الفتوحات في عهد أبو جعفر المنصور:
انتهت الفتوحات الواسعة في عهد بني أُمية منذ أواخر عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلا أن حركات الغزو ما زالت مُستمرة لم تنقطع الصوائف والشواتي عن بلاد الروم الذين بقيت دولتهم قائمة، وإن خرجت من المناطق التي كانت تسيطر عليها في بلاد الشام، وشمالي
إفريقية، والأندلس، كما انسحبت من الأجزاء الشرقية من بلاد الأناضول، ودام هذا مُدة أيام هشام بن عبد الملك، ثم شغل الأمويون بأنفسهم، وتضعضعت دولتهم، فتوقفت حتى أعمال الغزو.
وشُغلت الدولة العباسية يوم قامت بتوطيد دعائمها، ويوم رأى أبو العباس أن الأمر قد استقر له أرسل الصوائف إلى بلاد الروم مُستأنفاً بذلك الغزو، ومظهراً عودة القوة، وفي الوقت نفسه يُريد أن يردع ملك الروم الذي استغل انشغال الدولة وقام بالهجوم على بعض الثغور، وعندما تولى الأمر المنصور شغل في أول عهده بأحداث عمه عبد الله بن علي، وأبي مسلم الخراساني وسنباذ.
وهذا ما جعل قسطنطين ملك الروم يدخل ملاطية عنوةً ويهدم سورها، وإن كان قد عفا عن مُقاتليها إلا أنه تقدم في بلاد المسلمين. فلما استقر الوضع للمنصور بعد عام تقريباً من استلامه زمام الأمر أمر عمه صالح بن علي أن يسير على رأس صائفةٍ فاسترجع ملاطية، وأعاد ما هدمه قسطنطين، كما سار في الصائفة التالية عن طريق الحدث، وتوغّل في بلاد الروم، كما فادى المنصور عامها بعض أسارى المسلمين.
من أهم الغزوات في عهد أبو جعفر المنصور:
وبهذا عاد الغزو إلى بلاد الروم بشكل دائم، واشتهر من هذه الغزوات غزوة جعفر بن حنظلة البهراني عام (146 هجري)، وغزوة العباس بن محمد أخي المنصور عام (149 هجري)، حيث توغل في بلاد الروم، وكان معه الحسين بن قحطبة، ومحمد بن الأشعث الذي توفي في الطريق. وغزوة عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن أخي المنصور عام (151 هجري)، وغزوة معيوف بن يحيى الحجوري عام (153 هجري).
وقد غنم المسلمون في هذه الغزوة كثيراً، ووقع في أيديهم ستة آلاف أسير، وغزوة زفر بن عاصم الهلالي عام (154 هجري)، وغزوة يزيد بن أسيد السلمي عام (151 هجري)، وفي الوقت الذي كانت الغزوات تنطلق إلى بلاد الروم كان أبو جعفر يهتم ببناء الثغور كي يُرابط فيها المسلمون، وينطلقوا منها مجاهدين فقد بنيت (المصيصة) عام (141 هجري)، على يد جبريل بن يحيى الخراساني.
أما على الجبهة الشرقية فقد أمر أبو جعفر ابنه المهدي أن يغزو طبرستان، فقام بالغزو، ودخل المنطقة عام (141 هجري)، إلا أن صاحب طبرستان قد عاد ونقض العهد في العام التالي، وقتل عدداً من المسلمين، فسار إليه خازم بن خزيمة على رأس قوةٍ، فتحصّن في حصن منيع، صعُب على المسلمين اقتحامه عنوةً، فاحتالوا عليه، وسبيت يومئذٍ أُم إبراهيم بن المهدي، وأُم منصور بن المهدي، وكانتا من بنات الملوك الحسان اللتين تزوجهما محمد المهدي بن المنصور.
وقتل أهل الديلم عدداً من المسلمين عام (143 هجري)، فغزاهم المنصور، كما سار إليهم في العام التالي محمد بن أبي العباس السفاح عن أمر عمه إذ لا يمكن أن يُصاب المسلمون بأذى في بلاد ويسكت إخوانهم على ذلك إذ يؤدي إلى توقف الدعوة وعدم انتشار الإسلام، ولا بد من أن يشعر المسلمون في أية بُقعةٍ بالعزّة والقوة، وأن وراءهم أُمة قوية، وإن ذلك أدعى لأن يكونوا مهيبين، ويقبل الناس إليهم، ويشعروا بعزّة المؤمنين.
وخرج الترك والخزر بباب الأبواب عام (145 هجري)، وقتلوا جماعةً من المسلمين في أرمينيا فسار إليهم المسلمون وأدّبوهم. وأغار اشترخان خوارزم في جيش من الترك على أرمينيا، ودخل تفليس، وقتل كثيراً من المسلمين ومن أهل الذمة، وأسر كثيرين آخرين فأرسل له المنصور جيشاً بقيادة حرب بن عبد الله الراوندي فقتل في بعض المعارك وذلك عام (147 هجري)، وأسرع حميد بن قحطبة إلى تفليس فوجد الترك قد انسحبوا منها. كما فتحت كشمير عام (157 هجري)، أيام ولاية هشام بن عمرو التغلبي، وكانت قد نقضت العهد.
