لقد رجع للملك ما كان له من نفوذ وسلطان، وعاد الموظفون إلى تملقه والتمسح في أعتابه، واختفت من لوحات الأفراد، أو كادت، تلك النغمة الحلوة، وهي الإعلاء من قيمة الفرد واعتماده على ما يقدمه من عمل صالح فيضمن النجاح في الدنيا والآخرة، وحلت محلها النغمة التقليدية القديمة وهي أنَّ الخير كل الخير في عطف الملك ورضاه.
ولا ريب في أنَّ أكثر ملوك الدولة الوسطى لم يكونوا عُتاة أو متجبرين في الأرض بل توجد معرفة كافية عن أكثرهم أنهم كانوا يتميزون بعدلهم بين الناس وسهرهم على رعايتهم، ولهذا سرعان ما اطمأن الناس إلى حكامهم وتركوا أمر سعادتهم بين أيديهم ورجعوا إلى تقاليدهم القديمة في تمجيدهم. ولكن ذلك كله لم يغن شيئاً عندما أخذت تتجمع في الأفق سحب قاتمة، وعندما بدأت رياح الأحداث في مصر وفي خارج مصر تدفع بتلك السحب فوق البلاد، وإذا بمصر تتعرض مرة أخرى لفترة ضعف، هي ما نسميه عصر الفترة الثانية.