الوهن الفردي

اقرأ في هذا المقال


يُعنَى بهذا النَّوع من الأوهان ضَعف الروابط الاجتماعية القائمة بين الفرد والجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها عَبر مراحل نموه العُمري.

مشكلة الوَهَن الفردي:

أي أنَّ الوَهَن الفردي يبدأ من عدم تماثُله مع الخلايا الاجتماعية التي يعيش فيها وهي الأسرة والجماعة العُمريّة والمدرسة وشِلَل الصَّداقة وأقاربهِ، الأمر الذي يكون فيه بعيداً عن مؤثّراتها وتفاعلاتها فتُصبح مكانته غير مُهمّة ودورَه هامِشياً فيها وغير فاعِل في الأنشطة وقليل الالتزام بمسؤولياته تِجاهها، كلّ ذلك يَجعل منه إنساناً غامضاً وقلقاً نحو نفسه وتِجاه الآخرين لأنَّه لا يتماثل أو غير قادر على التماثُل مع معايير وقِيَم وأهداف الجماعات الاجتماعية التي تعيش في أوساطها فيكون شِبه مُنعزل اجتماعياً أو منطوياً وتكون علاقته بها سطحية.

ومن خلال القنوات الرسمية وسائل الاتصالات السَّمعية والمقروءة والمرئية هذا النَّوع من الترابط لا يُمَتّن أو يُعزّز تماثُل الفرد مع جماعته لأنَّها وسائل اتصال غير مباشرة. مثل هذا النَّوع من الأوهان نجده سائداً في المناطق الحضرية.

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى طَرح الباحث الألماني “إيريك فروم” عندما كتب عن موضوع “الهروب من الحرية ” شارِحاً ومُحلّلاً فيه الفرد المُتحضّر الذي حَررَت ذاته من العديد من الضغوط والمؤثرات الاجتماعية التقليدية في معظم مراحل نمو حياته فبدأ يَنفر من الحرية التي كان يَنشدها ويَصبوإليها لأنَّها عَزلته عن باقي الأفراد ووضعَته تحت رحمة ضغوط التكنولوجيا والديوانية البيروقراطية والتصنيع المُتقدّم الذي لا يَرحم الإنسان ولا يَغفر أعماله بل يتعامل معه كما لو كان قطعه مادية في ماكنة حديدية أو كحالة من حالات الجهاز الاداريّ الصَرف، هذا النوع من الأفراد لا يستطيع أنْ يَجِد صورته الذاتية والاجتماعية لأنَّه بعيد عن مرآة المجتمع التي تُمثّل تقويم وأحكام الآخرين عليه التي يمكن الحصول عليها بعد تفاعله وإقامة علاقات اجتماعية مع مختلف الجماعات الاجتماعية.

واذا فقد الفرد أو تَعذَّر حصوله على هذه التقييمات والأحكام فإنَّ توافقه مع مجتمعه يكون مُتعذِراً وعسيراً فينعزل تلقائياً وهذا مؤشر اجتماعي أكيد على معرفة مكانته الاجتماعية داخل المجتمع كذلك نستدل من خلالها على حِرَكيّة أدواره الاجتماعية المرتبطة بها وباقي مكاناته الاجتماعية لأنَّ معرفة مكانات الفرد وأدواره تساعدنا على معرفة شخصيته وفرديته أي “ذاته الأنوية والنحنوية” هذا من جانب ومن جانب آخر فإنَّها تُوضّح لنا مضامين خبراته الاجتماعية داخل المكانات والأدوار التي شَغلها ومارَسها وبالوقت ذاته نستدل على مواقفه من قِيَم مجتمعه.

واذا تمَّ التَّوصل إلى كلّ ذلك فإنَّنا نَتوصّل إلى فلسفته في الحياة وكيف ينظر إلى مُجرياتها ومُتغيراتها وهذا بدون شكّ يُوضّح كذلك مؤشرات ثقافة مجتمعه على تفكيره عن الوجود وعن الإنسان ودرجة انسجام فلسفة حياته مع فلسفة مجتمعه، إذ أنَّ تقارب فلسفة الفرد مع فلسفة المجتمع في الحياة أو الوجود الإنساني يَحصل كلّما ابتعدت عن التمدّن والتّحضّر. أي تتشابه في المجتمعات التقليدية وتتباين بشكل متكاثر كلّما تقدمت في التَّمدّن والتَّحضّر.


شارك المقالة: