المسؤولية الاجتماعية كسلوك منظم

اقرأ في هذا المقال


المسؤولية الاجتماعية كسلوك منظم:

إن المسؤولية الاجتماعية كاتجاه أيديولوجي وكمنهج عملي تتطلب تنظيماً اجتماعياً على مستوى المجتمع كله، فالفرد ينبغي أن يتشبع بها كعقيدة اجتماعية منذ مراحل نموه الأولى فيما يمكن أن نسميه بالتربية الاجتماعية، وأجهزة المجتمع وجماعاته ومنظماته، ومنها المشروعات الصناعية، ينبغي أن تتحمل نصيبها من المسؤولية الاجتماعية، كل بحسب طبيعة عمله وامكاناته، ويقول جولز باكمان، أن تطبيق المسؤولية الاجتماعية يتطلب من الحكومة أن تضع لها أهدافاً واضحاً ومحددة، كما يتطلب أن تقتنع المشروعات الصناعية بها وأن تتعاون على تحملها.

وهذه المتطلبات جميعها تكون سهلة ميسورة إذا استعملت الحكومة الدوافع المقنعة بدلاً من القوة، ذلك لأن تطبيق المسؤولية الاجتماعية يحتاج إلى تنوع الجهود وتعاونها وتكاملها، على أن يترك لكل مشروع صناعي بعد ذلك الحرية لكي يضع ما يناسبه من خطط لتنفيذ ما يخصه منها، وهذا جانب مما نقده بالمسؤولية الاجتماعية كسلوك منظم.

والارتباط الوثيق بين المسؤولية الاجتماعية والعلاقات العامة سوف يخرج العلاقات العامة من دورها التقليدي كمهنة متخصصة، وهو دور ركزت عليه نتيجة لعدم إدراكها لهذا الارتباط الوثيق، إلى دور جديد كمهنة ذات طبيعة خاصة تعبر به عن المسؤولية الاجتماعية كمنهج علمي، وهذا هو الجانب الآخر لما نقصده بالمسؤولية الاجتماعية كسلوك منظم.

العلاقات العامة مهنة ذات طبيعة متكاملة وشاملة:

والعلاقات العامة كمهنة ذات طبيعة خاصة لها مفهوم شامل ومتكامل، فهي تعني في جانب منها أن المؤسسة ككيان في المجتمع له أهدافه وامكاناته، عليها أن توفق بين مصالحها ومصالح جماهيرها، فمصالح المؤسسة ليست إلا مصالح الذين أقاموها في المجتمع، أي مصالح الإدارة العليا، وإذا كان الجمهور النوعي يعني فردين أو أكثر تربطهما مصالح مشتركة، فإن العلاقات العامة هنا تستهدف تحقيق المصالح المشتركة بين جماهير نوعية من البشر، وهذا الجانب أسميناه بالجانب الاجتماعي للعلاقات العامة.

ثم يأتي الجانب الثاني والمتمثل في العلاقات العامة كمهنة متخصصة لكي يقنع هذه الجماهير النوعية بالكيفية التي تحققت بها المصالح المشتركة بينها، ولا انفصال بين الجانبين، وإنما هناك تكامل تام بينهما فلا وجود لأحدهما بدون الآخر، وهما معاً يمثلان المفهوم الشامل والمتكامل للعلاقات العامة كمهنة طبيعية خاصة.

ومعنى هذا أنه إذا كانت المسؤولية الاجتماعية الشاملة في المجتمع المعاصر تعني أن كل فرد، سواء أكان عادياً أو اعتبارياً، له حقوق وعليه واجبات، وأن عليه أن يواري بين الحقوق والواجبات حتى يصبح شخصاً صالحاً متكيفاً مع المجتمع الذي يعيش فيه داخل إطار من روح العائلة الواحدة وانطلاقاً من ظاهرة الاعتماد المتبادل بين الأشخاص جميعهم، فإن العلاقات العامة كمنهج عملي منظم تحاول تحقيق هذا التوازن في شتى المجالات المادية والمعنوية التي تمتد إليها انتفاع كل فرد اعتباري ومصالح الجماهير التي ترتبط به، ثم أن تحقيق هذا التوازن لا يكفي، وإنما لا بدّ أن يكون الفرد الاعتباري وجماهيره على اقتناع تام بأن مصالحها جميعها تتحقق بالكيفية المناسبة له ولها.

وكما أن المفهوم الأول والشائع للعلاقات العامة كمهنة متخصصة ألقى بظله على كل أنشطة العلاقات العامة، فإن مفهومها الشامل والمتكامل كمهنة ذات طبيعة خاصة، أي المعبر عنها كمنهج عملي منظم للمسؤولية الاجتماعية الشاملة، سوف يؤدي إلى تغييرات جوهرية في كل أنشطة العلاقات العامة من تنظيم إداري وتخطيط واتصال وتقويم، ولكي توفر لنفسها كل المسؤوليات والسلطات الملزمة التي تستطيع بها القيام بهذا الدور الجديد بفعالية واقتدار.

