المخططات الثقافية كعمليات ديناميكية في الأنثروبولوجيا الإدراكية

اقرأ في هذا المقال


المخططات الثقافية كعمليات ديناميكية في الأنثروبولوجيا الإدراكية:

انسجاماً مع التقسيم بين العمليات النفسية الأساسية والمحتوى المعرفي المتغير ثقافيًا، يميل علماء الأنثروبولوجيا إلى تقديم وجهات نظر حول المحتوى الموجهة للنماذج الثقافية، لكن العديد من هذه الجهود أدركت أن تلك المخططات ليست ثابتة، والجدير بالذكر أن (Strauss Quinn) قدم سرد عام 1997 للعملية الموجهة لكيفية استيعاب المخططات الثقافية.

فالمخططات في الأنثروبولوجيا الإدراكية هي عمليات معرفية ديناميكية وبناءة يتوسط في فهم البشر للعالم الذي يتطور من خلال التفاعل المتجسد مع العالم أي المادية والاجتماعية والثقافية، وتعتبر المخططات جزءًا لا يتجزأ من الإدراك والاهتمام والاستكشاف والتنظيم والتفسير والتذكر والتمثيل وعمل الاستنتاجات وتنسيق العمل في العالم، إذ يعتمد صنع المعنى كعملية بناءة وخلاقة على المشاركة الديناميكية للمخططات، حيث أن العمل الحالي في العلوم المعرفية يفحص عمليات مثل المزج المفاهيمي والمزج القيادي.

كمحور لكل من المعنى اليومي والإبداع البشري الاستثنائي فهي عمليات تخيلية لبناء المعنى والتي تعمل بسرعة البرق، تحت أفق الوعي، ولا تترك سوى القليل من الآثار الشكلية لعقدها ديناميكياً، علاوةً على ذلك فإن المشاركة الاجتماعية والثقافية المعقدة تقدم للعالم إمكانيات متعددة لصنع المعنى ومن خلال المشاركات الاجتماعية يتعلم الأفراد أن وجهات النظر البديلة يمكن أن تؤخذ بشأن ما هو موضوعياً بنفس الموقف التجريبي.

النظريات المعاصرة حول المخططات:

تدين النظريات المعاصرة حول المخططات بالكثير للعمل الرائد لكاثرين بارتليت الذي قدم عبارة جهد بعد المعنى وسعى لفهم العمليات المعرفية فيما يتعلق بالحياة اليومية، والذي أقرب إلى پيير بورديو حيث يرى أن ما يتعلمه الجسد ليس شيئًا مثل المعرفة التي يمكن تلويحها، ولكن شيء واحد، كما مدد كاثرين بارتليت مفهوم المخططات الجسدية، التي تتطور ضمن مشاركة السياقات الموضوعة للتجسد إلى المخططات كما تشارك في الأنشطة المعرفية الأخرى.

وركز كاثرين بارتليت على التذكر، لكنه أكد أن التذكر لا يمكن فهمه من خلال العزلة ولكن فقط فيما يتعلق بالعمليات العقلية الأخرى، فمن أجل فهم كيف وماذا نتذكر، يجب على الإنسان أن يصل إلى كيف وماذا هو يدرك، كما تعمل المخططات خارج نطاق الوعي بصورة حية وتتطور، والتمثيلات العقلية العامة والإعدادات المنظمة في صياغة كاثرين بارتليت توقع المعلومات الواردة وتقيمها بشكل انتقائي بحيث أيها يمكن تعديلها من خلال تجارب جديدة.

ففهم الإنسان للمعلومات الجديدة هو متأثرًا بما يعرفه بالفعل، ويتم إنشاء التفسيرات بنشاط على أنها ذات مغزى فيما يتعلق بالمعرفة والخبرة السابقة، والتصور كما مفهوم ألفريد ايرفينغ هالويل، هو المكان الذي يلتقي فيه الإدراك والواقع، وفكرة المخططات كعمليات ديناميكية في الأنثروبولوجيا الإدراكية استباقية مع منظور بيئة سيميون جيبسون، حيث يرى مشاركات متنوعة في العالم المادي والاجتماعي والثقافي على أنها توفر فرصًا لتثقيف الانتباه وتعلم الإدراك بطرق ذات مغزى للتنقل في العالم.

وإنه من خلال الارتباطات المستمرة بشكل محدد العوالم الثقافية والأنشطة الهادفة، تصبح العمليات الإدراكية منسجمة مع الالتقاط ثقافيًا واجتماعيًا والمعلومات ذات صلة، وعلى حد تعبير (Ulric Neisser) الإدراك في العادة ليس كذلك مجرد عمليات في الرأس، ولكن المعاملات مع العالم، وهذه المعاملات لا تكتفي بإبلاغ المتلقي، بل يغيرونه أيضًا، فكل واحد تم إنشاؤه بواسطة الأفعال المعرفية التي ينخرط فيها، وبالنظر إلى الحجم الهائل لما هو متاح في العالم.

فالقدرة المذكورة أعلاه على إدراك الاحتمالات المتعددة تكملها الانتقائية الضرورية كالتمييز والتمايز، المستنيرة من التجارب السابقة فيما تم اكتشافه والاهتمام به وتم الاحتفاظ بها وتذكرها، وعنصر رئيسي آخر في نظرية كاثرين بارتليت هو مفهوم الموقف، بدلاً من ذلك يوصف بشكل غير متبلور بأنه حالة أو عملية نفسية معقدة وهو إلى حد كبير مسألة شعور أو تأثير في وقت واحد على الشخصية الاجتماعية، والموقف هو سمة توجيهية ومتغلغلة للنشاط المعرفي، والدافع والاهتمامات والقيم كلها تتفاعل مع الموقف لتوجيه الدورة التدريبية وتحديد محتوى الأنشطة المعرفية.

كما هو معني بالانخراط العاطفي أو المألوف ويختلف عبر السياقات المختلفة، كما أقر كاثرين بارتليت بأهمية التأثيرات الاجتماعية على الإدراك، من خلال المشاركة الاجتماعية والمجموعات الثقافية، حيث يطور الأفراد تحيزًا في التعامل مع الظروف الخارجية، وميل نشط إلى الملاحظة والاحتفاظ والتكوين على وجه التحديد على طول أبعاد معينة، كما تجمع فكرة كاثرين بارتليت عن المخططات بين التفكير والشعور والدافع فيما يتعلق بعالم ذي مغزى ثقافيًا.

فمنظور كاثرين بارتليت يوفر نقطة انطلاق مفيدة لاستكشاف العمليات المعرفية في سياقات الحياة اليومية، كما في كتابات ألفريد ايرفينغ هالويل وموقفه بأن الثقافة جزء لا يتجزأ من العملية المعرفية ولا يمكن اعتبار المحتوى فقط على أنه يمثل تحديًا لمفهوم الوحدة النفسية.

الوحدة النفسية في الأنثروبولوجيا الإدراكية:

في الأنثروبولوجيا الإدراكية الوحدة النفسية لجنس الإنسان هي الدرجة التي يصل إليها ويمكن أن يميز النفس البشرية بأنها نفسها بشكل أساسي على الرغم من التأثيرات الثقافية والاختلافات وغالبًا ما يكون سؤالًا تجريبيًا أكثر من كونه بداية افتراض، وفي بيان واضح، يؤكد برايس ويليامز كقاعدة لدى علماء الأنثروبولوجيا قبلت عقيدة الوحدة النفسية لتقبل الرأي القائل بأن العمليات المعرفية هي نفسها في جميع أنحاء العالم، وفقط المنتج أو المحتوى مختلف.

لكن مصطلحات مثل الوحدة النفسية والعام الأساسي غالبًا ما تُترك دون تحديد وخالية من أي محتوى موضوعي، مما أدى إلى ما يراه برايس ويليامز على أنه التشويش للوحدة النفسية، وعادة ما يفعله علماء الأنثروبولوجيا للدافع عن الاختلاف الثقافي باعتباره سمة إنسانية محددة مرارًا وتكرارًا ويؤكدون إيمانهم بالوحدة النفسية للجنس البشري عادةً دون ملاحظة التوترات الظاهرة بين هاتين النظرتين، فعالمة الأنثروبولوجيا لوسي ماير تندب ندرة البحث في النسبية اللغوية وهي الفرضية المرتبطة ب(Sapir وWhorf) أن تلك الثقافة من خلال اللغة التي يتحدثها البشر تؤثر على طريقة تفكيرهم.

ويقترح أن العديد من الباحثين قد يكونون مترددين في تحدي عالمية عمليات الإدراك التي أعطيت الخبرة التاريخية مع التفسيرات التطورية والعرقية للاختلافات المزعومة في العقلية، وعلى النقيض من ذلك، فإن العالمية الأيديولوجية أخلاقية وتم استقبالها جيدًا، ولا تتوافق هذه الدراسة بين العملية والمحتوى بل مع التيار لفهم التنمية البشرية والتعلم مدى الحياة، فمع تطور ثلاثة أرباع دماغ الإنسان بعد الولادة واللدونة العصبية طوال الحياة مدفوعة بالخبرة.

وهي جزء من تطور التراث وهو عقل إيكولوجي منطقي، ينظمه ويعتمد عليه طوال حياته على المدخلات البيئية ومصممة بدقة للتكيف المعرفي مع مختلف البيئات المتغيرة، وعلاقة البشر مع العالم هي علاقة نشطة حيث إن أدمغتهم هي في الأساس أدمغة العوامل المتجسدة القادرة على إنشاء واستغلال البنية في العالم، فعقل كل شخص يتشكل من خلال تجارب في بيئات اجتماعية وثقافية خاصة ومعقدة، وفي ضوء مجموعة متنوعة من البيئات الثقافية.

وقبول وجود التوحيد في الإدراك العالمي والاعتراف بتساوي الرضع من حيث إنهم مثل الأطفال الآخرين وإدراك أن الأنشطة المعرفية قد تأتي وأن تكون منقوشة على أسس ثقافية، لا يؤدي بالضرورة إلى استنتاج مفاده أن ذلك هو المنتج أو المحتوى المختلف فقط، فإذا كان من الممكن القول أن العملية والمحتوى متورطان بشكل متبادل في نشاط المشاركات المعرفية في عوالم اجتماعية ذات مغزى ثقافيًا، هناك القليل من التبرير لفصل العملية والمحتوى في بنيان النظرية.

وهذا يتضمن التركيبات التي تم تسليط الضوء عليها، وهي المخططات التي تمت مناقشتها كطريقة من التفكير، ومع ذلك، يجب أن يكون موقف علماء الأنثروبولوجيا من هذه الأمور يسمح بالتباين في العمليات المعرفية داخل البيئات الثقافية وكذلك بين البيئات الثقافية.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: