اقرأ في هذا المقال
من وجهة نظر علماء الاجتماع أن هناك مجموعة من القوانين التي تخضع لها الظواهر الاجتماعية، وقد تعددت وجهات النظر حول طبيعة هذه القوانين، فبعضها يحوم حول القوانين الموضوعية النقدية والآخر حول القوانين التجريبية.
القوانين التي تخضع لها الظاهرة الاجتماعية
على الرغم من أن المسح الموجز للمحاولات المتعددة لعلماء الاجتماع لإخضاع الظواهر الاجتماعية للقوانين العلمية إلا أنها قد أسفرت عن نتائج سلبية جزئيًا، وذلك لأنهم بعيدون عن إنكار الأهمية الحقيقية لهذه المحاولات وقيمتها، كما لم ينجحوا في صياغة أي علاقات ضرورية وعالمية بين القوانين والظواهر الاجتماعية، ولكنهم أظهروا على الأقل من وجهات نظر مختلفة أن مجال القانون الاجتماعي يقدم انتظامًا معينًا، على الرغم من تعبيرات هذا الانتظام.
لا تزال القوانين التي تخضع لها الظاهرة الاجتماعية تحوم بينما المذاهب الفلسفية والتقريبات التجريبية الغامضة إلى حد ما، بل إن بعض علماء الاجتماع قد سلكوا الطريق الصحيح المؤدي إلى معرفة شاملة لطبيعة هذه القوانين، لكن لسوء الحظ لم يسلكوا الطريق بعيدًا بما يكفي لإدراك ما يقودهم، وقد يُسأل عن الأسباب التي منعت علماء الاجتماع حتى الآن من إعطاء تعميماته الدقة المناسبة والسيطرة على القوانين التي تخضع لها الظاهرة الاجتماعية، وتكون الإجابة على هذا السؤال سهلة عندما يتم ادراك المعنى الكامل للقوانين العلمية للصيرورة.
وتنص القوانين التي تخضع لها الظاهرة الاجتماعية دائمًا على علاقة ضرورية وعالمية لكنها مشروطة بين ظواهر اجتماعية معينة، فإذا حدثت ظاهرة معينة أينما ومتى حدثت فإنها ستخضع لقوانين خاصة بها بالضرورة، وهذه هي الصيغة المختصرة لقانون السببية، ولا تقول هذه الصيغة شيئًا عما إذا كانت الظاهرة ستحدث أو أين أو متى، وإذا لم تحدث أبدًا فلن يكون للقانون تطبيق عملي وسيظل لعبة فارغة من المفاهيم، وإذا حدثت ظاهرة اجتماعية معينة مرة واحدة فقط فسيكون القانون بيانًا تعسفيًا، لأنه لا يمكن اختباره بالتكرار.
فالقوانين لها أهمية حقيقية فقط إذا كانت الظاهرة الاجتماعية التي تخضع لها هي ظاهرة اجتماعية قابلة للتكرار، وأكثر من هذا يجب أن تكون على الأقل من حيث المبدأ إلى أجل غير مسمى وهذا لا يعني بلا حدود، بل يجب أن تكون الظاهرة الاجتماعية قابلة للتكرار لجعل القانون مؤكدًا.
ولكن الظواهر الاجتماعية القابلة للتكرار إلى أجل غير مسمى ممكنة فقط ضمن ما يسمى بالأنظمة المغلقة، أي ضمن مجمعات محدودة من الأشياء والعمليات المستقلة عن التأثيرات الخارجية إما لأنها تظل معزولة بشكل دائم من العالم الخارجي أو لأنها أعيد بناؤها إلى أجل غير مسمى في مثل هذه الظروف التي تكون فيها التأثيرات الخارجية ضئيلة أو قابلة للحساب تمامًا، ولأنه من الواضح أن في ضل هذا التعقيد الهائل والسيولة للعالم الملموس الكلي فإن كل ظاهرة اجتماعية جديدة لا يمكن أن تحدث بتكرار حقًا.
لأن هناك تحولًا وإعادة ترتيب مستمر للأشياء والعمليات التي تؤثر على بعضها البعض، ويبحث علماء الاجتماع عن قوانين مغلقة ومعزولة نسبيًا ومستقرة في الواقع الملموس والمتغير، أو تنشئ قوانين مغلقة بشكل مصطنع في دراساتهم وذلك بتجاهل الاضطرابات الأبدية الضئيلة وتحديد تلك التي لا يمكن تجاهلها بالضبط، وقد نجحوا في إيجاد القوانين التبعية اللازمة التي تخضع لها الظواهر الاجتماعية الموجودة داخل أنظمة العالم المتغيرة.
وبالطبع فإن التطبيق الإضافي لهذه القوانين التي تخضع لها الظاهرة الاجتماعية يعتمد على الوجود المستقبلي لنفس الأنظمة أو أنظمة مشابهة، وبما أن هذا ليس آمنًا تمامًا ، فلا يوجد قانون يقيني بشكل مطلق، ولكن على الأقل إذا لم تكن هناك أمثلة على عكس ذلك يمكن افتراض مثل هذا اليقين.
ما هي القوانين التي تخضع لها الظواهر الاجتماعية
توضح مراجعة الأنواع المختلفة من القوانين التي تخضع لها الظواهر الاجتماعية أن علماء الاجتماع لم يهتموا على الإطلاق باكتشاف أو عزل أي قوانين مغلقة في مجالهم التجريبي، ولم يكن هذا الإغفال غير مقصود، فلقد أخذوا الأمر على إنه أمر طبيعي حيث أن الظاهرة الاجتماعية التي كانوا يحاولون تحديد القوانين التي تخضع لها تحدث دائمًا في وقت واحد أو على التوالي، وإما داخل شخصية بشرية واحدة أو داخل مجتمع واحد، وهكذا تم التعامل مع الشخصية أو المجتمع على إنه مكافئ القوانين المغلقة.
ولسوء الحظ فهم غير مؤهلين تمامًا للعب هذا الدور إذ هناك تشبيهات واعية أو غير واعية مع الفرد أو المجموعة، كما هو الحال في العديد من الحالات الأخرى.
ومن الواضح أيضًا أن لا الشخصية ولا المجموعة الخاصة بظاهرة اجتماعية معينة يمكن عزلها نسبيًا المجتمعات البشرية الآخرى، ذلك لأن التجارب الجديدة للظاهرة لا تأتي باستمرار من البيئة فحسب، فهي تجارب من المستحيل توقعها أو حسابها ولكن تتضمن الحياة الواعية والخلق والأنشطة الجديدة وتنتج بيانات جديدة لا يمكن اختزالها إلى أي شيء مضى من قبل والتي بدورها تمارس تأثيرًا على التطورات الاجتماعية الأخرى.
وبالتالي لا يمكن تحديد أي قوانين تتعلق بالظواهر الاجتماعية ما دامت الظواهر تحدث على الخلفية العامة لشخصية أو مجموعة من الشخصيات، ويجب إحالة أي ظاهرة يراد دراستها ليس إلى الفرد الملموس أو الذات الاجتماعية في مجملها ولكن إلى نظام محدود ومستقر نسبيًا بين تلك التي تدخل في تكوين الحياة الواعية للشخصية أو الجماعة، ويجب التعامل مع كل ظاهرة على أنها تغيير يحدث داخل كل مجتمع، لذلك يجب أن تُشكل القوانين من مجموعات معينة من الأنشطة والخبرات البشرية المستخرجة من السياقات الشخصية أو الاجتماعية المناسبة لكل ظاهرة.
القوانين النقدية التجريبية
يرى علماء الاجتماع أن القوانين النقدية التجريبية التي تخضع لها الظواهر الاجتماعية تنكر وجود أي نظام عقلاني أو تماسك للظواهر الاجتماعية، وعلى هذا النحو الظواهر الاجتماعية هي تجارب للموضوع، ويجب أن يتم تأسيس أي صلة بينهما أولاً من قبل الذات نفسها، أو من العالم المثالي للأخلاق والعلم والفن والدين، وقد يجد عالم الاجتماع الذي يدرس التجارب البشرية أن حدوثها الفعلي في الوعي الفردي مرتبط ببعض التغييرات التي تحدث في كائن معين واحد من بين تلك التي تشكل الظاهرة، أي في التغييرات الموضوعية، وبالتالي لها نظامها الخاص الذي قد يحل محل التسلسل غير العقلاني للظواهر الاجتماعية.
القوانين الموضوعية
من الواضح أن القوانين الموضوعية التي تخضع لها الظاهرة الاجتماعية يتم تعريفها على أنها مجموعة القوانين والأنظمة الموضوعية التي تتعامل فقط مع ما هو ذاتي في الأساس، وعلى هذا النحو القوانين الموضوعية التي تخضع لها الظاهرة الاجتماعية تقوم على اختبار الظواهر الاجتماعية من ناحية الموضوع، ومع ذلك فهي قوانين موضوعية وعقلانية، بمعنى أنها تدرس موضوع الظاهرة بالتجربة ولكن باعتبارها نظامًا حقيقيًا يربط فعليًا بين الحقائق التي تمت دراستها.