فقد أشار ملفن آشن، إلى أن هذا الدور الجديد للعلاقات العامة سوف يفرض على خبراتها معارف ومهارت جديدة أشمل مما تطلبه دورها التقليدي، كما سيفرض على المشروعات الصناعية تنظيماً إدارياً يستهدف تحديد العلاقة بين جهاز العلاقات العامة والإدارة العليا، حيث تصنع القرارات المؤثرة على سلوك هذه المشروعات وسياساتها.

ولقد تبين من بحث قمنا به حول هذه النقطة، أن هذا التنظيم الإداري المطلوب للعلاقات العامة المعبر عن المسؤولية الاجتماعية كمنهج عملي ثم كسلوك منظم، يمكن أن يتمثل في مجلس للعلاقات العامة تشترك فيه الإدارة العليا والمستويات الإدارية الأخرى إلى جانب خبراء العلاقات العامة، وتتحدد لهذا المجلس مسؤوليات واضحة وسلطات ملزمة تتوزع بالتفويض على كل فرد فيه بحسب مكانته وطبيعة عمله.

وينظم بحسب مراحل العمل من ناحية وبحسب نوعية الجماهير من ناحية أخرى، داخل إطار من المفهوم المتكامل للعلاقات العامة والمعبر عن المسؤولية الاجتماعية كمنهج عملي منظم، وتتوفر له الإمكانات المادية والفنية الملائمة والإمكانات البشرية المتخصصة، وتتوفر للعاملين به أحدث أساليب التعامل الإداري السليم وذلك لحساسية المسؤوليات الملقاة على عاتقهم بالنسبة لواقع المشروع الصناعي ومستقبله.

ماذا يستهدف التنظيم الإداري للعلاقات العامة؟

ولعل أهم ما يستهدفه هذا التنظيم الإداري المطلوب للعلاقات العامة، أن يجعل العلاقات العامة مسؤولية كل فرد في المشروع الصناعي وليست فقط، مسؤولية إدارة صغيرة أو كبيرة من الإدارات المتفرعة عن الإدارة العليا، وهذا الهدف يتفق مع طبيعة المسؤولية الاجتماعية كاتجاه أيديولوجي وكمنهج عملي إذا كانت المسؤولية الاجتماعية من الناحية الفكرية هي الضمير الاجتماعي لكل فرد في المشروع الصناعي، فإنها من الناحية العملية ينبغي أن تنعكس على كل أقواله وسلوكه وعلاقاته، وهذا هو ما استهدفه هذا التنظيم الإداري المطلوب للعلاقات العامة.

ثم إن هذا التنظيم الإداري المطلوب للعلاقات العامة سوف يمارس مسؤولياته بخطوات علمية منظمة من زاوية أخرى أوسع وأشمل ومتفقة مع مفهومها الشامل المتكامل فالعلاقات العامة ليست عملاً منفصلاً أو عشوائياً أو وقتياً، ولكنها عمل متصل بكيان المؤسسة اتصالاً عضوياً كما أنه عمل منظم ودائم، وإذا كانت العلاقات العامة تبدأ ممارستها لأنشطتها بالدراسات والأبحاث العلمية سواء على المشروع الصناعي أو على جماهيره أو على قنوات الاتصال بينه وبينها لوضع الأهداف المشتركة للخطط العلاجية والوقائية، ثم يكون تنفيذ هذه الخطط باستخدام الاتصال والاقناع بعد مراعاة التوقيت المناسب والملائم.

وقبل أي خطة وخلالها وبعدها تجري عمليات التقويم حتى نضمن لكل خطة العناصر الأساسية لنجاحها وتحدد النتائج التي تترتب عليها لصالح المشروع الصناعي ولصالح جماهيره أيضاً، فمما لا شك فيه أن كل خطوة من الخطوات العلمية سوف تكون لها أسسها وأساليبها التي يراعي فيها هذا التكامل بين شقي المفهوم الشامل للعلاقات العامة، كما أن كل خطوة سوف تتابع وتتعاون مع الخطوات الأخرى لتحقيق الأهداف المرجوة من المسؤولية الاجتماعية كاتجاه أيديولوجي وكمنهج عملي منظم.

وهنا تصبح المسؤولية الاجتماعية سلوكاً منظماً من جانبين هامين، فهي سلوك منظم على مستوى المجتمع كله، وهي سلوك منظم على مستوى كل مشروع صناعي، فلا يكفي أن يعتنق المشروع الصناعي مسؤولية الاجتماعية كعقيدة وأن يترجمها كمنهج عملي، ولكن لا بدّ أن يطبق المنهج العملي بخطوات علمية منظمة وملزمة وشاملة، فكم من الأفكار النبيلة والأهداف المثالية يساء فهمها وتضل طريقها وتضعف نتائجها إذا تركت العشوائية والاجتهادات الشخصية.


شارك المقالة: