نتيجة لضعف السلاجقة، برزت في أواخر عهدهم ظاهرة قيام دول منفصلة على حسابهم، دارت فى فلك دولة الخلافة العباسية، عُرِفت بالدول الأتابكية، وهي ذات ذات أصول تركية. (أتابك: كلمة تركية مركبة من كلمتين، أتا: مربي، بك: أمير، ومعنى الكلمة: مربي الأمير).
نشأة الدولة الأتابكية:
نشأ الأتابكة في البلاط السلجوقي نتيجة للنظام الذي استحدثه السلاجقة القائم على شراء المماليك الأتراك، وإدخالهم في خدمة القصور السلطانية، خاصة فيما يتعلق بتربية أبنائهم، بالإضافة إلى تولي الوظائف العامة.
وترقى هؤلاء في المناصب الإدارية والعسكرية حتى وصلوا إلى مناصب القيادية واتخذوا من نشوب النزاعات داخل البيت السلجوقي بعد وفاة السلطان ملكشاه الأول، فرصة لفرض سيطرتهم على المناطق التي تحت حكمهم. وتسابقوا في توسعة رقعتها كل على حساب الآخر. وبذلك نشأ نزاع أتابكي داخلي سار في خط مواز للنزاع السلجوقي الداخلي.
أشهر هذه الأتابكيات: كيفا وماردين ودمشق ودانشمند والموصل والجزيرة وأذربيجان وفارس. وقامت إلى جانب الأتابيكات دول أخرى، نتيجة تولية السلاطين السلاجقة نواباً
لهم في الأقاليم التي كانت تحت حكمهم، فاستأثر هؤلاء النواب بحكم هذه الأقاليم وأورثوها أبناءهم، وقد تلقبوا بـ (الشاهات). أشهر هؤلاء الشاهات: شاهات خوارزم وشاهات أرمينيا.
وهكذا ورثت الدول الأتابكية وشاهات خوارزم أملاك السلاجقة، مما مهد السبيل لقيام مرحلة استقل فيها الخلفاء العباسيون، واستردوا ما كان لهم من سلطات، كما أتاح هذا الضعف والانقسام للغرب الأوروبي الفرصة لشن الحروب الصليبية ضد البلاد الإسلامية من جهة، ودفع المغول لاجتياح العالم الإسلامي في أقاليم بلاد ما وراء النهر وفارس وعراق من جهة ثانية، فدمروا بغداد وقضوا على دولة الخلافة العباسية. ولما كان سقوط هذه الدولة قد تم على أيدي هؤلاء المغول، فلا بد من أن نلم إلمامة وجيزة بتاريخ هذا الشعب قبل أن نتحدث عن ظروف سقوط دولة الخلافة العباسية.
نشأة المغول:
الواقع أن ظروف خروج المغول من موطنهم الأصلي في جوف آسيا باتجاه العالم الإسلامي، له علاقة بالمدى الذي وصلت إليه العلاقات بينهم وبين الدولة الخوارزمية. فما إن انبثق فجر القرن السابع الهجري، حتى شهد العالم الإسلامي اندفاع الجيوش المغولية الجرارة من شمالي شرقي آسيا على دفعات متقاربة ومتباعدة، وكان لها أثرها القريب والبعيد من النواحي السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية.
ما هم المغول إلا عبارة عن مجموعة من القبائل (الرحل)، تكونت في الهضبة المعروفة بإسم (هضبة منغوليا) شمالي صحراء غوبي. وعاشت على روافد نهر امور، وسيطرت على الأراضي الواقعة بين بحيرة بايكال فى الغرب وجبال كانكان على حدود منشوريا في الشرق. نبغ من بين أفراد المغول تيموجين الذي اختارته القبائل المغولية زعيماً عليها، واتخذ اسم جنكيز خان أي قاهر العالم. وقد أنشأ إمبراطورية مُترامية الأطراف امتدت من بلاد الصين شرقاً حتى حدود العراق وبحر الخزر وبلاد الروس غرباً، وبلاد الهند جنوباً.
ظروف توسع المغول باتجاه العالم الإسلامي:
في هذه الأثناء، حل الخوارزميون محل السلاجقة في حُكم المناطق الشرقية من في شؤون الخلافة العباسية حتى عزموا الاستيلاء على بغداد. فقد طمع علاء الدين محمد خوارزمشاه الذي خلف أباه تكش في تحقيق هذه الرغبة، وانتزاع السلطة من يد الخليفة العباسي الناصر. إلآ أنه اضطر إلى التراجع تحت الضغط المغولي الذي أخذ يجتاح بلاده، بالإضافة إلى مُضايقة الأمراء له.
وكان من أثر ازدياد الخلافات التي جرت بينه وبين الخليفة، أن ذهب هذا الأخير على الاستعانة بالمغول ليشغل بهم السلطان الخوارزمي حتى يأمن شره ويبعده عن العراق. فكتب إلى جنكيز خان يحثه على العبور إلى البلاد الإسلامية ووعده بالتعاون معه لضرب الخوارزميين.
لكن رغم وصول هذه الرسالة إلى المغول، فإنها لم تكن السبب في غزو جنكيز خان للدولة الخوارزمية. إذ في الوقت الذي وصلت فيه رسالة الخليفة، كان الزعيم المغولي قد توسع في فتوحاته نحو الغرب حتى تاخمت حدود بلاده حدود الدولة الخوارزمية، واستطاع أن يعقد مُعاهدة تجارية مع الخوارزميين. ولذلك لم يُعر رسالة الخليفة أي التفاتة.
ويبدو أن الكارثة كانت آتية، لكن سببها المباشر يعود إلى إحدى هذه البعثات التجارية. حين أرسل جنكيزخان قافلة تجارية إلى غربي آسيا للتجارة في الأسواق الخوارزمية. ولما وصلت إلى مدينة أوترار الواقعة على نهر سيحون. أجهز أينال خان، حاكم المدينة، عليها وقتل جميع أفرادها وسلب البضاعة. لم يكن بوسع جنكيزخان أن يتغاضى عن هذه الإثارة خاصة بعد أن رفض السلطان طلباً له بتسليمه حاكم أوترار.
فجهزَّ جيشاً جراراً وهاجم الأراضي الخوارزمية. فسيطر على إقليم ما وراء النهر في عام (617 هجري)/(1220 ميلادي)، وسقطت العاصمة الخوارزمية فى يده. وتوفي علاء الدين في إحدى جزر بحر قزوين في عام (618 هجري)/(1221 ميلادي)، فاراً من وجه المغول، الذين استولوا على خراسان. وفي عام (619 هجري)/(1222 ميلادي)، غادر جنكيزخان الأقاليم الغربية بعد أن ثبت حُكّم المغول في إقليمي ما وراء النهر وخراسان بشكل نهائي.