المسؤولية الاجتماعية الشاملة كمنهج عملي

اقرأ في هذا المقال


المسؤولية الاجتماعية الشاملة كمنهج عملي:

ليست المسؤولية الاجتماعية كاتجاه أيديولوجي إلا وضعاً للعلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات والمنظمات داخل إطار فكري اجتماعي جديد تحقق به التوافق بين مصالحها والتكيف مع ظروف حياتها الاجتماعية المشتركة، من أجل أن تتقدم جميعها وبمجتمعها تقدماً سليماً ومتزناً وآمناً ومستقراً.

والمسؤولية الاجتماعية كمنهج عملي هي التعبير الفعلي عن هذا الإطار الفكري الاجتماعي الجديد للعلاقات الاجتماعية بين الأشخاص والجماعات والمنظمات، بمعنى أنها ترجمة لأفكارها إلى واقع لفظي وفعلي في كل ما يتصل بها أو يصدر عنها، ذلك لأن القيم والمثل الإنسانية لا تؤتي ثمارها إلا إذا طبقت بالفعل، وبدون تطبيقها عملياً تصبح كنوع من السباحة في بحار من الخيال التي لا تعود على صاحبها إلا بشيء من المتعة الذهنية دون أن تنعكس لها آثار على سلوكه ومعاملاته اتجاه الآخرين، أو على علاقات الآخرين به.

والمسؤولية الاجتماعية كمنهج عملي نجد في العلاقات العامة طريقاً تنتقل وترسل من الأيديولوجية إلى التطبيق ومن الفكر إلى الممارسة ولذلك يمكن القول أن العلاقات العامة في بدايتها التاريخية والعملية والواقعية هي الناحية العملية للمسؤولية الاجتماعية في المجتمع المعاصر، ويمكن إثبات ذلك بأدلة لا حصر لها.

فمن الناحية التاريخية، نجد أن الخلفية الثقافية نشأة في العلاقات العامة الحديثة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وتشير إلى أن غياب مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمشروعات الصناعية الاحتكارية في المجتمع الأمريكي عندما كانت الأيديولوجية الرأسمالية التقليدية على أشدها اندفاعاً وراء المصالح الخاصة ﻷصحابها، أدى إلى خلق فجوة من الشك وعدم الثقة والغضب والثورة النفسية بين هذه المشروعات الصناعية الاحتكارية وجماهيرها.

ولقد بدأ لأصحاب هذه الاحتكارات في تلك الحقبة أن المخرج من هذه الأزمة بينها وبين جماهيرها هو في اللجوء إلى نوع من الأنشطة كالنشر والدعاية والتي أطلق عليها فيما بعد اصطلاح العلاقات العامة، على أساس فلسفة تنبؤها وهي أنه ليس مهما أن تفعل الشيء الصحيح بقدر ما هو مهم أن يعرف الناس أنك تفعل الشيء الصحيح.

ولئن كانت هذه الخلفية تشير إلى أن غياب مفهوم المسؤولية الاجتماعية هو السبب وراء ظهور العلاقات العامة الحديثة، فإن الكيفية التي مارستها بها المشروعات الصناعية الاحتكارية تعني سوء فهم لطبيعة الظروف التي أدت إلى هذه الفجوة بين المشروعات الصناعية وجماهيرها.

إن السبيل لم يكن في خداع الجماهير، فلقد كانت الجماهير تعلم كل شيء بدليل ما حدث عندها من ردود فعل عنيفة، وإنما كان من المفروض أن يكون السبيل في تصحيح هذه المشروعات الصناعية لمفاهيمها وﻷفكارها ولممارساتها قبل أن تتجه إلى اقناع الجماهير.

ولذلك سارت العلاقات العامة نحو تصحيح مفهومها في نفس الوقت الذي سارت فيه المشروعات الصناعية نحو تصحيح مفاهيمها وممارساتها التي انتهت إلى ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية في النمط الاجتماعي ﻷيديولوجية الصناعة.

هل العلاقات العامة تحقق للمشروعات الصناعية ولنفسها تكامل وتوافق؟

أصبحت العلاقات العامة تعني أن تحقق المشروعات الصناعية لنفسها تكاملاً وتوافقاً صحيحاً، وأن توفر لنفسها سياسات صحيحة وقرارات سليمة وأنماط سلوك سلوك مقبولة وعلاقات ومعاملات إيجابية على ضوء ما حققته لنفسها من توافق بين مصالحها ومصالح جماهيرها، وأن تعتمد على الحقائق الصادقة وهي تتجه إلى اقناع نفسها وجماهيرها بأنها فرد صالح في المجتمع الذي تنتمي إليه.

وهذا يعني من الناحية التاريخية، أن هناك ارتباطاً مصيرياً بين المسؤولية الاجتماعية والعلاقات العامة، فالمسؤولية الاجتماعية تقدم للمشروع الصناعي الصورة الفكرية الاجتماعية الصحيحة، والعلاقات العامة تقدم للمشروع الصناعي والمسؤولية الاجتماعية المنهج العملي المنظم الذي ينقل الفكر إلى التطبيق العملي السليم بما تحققه من واقع سليم يعبر عن المصالح المشتركة للمشروع ولجماهيره، وبما تحققه من اقناع الجماهير بصلاحية المشروع، ذلك لأنه لم يعد كافياً في الوقت الحاضر أن يكون المشروع فرداً صالحاً في المجتمع، وإنما ينبغي أن يقتنع الناس أنه بالفعل فرد صالح.

أما من الناحية العلمية، فالعلاقات العامة كاصطلاح علمي تعبر عن هذا الارتباط بين المسؤولية الاجتماعية والعلاقات العامة، فإن هذا الاصطلاح يعني الارتباطات بين الجماهير النوعية، أي أنه يعني الأساليب العلمية والعملية التي تحكم الارتباطات بين الجماهير النوعية.

وتبين من دراسة علمية قمنا بها حول الاستبيان الاجتماعي للعلاقات العامة، أن العلاقات العامة ليست إلا علاقات بين جماهير نوعية من البشر، فإذا كان الجمهور النوعي يعني من الناحية العلمية مجموعة من الناس تربط بينهم مصالح مشتركة، فإن الإدارة العليا في أي مؤسسة أو منظمة ما هي إلا جمهوراً نوعياً، ويقابلها جماهير نوعية أخرى ترتبط بها بمصالح أساسية، وما المؤسسة إلا وسيلة لتحقيق المصالح المشتركة بينها جميعها.


شارك المقالة: